•غرقت باريس تقريباً بفيضانات مياه نهر السين التي فاضت على ضفتيه، وهذا على ما يبدو سيكون أيضاً مصير "المبادرة الفرنسية للسلام في الشرق الأوسط". وكما وصفت صحيفة "نيويوك تايمز" الأمر، فإن اجتماع وزراء الخارجية الـ29 الذين التقوا في العاصمة الفرنسية تلبية لدعوة الرئيس هولاند "استمر تحديداً ثلات ساعات، ولم يكن أكثر من فرصة لالتقاط صورة".
•برزت عدم أهمية لقاء وزراء الخارجية في الكلمة الافتتاحية للرئيس هولاند التي قال فيها: "لم نعد في الوضع الذي كان سائداً سنة 1993 مع اتفاقات أوسلو، أو في سنة 2002 مع مبادرة السلام العربية، ولا في سنة 2007 مع مؤتمر أنابوليس، بل نحن في سنة 2016 مع حرب في سورية والعراق، ومع إرهاب وتيارات أصولية".
•يثبت ترتيب الموضوعات المقلوب في الخطاب أن المزيد من الأطراف الدولية بدأت تدرك أن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني ليس العنصر الأساسي، وبالتأكيد ليس الوحيد لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط - بل هو الفوضى الآخذة في الانتشار في المنطقة بسبب الأصولية الإسلامية، وانهيار الدول التي قامت بعد اتفاقية سايكس - بيكو، وصعود قوة إيران. في هذه الأثناء تقرر الاجتماع مجدداً- وهذه المرة بمشاركة الإسرائيليين والفلسطينيين الذين لم يدعوا إلى اجتماع باريس - في نهاية السنة الحالية. وسيجري هذا بعد الانتخابات في الولايات المتحدة، أي في الوقت الذي سيكون في البيت الأبيض رئيس بمثابة "بطة عرجاء"، وحتى لو أراد فهو لن يكون قادراً مع وصول إدارة منتخبة جديدة على الالتزام بموقف للولايات المتحدة تحت الإدارة الجديدة حيال مشكلات العالم، بما في ذلك النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. هناك انطباع واضح بأن الأميركيين لم يكونوا متحمسين للاجتماع، وأن وزير الخارجية لم يوافق على ما يبدو إلا على توقيع بيان ختامي عام وغير ملزم. ويمكن افتراض أن غياب وزراء خارجية ألمانيا وبريطانيا وروسيا مؤشر على تحفظهم حيال المبادرة الفرنسية.
•لكن موقف واشنطن المتحفظ إلى حدّ ما إزاء المبادرة الفرنسية لا ينبع فقط من الرغبة المعلنة للرئيس أوباما في تقليص تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل ربما أيضاً لأن واشنطن لا تنظر بعين الرضا إلى إمساك فرنسا بزمام الأمر، وهي تفكر بطرح أفكار خاصة بها تتعلق بالمشكلة الفلسطينية. وإسرائيل تعي احتمال تحقق هذه الإمكانية وضم ليبرمان الصقري إلى الحكومة سيسهل عليها الدفع بمواقفها المحقة.
•الفلسطينيون خرجوا راضين من باريس. فبالنسبة إليهم مجرد انعقاد المؤتمر واحتمالات أن تكون له تتمه يخدم هدفهم المتمثل بتدويل النزاع بقدر المستطاع، أي التوصل إلى حل مفروض من دون مفاوضات ومن دون أن يطلب منهم تقديم تسويات وتنازلات. لقد كانت نية الفرنسيين الأصلية أكثر تطرفاً وأقل توازناً، أي تقديم الدعم الشفهي لمبدأ المفاوضات - لكن الإعلان مسبقاً أن باريس ستعترف بدولة فلسطينية لو فشلت المفاوضات، وهذا يعني دعوة الفلسطينيين إلى الاستمرار في التصلب في مواقفهم.
•صحيح أن الفرنسيين أبعدوا في هذه المرحلة، المسدس عن صدغ إسرائيل، لكنهم عادوا إلى المعزوفة المعتادة بأن المستوطنات (مثل عمليات الارهاب) هي العنصر الأساسي وراء جمود عملية السلام - وأضافوا إلى ذلك الدعوة إلى "انهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ سنة 1967" - متجاهلين الأسباب التي أدت إلى الاحتلال، وبخلاف قرار مجلس الأمن 242 الذي ربط انسحاباً إسرائيلياً من "أراض" [محتلة] (وليس الأراضي كلها) بتعيين حدود مُتفق عليها وآمنة.