معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•منذ بداية 2014، وبعد فشل محاولات وزير الخارجية الأميركي جون كيري التوسط لاتفاق إسرائيلي - فلسطيني، تسعى فرنسا إلى ملء الفراغ الناشئ عن قرار الإدارة الأميركية الامتناع عن القيام بمحاولة أخرى من أجل إحياء العملية السياسية الإسرائيلية - الفلسطينية، وتعمل بشكل حثيث بهدف استئناف العملية من خلال مبادرتها.
•في إسرائيل سُمع ادعاء بأن مصدر سلسلة المبادرات الفرنسية التي طرحت في السنتين الأخيرتين هو التطلع الشخصي لوزير الخارجية الفرنسي المنتيهة ولايته، لوران فابيوس، لأن يترك طابعه على السياسة الخارجية الفرنسية. لكن المبادرة ظلت صامدة من بعده ويبدو أنها في الأساس نتيجة إحباط مستمر وانتقاد للجمود السياسي (الموجه أساساً ضد سلوك حكومة إسرائيل)، والخوف من استمرار الوضع الراهن من دون بروز أفق لاستئناف المفاوضات الثنائية بين إسرائيل والفلسطينيين، وكذلك نتيجة لاستمرار العنف في المناطق [المحتلة] والذي لا تبدو له نهاية. ومن المحتمل أيضاً وجود اعتبارات سياسية داخلية ملحة تضغط هي أيضاً على الإدارة الفرنسية من أجل اظهار هذا النشاط.
•في نهاية 2014 قررت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي المداولات التي سبقت التصويت أوضح وزير الخارجية فابيوس أنه إذا فشلت مساعي الحل فستضطر فرنسا "إلى القيام بواجبها" والاعتراف بفلسطين من دون تأخير. في مناسبة أخرى، ولدى مناقشته اقتراح عقد مؤتمر دولي في صيف 2016 للبحث في حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني بهدف التوصل إلى اتفاق خلال عامين، أوضح فابيوس أنه إذا لم يحل الطرفان حتى ذلك الحين الخلافات فيما بينهما فستعترف فرنسا بالدولة الفلسطينية. وتعبيراً عن تصميمها فكرت فرنسا في كانون الأول/ديسمبر 2014 في تقديم اقتراح قرار إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة كان من المفترض أن يتضمن جدولاً زمنياً للمفاوضات ويحدد موعداً نهائياً لقيام الدولة الفلسطينية. وسحبت الفكرة في أعقاب قرار الفلسطينيين العمل من أجل إقرار مشروع قرار آخر في مجلس الأمن يتضمن انسحاباً إسرائيلياً [من الضفة الغربية] خلال سنتين. وفي بداية العام 2015، طُرحت الفكرة مرة ثانية عندما أعلنت فرنسا نيتها بدء مفاوضات في مجلس الأمن الغرض منها تبني اقتراح قرار جديد بشأن استئناف المفاوضات بين الطرفين. لكن فرنسا اضطرت إلى التراجع عن نيتها هذه في أعقاب ضغط مارسته إسرائيل التي أقدمت على ذلك بحجة رفضها فرض حل من الخارج، وجاء هذا أيضاً نتيجة تحفظ فلسطيني على مضمون اقتراح القرار المقترح.
