المسؤولون عن أربع ساحات في وحدة الأبحاث في الاستخبارات يرسمون خريطة العداوات والفرص والسيناريوات التي تنتظر إسرائيل (الحلقة الأخيرة)
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

المؤلف

إيران: التهديد باق

•منذ توقيع الاتفاق النووي لم تلحظ الاستخبارات [الإسرائيلية] قيام إيران بنشاطات ممنوعة بصورة واضحة، لكن من المؤكد أنها تلعب على الحدود بين ما هو مسموح وما هو ممنوع. وكمثال على ذلك كان الاحتفاظ بكميات أكبر من المسموح به من المياه الثقيلة، وتخلصها من الفائض قبل وقت قليل من نشر اللجنة الدولية للطاقة النووية تقريرها الدوري.

•ومع ذلك، من الواضح أن شيئاً مهماً جداً تغير جرّاء الاتفاق: عادت إيران لتصبح جزءاً من المجتمع الدولي، ومن المعقول الافتراض أنها ستحرص، على الأقل في السنوات المقبلة، على عدم تعريض المكاسب المترتبة على مكانتها هذه للخطر. في ضوء هذه الافتراضات، فإن التحدي الاستخباراتي في العقد المقبل هو الكشف في الوقت الملائم عن أي تغييرات أو بنود تنطوي على خرق للاتفاق من جانب إيران، كي لا نصحو بعد فوات الأوان.

•التقدير هو أن إيران ستمتنع عن ذلك وستركز جهودها على اعادة بناء الاقتصاد. وقد دلت الانتخابات الإيرانية الأخيرة على أن الشعب الإيراني يعطي تفويضاً واضحاً للرئيس روحاني، ويؤمن بأنه قادر على استخدام الاتفاق النووي من أجل تحقيق الرفاه الاقتصادي، لكن في 2017 ستجري الانتخابات الرئاسية، وإذا ما حقق روحاني نجاحاً كبيراً فيها، فقد يكلفه ذلك منصبه لو شعر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بالخطر من ناحيته. كما أن نجاحاً أقل ينتظره إذا  شعر الشعب الإيراني بخيبة أمل من عدم تحقيق الوعود (حتى اليوم النمو الاقتصادي أقل من التوقعات بسبب انخفاض أسعار النفط بصورة خاصة). 

•لا يتركز القلق الإسرائيلي على الموضوع النووي فقط. فالانتقادات الأساسية للاتفاق تتناول حقيقة أنه لا يعالج البتة المساعدة الكبيرة التي تقدمها إيران إلى جهات ارهابية مختلفة في طليعتها حزب الله و"حماس" والمتمردون الحوثيون في اليمن، بالإضافة إلى تعاظم القدرات التسليحية التقليدية الإيرانية التي يذهب جزء منها إلى مخازن تنظيمات الإرهاب في المنطقة. والحقيقة هي أن الاتفاق النووي، وفي الأساس الحرب ضد داعش، وضعا إيران في معسكر "الجيدين"، وأنها تواصل تعزيز قوتها وتظل التهديد الأكبر ولو غير المباشر لأمن إسرائيل.

مصر: الاقتصاد أولاً

•في مصر، الدولة التي يولد فيها طفل جديد في كل ست ثوانٍ، فإن التحدي الأساسي هو التحدي الاقتصادي: إطعام  نحو 80 مليون شخص يومياً. يبذل الرئيس السيسي جهوداً كبيرة، ناجحة جزئياً، من اجل اصلاح الاقتصاد وتعزيز الحكم، ولذلك تميل التقديرات إلى أن عوامل الاستقرار أكبر حالياً من عوامل الزعزعة، لكن هذا محدود الضمانة، إذ شهدت مصر في السنوات الأخيرة ثورتين، وصبر جمهورها قليل ويمكن أن ينفد مرة أخرى. 

