•في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، حصل المرشح الجمهوري ميت رومني على 30% فقط من أصوات اليهود في الولايات المتحدة على الرغم من أن العلاقات بين البيت الأبيض وإسرائيل كانت حافلة بالتوتر والأزمات خلال الأربع سنوات الأولى من رئاسة باراك أوباما. فالجالية اليهودية، على الرغم من المناكفات بين الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالأساس في ما يتعلق بالموضوع الإسرائيلي- الفلسطيني، لم تشذ عن نمط تصويتها التقليدي والمتجذر منذ ثمانية عقود.
•لقد عكس الولاء الانتخابي العميق والمتواصل لليهود لمرشحي الحزب الديموقراطي في الأساس، حقيقة أن هذا الحزب تحول بالتدريج إلى حجر مغناطيس جاذب للأقليات المختلفة التي انضمت إلى صفوفه ووجدت فيه بيتاً دافئاً وطريقاً نحو التقدم الاجتماعي والسياسي. وهكذا تحولت الجالية اليهودية إلى حجر أساس مركزي وكبير في ائتلاف الأقليات الذي أقامه الرئيس فرانكلين روزفلت في الثلاثينيات [من القرن الماضي]، وإلى عنصر يحمل رسالة التعددية والليبرالية والتسامح والحساسية الاجتماعية. وعلى خلفية هذه الصلة المستمرة منذ سنوات عديدة للجالية اليهودية بالحزب الديموقراطي المتعدد الثقافات، الذي صار يعكس أكثر فأكثر بوتقة الصهر الأميركية، يُطرح السؤال الآتي: هل ينجح المرشح الجمهوري الأبرز والمثير للجدل دونالد ترامب، إذا فاز بترشيح حزبه، يوم الحسم في 8 تشرين الثاني/نوفمبر [المقبل] في كسر روابط الولاء وأنماط التصويت والحصول على جزء مهم من الصوت اليهودي الشديد الأهمية الاستراتيجية (خاصة في ولايات "الأصوات العائمة" مثل فلوريدا)
•للوهلة الأولى تبدو مهمة ترامب كثيرة المطبات ومستحيلة تقريباً. وفي الواقع، فإن مواقفه الهجومية حيال جزء على الأقل من أعضاء ائتلاف الأقليات (وفي طليعة هؤلاء الذين هم من أصول أميركية لاتينية)، اعتبرها كثيرون من يهود الولايات المتحدة تخلياً عن طابع التعددية الثقافية للذات الأميركية. كما أن الوعود الأولى لترامب باتخاذ موقف محايد خلال معالجته المستقبلية للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني أثارت قلقاً عميقاً وسط الجالية والعديد من زعاماتها.
•من السهل فهم المهمة التي أثقلت كاهله عندما قرر شرح معتقداته [السياسية] في المؤتمر السنوي للوبي المؤيد لإسرائيل "إيباك" في العاصمة الأميركية، وخاصة في ضوء الهجوم الحاد الذي شنته خصمه في السباق على الرئاسة هيلاري كلينتون (التي ألقت خطابها قبله بساعات)، على تصريحاته سواء في ما يتعلق بوضع الأقليات في المجتمع الأميركي أو بالصلة مع إسرائيل. على خلفية إدعاءات كلينتون وقف ترامب أمام المشاركين في المؤتمر وردّ على التحدي بطريقته الصارمة والهجومية.
•وعلى نقيض تصريحاته غير المنهجية والمتناقضة التي أدلى بها بشأن كل ما يتعلق بعلاقته بيهود الولايات المتحدة وإسرائيل حتى الآن (بما في ذلك ما قاله في مؤتمر صحافي عقده قبل إلقاء خطابه، ادعى فيه أن على إسرائيل أن تموّل من ميزانيتها رزمة المساعدة التي تحصل عليها من الولايات المتحدة)، تضمّن خطابه مجموعة منظمة من الوعود المحددة والقاطعة بدعم إسرائيل بكل الأبعاد والسبل الممكنة، بدءاً من الموضوع الإيراني مروراً بالموضوع الفلسطيني، بما في ذلك بالقدس التي تعهد بنقل السفارة الأميركية إليها بعد وصوله إلى البيت الأبيض.
•هذا كلام قوي وفي الصميم، لكن المشكلة أن العديد من المرشحين السابقين ومن بينهم في العام 2008 المرشح أوباما (مثلاً في خطابه في مؤتمر إيباك في حزيران/يونيو 2008)، أكثروا من كيل المديح والتضامن مع الحليفة الإسرائيلية عندما كانوا يتسابقون على أصوات الناخبين اليهود، لكنهم كثيراً ما تنصلوا من الوعود فور انتقالهم إلى جادة بنسلفانيا في واشنطن.
•من هنا، وعلى الرغم من أنه للمرة الأولى يبادر ترامب إلى خطوة استراتيجية شاملة، القصد منها إزالة الغموض عن كل ما يتعلق بمواقفه حيال إسرائيل وطمأنة ممثلي التيار المركزي المحافظ وسط الجمهور اليهودي (النقدي بصورة خاصة حيال سلوك باراك أوباما وحكمه وإرثه على الصعيد الإسرائيلي)، فإن هذا لا يعدو كونه خطوة أولى في رحلة طويلة من أجل الفوز بجزء لا بأس به من الصوت اليهودي.