الهجوم في القدس- حادث استثنائي لكنه لا يشير بعد إلى تغير في اتجاه العنف
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•تطوران دراماتيكيان- انفجار عبوة ناسفة في باص في القدس وإعلان اكتشاف نفق في حدود قطاع غزة - ذكّرانا يوم الاثنين بمشاهد من هجمات أخرى، وبالانتفاضة الثانية، وبجولات الحرب ضد "حماس" في قطاع غزة. لكن هذين الحادثين لا يعبران بالضرورة عن تصعيد بارز أو تغيّر في اتجاه العنف. صحيح أن الإرهاب الفلسطيني في الضفة الغربية الذي ينزلق من وقت إلى آخر إلى داخل الخط الأخضر تضاءل في الأشهر الأخيرة، لكن لم يكن هناك مجال لافتراض أنه جرى كبحه بصورة مطلقة. في القطاع، كان اكتشاف النفق متوقعاً على خلفية المعلومات التي تحدثت عن استئناف "حماس" حفر الأنفاق الهجومية في اتجاه أراضي إسرائيل، وأن الجيش الإسرائيلي يوظف جهداً كبيراً لكشفها. في هذه المرحلة، يبدو أن خسارة النفق لن تدفع الحركة إلى عملية رد، على الرغم من مخاوفها من أن يؤدي الحل التكنولوجي الذي طورته إسرائيل إلى الكشف عن أنفاق أخرى.

•هذه هي المرة الأولى التي ينجح فيها فلسطينيون في تفجير عبوة في باص بعد مرور أكثر من ستة أشهر من العنف. لقد جرى إحباط محاولات سابقة بعد العثور على مختبر لصنع متفجرات تابع لـ"حماس" في منطقة القدس واعتقال عدد من الخلايا الأخرى. وتشير حقيقة أن هجوم اليوم أسفر عن جرحى فقط، وأن المصاب بجروح خطيرة يمكن أن يكون المخرب الذي حمل العبوة، إلى أن العبوة محلية الصنع. وحتى الآن لم تظهر في الانتفاضة الحالية عبوات ناسفة من نوعية أو وزن مشابه لتلك التي قتلت مئات الإسرائيليين في العقد الماضي.

إن عمليات الجيش الإسرائيلي والشاباك التي لا تتوقف في شتى أنحاء الضفة، بالاضافة إلى الاعتقالات المنهجية التي تقوم بها السلطة الفلسطينية (بخلاف الانتفاضة السابقة) لأعضاء خلايا عسكرية تابعة لـ"حماس"، كل ذلك يجعل من الصعب على الحركة تكرار قدرتها الإرهابية في الضفة. لذا، من الصعب في هذه الأثناء اعتبار الهجوم على الباص اليوم دليلاً على تغيير جوهري في خصائص العنف. وفي مقابل ذلك، من المعقول أن تجعل هذه الحادثة من الصعب الدفع قدماً بالمبادرة التي نوقشت في الفترة الأخيرة بين الطرفين بشأن تقليص عمليات الجيش الإسرائيلي في منطقة "أ" في رام الله وأريحا وإعادة المسؤوليات الأمنية الكاملة على هاتين المنطقتين إلى السلطة الفلسطينية.

•يتيح رفع التعتيم الذي فرضته الرقابة هذا الصباح تفسير سبب طبول الحرب التي قرعت هنا قبيل نهاية الأسبوع الفائت. إن العثور على نفق هجومي تابع لـ"حماس" ممتد بضع مئات من الأمتار داخل أراضي إسرائيل، في مواجهة جنوبي قطاع غزة، هو وراء التقارير المتكررة في وسائل الإعلام بشأن التوتر على حدود القطاع. ومن المنطقي افتراض أن "حماس" تابعت بقلق واهتمام عمليات الجيش الإسرائيلي الحثيثة للكشف عن النفق، لكن يبدو في هذه المرحلة أن ثمة احتمالات ضئيلة لأن تؤدي نجاحات الجيش الإسرائيلي إلى دفع الطرفين نحو مواجهة عسكرية اضافية في القطاع.

•لا يقول الجيش الإسرائيلي، وربما هو ليس متأكداً من أن النفق الذي عُثر عليه بين صوفه وحوليت هو من الأنفاق التي نجت من الفترة التي سبقت الحرب الأخيرة، أي عملية الجرف الصامد في صيف 2014، وأنه يشكل إضافة جديدة حفرت وفقاً  لخطوط نفق قديم، أم أنه نفق جديد كلياً. والمفارقة أن الإنجاز الاستخباراتي والتكنولوجي في اكتشاف النفق يجسد مشكلة إسرائيلية، فإذا كان هذا نفقاً قديماً فإن معنى ذلك أن إعلان الحكومة الكشف عن جميع الأنفاق الهجومية وتدميرها في نهاية الحرب لا أساس له - وهدف بصورة أساسية إلى تلبية توقعات الجمهور بإنهاء الحرب وإعلان أن مهمة تدمير الأنفاق تمت بنجاح. أما إذا كان النفق (أو الجزء الأخير منه الواقع شرقي السياج الحدودي) حُفر في الفترة الأخيرة، فإن هذا دليل على أن العملية العسكرية الأخيرة لإسرائيل لم تقنع "حماس" بالتوقف عن المخاطرة، وأنه في جولة حرب مستقبلية تعلق الحركة آمالها على منظومة الأنفاق كورقة هجومية أساسية ضد إسرائيل. 

