إسرائيل تعزل نفسها عن مبادرة السلام الفرنسية مثلما فعلت في المفاوضات النووية مع إيران
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•خلال فترة طويلة فضلوا في إسرائيل تجاهل مبادرة السلام الفرنسية. وعندما تحدث عنها للمرة الأولى وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس في نهاية كانون الثاني/يناير الماضي قبل أسابيع من مغادرته منصبه لم يأخذ أحد كلامه على محمل الجد. وكان التقدير في القدس حينذاك أن المبادرة ستلقى في سلة مهملات التاريخ في اليوم الذي سيخرج فيه فابيوس للمرة الأخيرة من مكتب وزارة الخارجية.

•مع مرور الوقت اتضح أن الفرنسيين يواصلون تقدمهم بقوة. ورويداً رويداً جندوا دولاً أخرى للمشاركة في المبادرة بصورة أو بأخرى. إن بعض الدول المشاركة في الحدث الذي سيبدأ هذا الصباح غير متحمسة للعملية، لكن في النهاية كلهم سيحضرون وسيشاركون.

•إن السبب الأساسي لذلك هو أنه لا توجد حالياً لدى أحد فكرة أفضل، فرئيس الولايات المتحدة باراك أوباما لن يقوم بتحرك مهم في الموضوع الإسرائيلي– الفلسطيني قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في تشرين الأول/نوفمبر المقبل. وسيصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الاجتماع اليوم من دون حماسة. فهو لا يحب التحرك الفرنسي، لكنه من جهة أخرى لم يفعل شيئاً لكبحه. وما ينقص هنا هو فقط أن يعلن الأميركيين أنهم في هذه الحالة أيضاً قرروا أن يقودوا من الخلف. إنما والحال على ما هي عليه، تبدو مبادرة السلام الفرنسية هي اللعبة الوحيدة في المدينة. 

•ترمز المبادرة الفرنسية أكثر من أي شيء آخر إلى يأس المجتمع الدولي من الزعامتين الإسرائيلية والفلسطينية اللتين بدلاً من التقدم نحو حل النزاع فإنهما تنتهجان سياسة تجعل حل الدولتين مستحيلاً. والنتيجة لهذا اليأس هي ما يمكن أن يتضح أنه نهاية عهد المفاوضات الثنائية المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، وسيصبح المجتمع الدولي أكثر تدخلاً من أي مرة سابقة في النزاع متجاهلاً الطرفين وشاعراً حيالهما بالازدراء، وببساطة سيمضي قدماً من دونهما.

•في هذا الأسبوع فقط أدركت إسرائيل أن المبادرة الفرنسية لن تختفي بسرعة. وقبل ثلاثة أيام شكلت طاقماً خاصاً في وزارة الخارجية من أجل الموضوع، وأخيراً أجرى رئيس الحكومة نتنياهو أمس أول نقاش مهم للموضوع. إن سيطرة جدول الأعمال السياسي على برنامج عمل نتنياهو في الشهر الأخير بالاضافة إلى سوء تقدير شأن المبادرة، أدّيا إلى عدم استعداد إسرائيل كما ينبغي من الناحية السياسية.

•كانت السياسة التي اختارتها إسرائيل هي الرفض المطلق للمبادرة الفرنسية من خلال ادعاء أن عقد مؤتمر دولي من شأنه أن يعرقل عملية السلام أو يمنع المفاوضات مع الفلسطينيين. وعندما سمع دبلوماسيون ووزراء خارجية على صلة بالموضوع هذا الكلام من نتنياهو ومن موظفي وزارة الخارجية، لم يعرفوا ما إذا كان عليهم أن يضحكوا أو يبكوا، وكأن السلام يمكن أن ينشأ في أي لحظة، فقط إذا لم يقم الفرنسيون بعرقلته. هذا هو أيضاً السبب الذي لم تكن هناك لأجله أي مشكلة للفرنسيين في تجاهل موقف إسرائيل والمضي قدماً.