•إن الاعتماد الأساسي لمصر حالياً هو على السعودية التي هي، إلى حد بعيد، من يحافظ على بقاء مصر على قيد الحياة من الناحية الاقتصادية. إلى ذلك، وعلى خلفية خيبة الأمل العلنية من الولايات المتحدة، تغازل مصر أطرافاً أخرى بينها روسيا وفرنسا بحثاً عن دعم ديبلوماسي وعسكري محتملين في المستقبل. وعلى الرغم من هذه التوجهات، لم تغير مصر توجهها الاستراتيجي، ويمكن مع تغير الإدارة الأميركية في واشنطن أن تعود مجدداً إلى الجانب الأميركي.

•في إسرائيل ينظرون إلى مصر بصفتها شريكاً، ولو صامتاً، يشاركنا في المصالح ويساهم في استقرار المنطقة. وللدولتين تهديد مشترك ومباشر ومزدوجاً: "حماس" في غزة، وفرع داعش في سيناء (اسمه الرسمي ولاية سيناء)، والذي يتمركز بين البدو المحليين ويشكل تحدياً مهماً للسلطة ويدفعها ثمناً بالأرواح والمال، خاصة نتيجة خسارة المداخيل من السياحة.

•التقدير هو أن عدد أفراد "ولاية سيناء" يرواح بين 500 و1000 مقاتل مسلحين بصورة جيدة (السلاح يصل إليهم من ليبيا). وعلى خلفية التجربة القتالية التي راكموها في السنوات الأخيرة فهم يقومون بهجمات معقدة كان من بينها إسقاط طائرة الركاب الروسية في سيناء. في تحوّلاته السابقة نشط التنظيم ضد إسرائيل - الهجوم على طريق 12 وإطلاق النار على إيلات - لكنه اليوم يركز على مهاجمة القوات المصرية، بينما ستأتي مهاجمة إسرائيل من ناحيته في المرحلة التالية. ومع ذلك، فإن التخوف هو من أنه كلما ازداد الضغط على داعش في العراق وسورية، زاد التنظيم من جهوده في ساحات أخرى- في الخارج وكذلك في المنطقة. وفي وضع كهذا، فإن هجوماً ضد إسرائيل سيعتبر إنجازاً مهماً، وهذه هي الخلفية وراء المحافظة على جهوزية دائمة على الحدود مع مصر.

•يوظف الجيش المصري جهوداً لا بأس بها لمحاربة داعش، لكن نجاحه جزئي للغاية. ويعود ذلك في جزء منه إلى البعد عن القاهرة، فما لا يهدد العاصمة أقل إلحاحاً؛ وجزء آخر ينبع من عدم التنسيق في الحرب ضد الارهاب. وهذا يفسر القرار الإسرائيلي القاضي بالسماح للمصريين بإدخال قوات وسلاح إلى سيناء، وعلى الرغم من أن هذا يشكل تقنياً انتهاكاً لاتفاق السلام، فإنه عملياً يعزز الحرب المصرية ضد الإرهاب. 

تركيا: أردوغان يبحث عن أصدقاء

•شهدت تركيا في السنوات الأخيرة انقلاباً: فقد انتقلت من صفر مشكلات مع الدول المجاورة إلى صفر دول مجاورة ليس لديها نزاع مع تركيا. هذه هي خلفية المساعي التي يبذلها حكم أردوغان في الفترة الأخيرة للتقرب من السعودية، وكذلك من إسرائيل، سعياً وراء حلفاء جدد أقوياء.

•وفي الساحة الداخلية يواصل أردوغان توسيع نفوذه، وهو يوشك على السيطرة على أجهزة الحكم في تركيا. أما في الساحة الخارجية فتركيا مشغولة بداعش، وبالأكراد أكثر من داعش، بسبب عجزها عن محاربتهم بفاعلية، لأن الأكراد يتمتعون بحماية الأميركيين علناً، وهم القوة البرية الأساسية التي تستخدمها واشنطن ضد داعش.

 

•وفي سياق البحث عن تحالفات، تخفف تركيا من حدّة لهجتها وتحاول أن تقدم نفسها كدولة تصالحية وودودة أكثر حيال أوروبا وحيال إسرائيل أيضاً. لكن يجب ألا نتبلبل: أردوغان لم يغير مواقفه، وخطواته تقوم على المصلحة، ولذلك يجب أخذها بصفتها محدودة الضمانة.