•إن الكشف عن النفق يحمل الكثير من الدلالات من الزاوية السياسية. خلال 24 ساعة في مطلع الأسبوع الماضي رتّب نتنياهو لنفسه ظهورين احتفاليين يتصلان بساحتي صراع أمنيتين أساسيتين. الأول خلال جلسة الحكومة الأسبوعية حيث أشار إلى الانخفاض الكبير في عدد الهجمات التي ينفذها فلسطينيون من الضفة الغربية والقدس الشرقية، وعزا هذه النتائج إلى قيادة الحكومة وفاعلية الأذرع الأمنية. وبالأمس خلال زيارة تدريبات لواء مظليي الاحتياطيين في هضبة الجولان حيث وجد من الصائب الكشف عن مهاجمة إسرائيل في السنوات الأخيرة ولعدة مرات، أهدافاً في الشمال من أجل إحباط تهريب سلاح من سورية إلى حزب الله في لبنان.

•ويبدو أن هذا الكلام قيل من أجل تعزيز صورة نتنياهو الأمنية، والرد على الادعاءات المتعلقة باستمرار هجمات الطعن والدهس، وطمس الانطباع السيئ الذي خلّفته وسط كثير من ناخبيه إدانته الأولى ضد الجندي الذي أطلق النار في الخليل (ضرر حاول اصلاحه من خلال المكالمة الهاتفية غير الطبيعية مع والد الجندي). لكن إذا كان في الجولان وفي الضفة يستطيع  التحدث بصرامة وإظهار قوة، ماذا سيفعل رئيس الحكومة فيما يتعلق بحدود غزة عندما تستخف "حماس" عن قصد بالسيادة الإسرائيلية وتحفر تحت السياج الحدودي إلى داخل أراضينا؟ هذه هي نقطة الضعف التي يستغلها خصوم نتنياهو السياسيون. ليس الوزير نفتالي بينت فقط مَن سارع إلى نشر بيان ينذر بكوارث دعا فيه إلى "بذل كل ما هو مطلوب" من أجل منع سيناريو "يوم غفران ارهابي"- هجوم "حماس" في المستقبل على مستوطنات غلاف غزة. وأيضاً تسابق أعضاء في حزبي "يوجد مستقبل" و المعسكر الصهيوني، وكبار المسؤولين وصغارهم، للادلاء بتصريحات نارية هاجموا فيها تقاعس الحكومة في مواجهة خطر الأنفاق من غزة.

•بالاستناد إلى تحليل إسرائيلي، فإن قيادة "حماس" السياسية، وخاصة خالد مشعل المقيم في قطر، ليست معنية الآن بحرب إضافية. لكن الخطر يكمن في قادة الذراع العسكرية للحركة في القطاع - يحيى السنوار، ومحمد ضيف، ومروان عيسى- الذين صارت علاقاتهم مع القيادة السياسية متوترة ويميلون إلى عدم القبول بما تريده من دون اعتراض.

•ترى الذراع العسكرية أن تفوق "حماس" من خلال عنصر المفاجأة في صيف 2014 لم يُستغل بسبب التلكؤ في خوض المعركة الذي فرضته القيادة السياسية.

•قد يكون لدى الثلاثي العسكري اعتبار آخر لشن الحرب - التخوف من أن تكون إسرائيل قد وجدت حلاً تكنولوجياً يمكن أن يؤدي الآن إلى هدم منظومة الأنفاق الهجومية. وفي الخلفية تحوم باستمرار مسألة الوضع الاقتصادي الصعب في القطاع.

 

•مسؤولون كبار في المؤسسة الأمنية اعتبروا الكشف عن النفق اختراقاً تكنولوجياً مندمجاً مع شبكة بدأ الجيش بنشرها على طول الحدود. ليس هذا "قبة حديدية" تحت الأرض، لكن يبدو أن إسرائيل أحرزت تقدماً هنا في اتجاه التوصل إلى رد نوعي يتحسن باستمرار. وفي المقابل تحدثت وسائل الإعلام العربية عن فرار أو خطف إسرائيل لمسؤول كبير في الذراع العسكرية، الذي ربما هو من أعطى المعلومات الاستخباراتية عن مكان النفق. وفي مثل هذه الحال، يبدو أنه يوجد لدى الطرفين، كل لاعتباراته الخاصة، مصلحة في إخفاء الظروف الكاملة للكشف عن النفق.

 

 

المزيد ضمن العدد 2356