•لقد كانت زيارة وزير الخارجية فابيوس في حزيران/يونيو 2015 لإسرائيل والسلطة الفلسطينية جزءاً من مسعى لتحقيق إجماع دولي لاتخاذ قرار في مجلس الأمن، يحدد بالتفصيل أطر المفاوضات مع جدول زمني لمحادثات بين الطرفين تجري ضمن إطار دولي من أجل إطلاق المحادثات. وكرر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي رفض المبادرة للدفع بقرار في مجلس الأمن، موقف إسرائيل المتعلق بالحاجة إلى مفاوضات مباشرة من دون محاولات فرض. وفي المقابل، أعرب الطرف الفلسطيني عن دعمه للخطوة التي تخدم نظرته بشأن تدويل النزاع والتدخل الدولي في حله. أما الولايات المتحدة التي على ما يبدو لم ترفض الاقتراح رفضاً كاملاً ، فقد أوضحت أنها غير مهتمة بالبحث في مسألة العملية السياسية في الشرق الأوسط حتى انتهاء المفاوضات بشأن الموضوع النووي في إيران. وأوضح فابيوس انطلاقاً من معرفته بأهمية موقف الولايات المتحدة أن فرنسا لن تطرح اقتراح قانون في مجلس الأمن إذا كانت واثقة من أن الولايات المتحدة ستستخدم الفيتو ضده. وفي مناسبة أخرى رد فابيوس على الحجة القائلة بأن فرنسا مصرة على العمل بصورة مستقلة ونوّه بالدور الأساسي الذي قامت وتقوم به الولايات المتحدة في السعي لحل للنزاع.
•في شباط/فبراير 2016 وقبل وقت قصير من استقالته، أعلن فابيوس أن فرنسا تنوي عقد مؤتمر دولي في تموز/يوليو هذا العام، الغرض منه إعادة تحريك العملية وإنقاذ حل الدولتين. ومن المفترض أن يكون المؤتمر هو المرحلة الثالثة من مبادرة تشمل مرحلة أولى تجري خلالها مشاورات بين الطرفين ومع أطراف أخرى في المنطقة وخارجها. وفي أعقاب ذلك، على ما يبدو في أيار/مايو، من المفترض عقد لقاء تحضيري لمجموعة المتابعة التي ستعد للمؤتمر. وتأكيداً على أن المقصود ليس طموحاً شخصياً من جانب فابيوس، وأن المبادرة مدعومة من جانب الرئيس الفرنسي، فقد تبناها وزير الخارجية الجديد جان مارك أيرو. وبعد وقت قصير من تسلمه مهماته قام أيرو بزيارة إلى عدد من الدول العربية بهدف الحصول على دعمها من أجل استئناف المفاوضات وفق الخطة، وأوضح خلال هذه الزيارات أن فرنسا لن تعترف تلقائياً بالدولة الفلسطينية إذا فشل المؤتمر المزمع عقده. ووفقاً لكلامه فإن هدف فرنسا هو تعبئة المجتمع الدولي لتأييد الحل الوحيد الممكن، أي حل الدولتين، وأن الاعتراف بالدولة ليس شرطاً مسبقاً لعقد المؤتمر، على الرغم من عدم استبعاد مثل هذا الاحتمال بالمطلق. وبهذا القرار أبطل أيرو نية الوزير الذي سبقه كما جرى الإعلان عنها أثناء مؤتمر صحافي مشترك عقدة فابيوس مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أي الاعتراف بالدولة الفلسطينية إذا فشلت محاولات اعادة تحريك العملية السياسية - الأمر الذي أثار انتقادات حادة من جانب نتنياهو.
•وفي سياق زيارة وزير الخارجية أيرو إلى الدول العربية وكجزء من الجهود لتنفيذ المرحلة الأولى من المبادرة الثلاثية المراحل - عيّن مندوباً عنه لمتابعة الموضوع هو بيار فيمونت، وهو دبلوماسي قدير وصاحب خبرة سبق له أن زار المنطقة وأجرى محادثات في عدة عواصم أوروبية وفي واشنطن أيضاً. ويمكن أن نفهم من أطراف أوروبية شاركت في المشاورات، أن الخطة الفرنسية ليست متبلورة بصورة كافية، وأنه لم يكن لدى فيمونت إجابات واضحة على أسئلة محددة طُرحت عليه، وبناء على ذلك فضلت بعض العواصم في أوروبا الانتظار للحصول على تفاصيل أخرى قبل تحديد موقفها في هذا الشأن. كما عُلم من المحادثات التي جرت في واشنطن أن فيمونت لم يحصل على مؤشر على موقف الولايات المتحدة من المسألة. ويبدو أن فرنسا ستجد صعوبة في الالتزام بالجدول الزمني الذي وضعته لتنفيذ لقاء مجموعة المتابعة، ناهيك بالهدف الطموح لعقد مؤتمر لتحريك المسيرة السياسية في الصيف القريب المقبل.