•الفلسطينيون أيضاً لا يحبون كل تفاصيل المبادرة الفرنسية، ولكنهم قالوا "نعم، ولكن". وفي المقابل، يشبه تصرف الإسرائيليين حيال مسألة مبادرة السلام الفرنسية جداً سلوكهم حيال موضوع المحادثات النووية بين إيران والدول العظمى.

•وكما جرى في الموضوع الإيراني حين رفضت إسرائيل رفضاً قاطعاً التسوية ورفضت إبداء أي مرونة، ها هي اليوم تعزل نفسها وتواجه وضعاً لم تعد فيه داخل الصورة ولم تعد ذات أهمية فيما يتعلق بقرارات المجتمع الدولي في هذه المسألة، كما لو أن المجتمعين في باريس سيتحدثون عن الحرب الأهلية في سورية أو ليبيا، لا عن قضايا تتعلق بحياة كل إسرائيلي.

•حتى المؤتمر الصحافي الذي عقده مدير عام وزارة الخارجية دوري غولد بالأمس بدا وكأنه إعادة عرض لمواقف من حقبة الاتفاق النووي مع إيران. ومثل المقارنة المرفوضة التي قام بها نتنياهو بين اتفاق الاطار بين إيران والدول العظمى في لوزان واتفاق ميونيخ سنة 1938، كذلك هي المقارنة التاريخية التي قام بها غولد بين لقاء وزراء خارجية لمدة ثلاث ساعات، ومن غير المتوقع أن يخرج بقرارت مصيرية، واتفاقات سايكس - بيكو التي فرضت من خلالها دول الغرب نظاماً جديداً في الشرق الأوسط. من المشروع معارضة المبادرة الفرنسية، لكن من غير الواضح كيف بعد ادعاء إسرائيل طيلة أسابيع أنها غير مهمة، إذ بها تقارنها في اللحظة الأخيرة مع أحد أكثر الأحداث السياسية التاريخية والدراماتيكية في الشرق الأوسط خلال المائة سنة الأخيرة.

•من الصعب معرفة ما ستسفر عنه مبادرة السلام الفرنسية وما إذا كان اجتماع وزراء الخارجية في باريس سيثمر عن عقد مؤتمر سلام دولي في نهاية السنة. من السابق لأوانه معرفة ذلك. ولهذا تحديداً ليس من الواضح أية فائدة قد تجنيها إسرائيل من أن تؤدي مرة أخرى دور الرافض، فهي لم تنجح حتى الآن في وقف المبادرة الفرنسية، وإذا كان كل ما تفعله هو تكرار المواقف البالية فإنها كذلك لن تنجح. إن كبح المبادرة الفرنسية يفرض على نتنياهو تقديم اقتراح بديل.

 

•في محاولته القيام بذلك، علّق رئيس الحكومة كل آماله على الرئيس المصري السيسي، وعلى رئيس الحكومة البريطانية السابق طوني بلير وعلى المبادرة الإقليمية التي قدماها. وهذه هي الرسالة التي مررها نتنياهو في المحادثات الهاتفية التي أجراها مع عدد من وزراء الخارجية الغربيين: لا للمبادرة الفرنسية، ونعم للمبادرة المصرية. ولكن أحد الشروط الأساسية التي بلورها بلير والسيسي مع عدد من الأطراف الدولية كان انضمام يتسحاق هيرتسوغ أو تسيبي ليفني والمعسكر الصهيوني إلى الحكومة. يحاول نتنياهو نقل هذه الخطة إلى حكومة فيها أفيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع ويواصل محاولته ادخال المعسكر الصهيوني إلى الحكومة. وإذا نجح في اقناع الرئيس المصري بوجود محاور وموضوع للحوار، فإنه بذلك يكون قد خطا خطوة كبيرة على طريق كبح المبادرة الفرنسية أو تغييرها بصورة تخدم مصلحة إسرائيل.

 

 

المزيد ضمن العدد 2385