عالم جديد مليء بالتحديات
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

•الكثيرون يتساءلون لماذا فوجئ الخبراء الذين يهتمون بما يجري في العالم بصورة عامة وبالشرق الأوسط بصورة خاصة، ولم ير أحد منهم أحداث الربيع العربي تقترب. ولم يتوقع أحد نشوء حركة داعش، كما لم يتنبأ أحد بأن أوروبا ستغرق بالمهاجرين. ولم يتنبأ أي خبير بما سيجري في الولايات المتحدة. وإذن، لا مفر من الاستنتاج بأن شيئاً عميقاً يحدث غيّر العالم الحالي إلى عالم غير مفهوم تقريباً.

•إن المرة الأولى التي كان فيها العالم في مثل هذا  الوضع كانت بعد الحرب العالمية الأولى. يومها اختفى العالم القديم ولم يكن قد تشكل عالم جديد. ومؤتمر السلام الذي انعقد في باريس سنة 1919 كان يفتقر إلى أدوات لمواجهة العالم الجديد الذي بلغت فيه الثورة الصناعية ذروتها، وحلت المركبات الآلية محل المركبات التي تجرها الجياد.

•كان مؤتمر فرساي، نوعاً ما، محاولة من جانب الدول التي تزعمت العالم القديم، وفي طليعتها بريطانيا وفرنسا، للمحافظة على مكانتها وعلى قواعد اللعبة التي وضعت قبل مائة عام بعد حرب نابليون، وأدت إلى ازدهار العالم الذي كانت أوروبا مركزه.

•ولم تتأخر نتائج استخدام أدوات قديمة في عالم جديد في الظهور. بعد 20 عاماً من اتفاقات فرساي التي كان من المفترض أن تحقق سلاماً عالمياً، شهد العالم حرباً رهيبة. وقد فهم أدولف هتلر إلى حد ما قواعد اللعبة الجديدة أفضل من الآخرين (لكنه لم يفهم مغزى التفوق الصناعي للولايات المتحدة). وأدى إلقاء قنبلتين نوويتين على اليابان، واحتلال برلين إلى إنهاء الحرب ووضع قواعد جديدة منعت حرباً جدية طوال 70 عاماً.

•لقد كان واضحاً في العالم الثنائي القطب الذي نشأ أنه لا يمكن لأحد الأطراف المس بمناطق نفوذ الطرف الآخر، وتعلم الزعماء العيش في كنف منظومة تقوم على مركزين: الأول في واشنطن، والثاني في موسكو، وكان الاثنان قادرين على تدمير العالم تدميراً تاماً بسلاح نووي لم يرغب أحد في استخدامه بعد هيروشيما وناغازاكي.

•لكن العالم الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية اختفى. والحدث الأكبر الذي غيّر هذا العالم هو انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي. بيد أن ما بدا انتصاراً أميركياً ودليلاً على فشل النهج الشيوعي كان له صلة شرق أوسطية لم يتنبه إليها أحد في ذلك الوقت، وظهرت أهميتها لاحقاً. بعد غزو الروس أفغانستان سنة 1979، نجحت قوات محلية بمساعدة الولايات المتحدة في السيطرة على البلد، واضطر الاتحاد السوفياتي إلى الانسحاب وهو يشعر بالخزي عشية انهياره. واعتُبر الحادث في العالم الإسلامي بمثابة انتصار للإسلام على قوى عظمى غربية، وبكونه السبب الأساسي في سقوط الاتحاد السوفياتي. ودفع هذا النجاح العالم الإسلامي إلى النظر إلى نفسه بطريقة مختلفة، وهنا منبت بذور المسعى المتجدد للإسلام السني السياسي، الأصولي، المتوحش وغير القابل للتصالح. وتمثلت هذه الحركات بصور مختلفة في الإخوان المسلمين، مروراً بالقاعدة وصولاً إلى الدولة الإسلامية [داعش].