وفي ضوء ذلك، فإنه من الصعب تقدير فرص انطلاق المبادرة الفرنسية. ونجاحها مرتبط، كلياً أو جزئياً، بعدد لا بأس به من العوامل لا تملك فرنسا تأثيراً أو قدرة على فرض سياستها عليها. تعبر المبادرة الثلاثية المراحل عن إحساس بأن النهج الذي قادته الولايات المتحدة، بشكل حصري حتى اليوم، قد فشل، وأنه يجب محاولة تبني نهج مختلف في أساسه مشروع قرار في مجلس الأمن. ويحل مشروع القرار عملياً محل القرارين 242 و338، ويتضمن أطراً لحل النزاع من خلال اقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وتشكيل مجموعة دعم دولية ترافق الطرفين وتدعمها خلال المفاوضات. هذه المجموعة التي ستحل محل اللجنة الرباعية ستضم أيضاً وفقاً للاقتراح الفرنسي، بالإضافة إلى (الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي والأمين العام للأمم المتحدة) بعض الدول الأعضاء في الاتحاد ودولاً عربية. ومن الواضح أن موقف الولايات المتحدة أساسي من أجل نجاح المبادرة. وتجدر الإشارة في هذا السياق أن الكلام الذي صدر عن الرئيس أوباما في الفترة الأخيرة بشأن الشرق الأوسط (في المقابلة التي أجراها معه جيفري غولدبرغ في مجلة "أطلنتيك") يمكن أن يدفع بفرنسا إلى استنتاج أن الإدارة الأميركية الحالية لن تستخدم الفيتو ضد اقتراح قرار يجري التنسيق معها بشأن مضمونه وموعد تقديمه. أما بالنسبة لإسرائيل فمن الواضح أن المبادرة الفرنسية تتعارض مع موقف الحكومة حتى بعد إزالة الربط بين فشل المؤتمر أو عدم انعقاده، والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
•لكن حتى فشل المبادرة الفرنسية ليس معناه نهاية الجهود الدولية للدفع قدماً باتجاه حل النزاع، فالمبادرة تعكس قلقاً يشعر به كثيرون في المجتمع الدولي من أن الأفق المسدود يمكن أن يؤدي إلى نهاية الاحتمالات لتحقيق حل الدولتين، وهذا في رأيهم سيؤدي إلى استمرار النزاع وسفك الدماء بين الطرفين.
•إن استمرار الوضع السياسي القائم، بالإضافة إلى استمرار العنف في المناطق [المحلتة] والخوف من التصعيد، كل ذلك يضمن بلورة مبادرات دولية جديدة، بما فيها احتمال مبادرة جديدة للرئيس أوباما في الفترة الزمنية التي بين الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وبدء عمل الإدارة الجديدة. وتثبت المبادرة الفرنسية مرة أخرى، أنه في غياب قرارات ومبادرات إسرائيلية، فإن الفراغ الحاصل ستملؤه اقتراحات من جانب أطراف أخرى لا تلبي بالضرورة حاجة إسرائيل.
•بالإضافة إلى ذلك، فليس مضموناً الدفاع الدبلوماسي الأميركي ضد مثل هذه الاقتراحات عندما يسود المجتمع الدولي انطباع بأن العائق الأساسي الذي يقف أمام التقدم نحو اتفاق هو الرفض الإسرائيلي. لذا فإن السبيل الأكثر نجاعة لمواجهة هذه التحديات، هو طرح مبادرات إسرائيلية تشمل خطوات لاستئناف المفاوضات، واقتراحات لتغيير مضمون المحادثات وموضوعاتها، وخطوات أحادية الجانب في اتجاه التسوية.