•في سنة 2009 غيّر الجانب الفلسطيني استراتيجية نضاله ضد إسرائيل، من استراتيجية اعتبرت نقطة انطلاقها أن مفاوضات مباشرة تخدم المصلحة الفلسطينية بصورة أفضل، إلى استراتيجية جديدة تقوم على نزع الشرعية عن إسرائيل، وفي الوقت عينه اتخاذ خطوات أحادية الجانب بهدف إنشاء "توازن رعب" قانوني - دبلوماسي في مواجهتها.
•وقد بنى الفلسطينيون بصورة مخطط لها ومنظمة، معركةً الغرض منها محاربة وجود إسرائيل بشتى الوسائل، بما في ذلك المقاطعة والعزل من خلال حركة BDS [المقاطعة، سحب الاستثمارات، وفرض العقوبات]، ومن خلال طرح سرديات بديلة للسردية الإسرائيلي. وفي المقابل عملت السلطة الفلسطينية من أجل الحصول على اعتراف دولي من طرف واحد بالدولة الفلسطينية، وتجنبت المفاوضات التي تفرض تنازلات متبادلة. وفي ذروة هذا المسار الاستراتيجي نجحت السلطة الفلسطينية في الحصول على منصب عضو في محكمة العدل الدولية في لاهاي، وغيّرت للمرة الأولى "قواعد اللعبة" مع إسرائيل من خلال هامش ردع مهم في مواجهة متخذي القرارات الإسرائيليين.
•إسرائيل، التي ركزت في السنوات العشر الأخيرة على الخطر الإيراني، لم تستعد لمواجهة التهديد المهم الذي بدأ يبرز أمام أعينها. وانقسم متخذو القرارات بين وجهتي نظر خاطئتين: فقد كان هناك الذين اعتقدوا أن حلاً سياسياً وحده يزيل الخطر الجديد عن جدول الأعمال وليس "التفكير بمسار جديد" حتى عندما بدا أن احتمال التوصل الى صيغة تسوية مع الفلسطينيين يضمحل وسط الفوضى الشرق – أوسطية. وفي المقابل كان هناك الذين لاقوا صعوبة في التخلي عن الصيغ القديمة واستمروا في تحديد الأمن الإسرائيلي وفق مصطلحات مأخوذة من تحديات القرن الماضي، أي التشديد على أنظمة السلاح وقوة النار.
• لقد فشلت المجموعتان في تحديث مفهوم "الأمن القومي" وفي إدخال مكونات جديدة عليه تتعلق بالقوة الدبلوماسية، وقوة الدعاية، وإقناع الرأي العام. وبناء على ذلك تستثمر إسرائيل نحو 60 مليار شيكل في السلاح، ونحو 60 مليون شيكل فقط في الدعاية. إن الزيادة التي أعطيت سنة 2016 لميزانية وزارة الدفاع والبالغة نحو ستة مليارات شيكل وجّهت كلها نحو التسلح الذي احتمال استخدامه الفعلي آخذ في التقلص، بدلاً من تحديث تحديات الأمن القومي، وخصصت ثلاثة مليارات شيكل لميزانية الدعاية، وثلاثة مليارات أخرى لتعزيز العلاقة بالجاليات اليهودية في الشتات.
•ليست التحضيرات المالية وحدها هي التي أخفقت في فهم المستقبل، بل كذلك التحضيرات التنظيمية في مجال الدعاية المستمدة من ثوابت الماضي. إسرائيل اليوم في خضم معركة دولية على الوعي - وفي مواجهة حرب استنزاف تهدد أمنها وأرصدتها الاستراتيجية، وبدلاً من محاولة استخدام عشرات المنظمات ومئات الأفراد من ذوي النيات الطيبة الذين يعملون في الدعاية وفي الحرب المضادة ضد منظمات المقاطعة، كان يتعين على إسرائيل إلقاء المهمة على عاتق الجيش الإسرائيلي وتجنيده لمواجهة هذا التحدي الجديد.
•وعلى مثال الجهاز الاستخباراتي في فرقة 8200 [وحدة استخبارات في الجيش الإسرائيلي متخصصة في التجسس الإلكتروني]، كان يتعين على إسرائيل أن تنشئ وحدة تضم آلاف الأشخاص وحدة ("8300") تعمل في الحرب على الوعي بمختلف اللغات وعلى مختلف الجبهات، وتعرض أمام العالم بصورة منهجية ومحترفة النتائج الواسعة النطاق الناتجة عن انهيار الشرق الأوسط. إن مواجهة الإسلام الراديكالي يجب ألا تكون بواسطة القدرة العسكرية فقط، بل كذلك بوسائل متعددة المجالات، ووحده الجيش الإسرائيلي قادر على تنفيذ مشروع كهذا. فالجيش وحده لديه القدرة على الوصول إلى اليد العاملة للجيل القادر على القيام بمثل هذه المهمة. ووحده الجيش قادر على أن يدفع لمن هم الأفضل في هذا المجال، مئات قليلة من الشيكلات في الشهر فقط واستخدام الآلاف في جهاز فعال ومفيد.
•بواسطة خطوة من هذا النوع يبني الجيش الإسرائيلي بنية تحتية مدنية تكنولوجية جديدة، مما سيسمح مستقبلاً للقطاع الخاص الإسرائيلي أن يصبح رائداً في مجال وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات، بصورة تشبه القدرات السيبرانية لصناعة التكنولوجيا الإسرائيلية العالية [الهاي تك]. ويمكن ان تضم هذه الوحدة نساء وحريديم [يهود متدينون]، كما انه بواسطة التعبئة الصحيحة يمكن زيادة القدرة على التجنيد وسط السكان العرب.
•يتعيّن علينا أن نقدم ردوداً مستقبلية على المشكلات الراهنة، وليس ردوداً من الماضي. كما يجب إقناع الجنرالات بأن الوعي هو جزء من بناء القوة، وأن الأمن في القرن الحادي والعشرين لا يقوم على الطائرات والدبابات فقط.