•قبل عشر سنوات على انهيار الاتحاد السوفياتي، نجح رجل دين شيعي بارز في القيام بثورة في إيران، الدولة الشيعية الأكبر. يشكل الشيعة 15% من مجموع المسلمين، وكانوا خلال مئات السنوات أقلية مضطهدة طورت ثقافة بؤس وغضب. لكن هذا تغير، فقد غيّر الخميني الوجهة تغييراً كلياً، وبزعامة إيران تحول الشيعة إلى قوة مسيطرة في الشرق الأوسط. وفي مراحل معينة حاولوا مد أيديهم إلى دول غير شيعية مثل الجزائر والسودان (اليوم هناك فقط علاقة مع حركات فلسطينية سنية مثل حماس والجهاد الإسلامي)، لكن في نهاية المطاف ركز الإيرانيون على بناء محور شيعي يبدأ من طهران ويمر ببغداد وصولاً إلى دمشق وبيروت. وأكبر نجاح للإيرانيين في "تصدير الثورة " هو تنظيم حزب الله في لبنان.

•إن الشرق الأوسط حالياً هو حصيلة ثلاث قوى: الإسلام السياسي الذي يحارب معالم الدولة العصرية؛ الاحتكاك إلى حد الحرب في كل مكان يوجد فيه سنة وشيعة؛ وظروف محلية ناتجة عن فشل حكومات المنطقة في توفير مستقبل أفضل لمواطنيها. في معظم دول المنطقة شعر المواطنون بأن حكوماتهم لا تعمل كما يجب، وتقيم نظاماً يحرص على خدمة المقربين منه، بالإضافة إلى شعورهم بالظلم الشديد. 

•وجعلت التغيرات التكنولوجية الوضع أكثر تعقيداً، فقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي الوصول إلى معلومات كثيرة، وسمحت للقوى النائمة أو المضطهدة بإسماع صوتها والتأثير في الجمهور الواسع. وفقد الحكام السيطرة على المعلومات، وفقدوا بالتالي قدرتهم على التلاعب وقدراتهم الاستخباراتية التي استخدموها سنوات طويلة في شتى أنحاء الشرق الأوسط.

•وفي الوقت عينه تغيرت الولايات المتحدة. الأقليات تحولت إلى أكثرية، الاقتصاد متأرجح، والفجوة بين الطبقات آخذة في الازدياد، والثمن الدموي للحربين في العراق وأفغانستان قلل من الاستعداد لخوض حروب أخرى، والتبعية لمصادر الطاقة في الشرق الأوسط تضاءلت إلى حد كبير، وأعلن الرئيس الأميركي توجيه مركز اهتمامه إلى آسيا.

•عندما يقلص "الشرطي الإقليمي" حضوره تتغير نظرة جميع الأطراف القوية. يحاول الإيرانيون والإسلام الراديكالي استغلال غياب الولايات المتحدة لتعزيز قوتهم على حساب الدول التي بقيت سالمة بعد عاصفة "الربيع العربي"، فيما تسعى الدول السنية إلى تعزيز الوضع الراهن.

 

•يقف متخذو القرارات حالياً أمام عالم جديد، عالم فيه التنظيمات أقوى من الدول، والولايات المتحدة أصبحت مختلفة عن السابق، وكثيرون فيها يحتجون على النظام السياسي في بلدهم. إنه عالم ينجح فيه الشيعة لأنهم القوة المهيمنة، وسعر النفط يتدهور، والدول الغنية في الخليج تتعرض للضغط، والإسلام السني الراديكالي ينجح في السيطرة على أراض كبيرة ما بين العراق وسورية، وفي سيناء وليبيا. إنه عالم أهم شيء فيه بالنسبة لأوروبا هو وقف موجة اللاجئين. في مثل هذا العالم القواعد القديمة لم تعد صالحة، والقواعد الجديدة لم تتبلور بعد. لذلك، فإن تجربة الماضي أقل أهمية من أجل فهم المستقبل، والمنطق البسيط لا يصح دائماً (مثلاً القاعدة التي تقول عدو عدوك صديقك – لم تعد صالحة). وعندما يصبح كل شيء مختلفاً عن السابق، يجب التفكير والتصرف بطريقة مختلفة، كما يجب بصورة خاصة ألا نتسرع.