•عن أي دولة يتحدثون؟ عن دولة رئيس الحكومة فيها هو أيضاً القائم بأعمال رئيس الحكومة، وأيضاً نائب الرئيس، وأيضاً وزير الخارجية، ووزير الإعلام، ووزير الاقتصاد والصناعة ووزير التنمية الإقليمية، وتحت تصرفه صحيفة تشبه صحيفة "البرافدا" من حيث أنها نوع من بوق شخصي [إشارة إلى صحيفة "يسرائيل هَيوم" التي يملكها شيلدون إدلشتاين صديق نتنياهو]، ويستطيع أن يجري مقابلات متى يشاء وبقدر ما يشاء مع أي وسيلة إعلامية؛ وتكريماً له يجري في قناة التلفزيون الرئيسية إعداد فيلم وثائقي عن والد زوجته؛ وأي تعيين في منصب رفيع في الأمن وفي الاقتصاد وفي السلك الدبلوماسي هو المسؤول عنه فقط؛ وهو الذي يلغي سياسياً أي منافس محتمل له؛ ويعطي الضوء الأخضر لوزيرة التربية في حكومته كي تمنع تدريس كتب تتحدث عن قصة حب مع أبناء الأقليات؛ ولا يدين ملاحقة كتاب وفنانين بسبب آرائهم؛ ورجال الدين المتشددون هم من بين أفضل أصدقائه، ويسمي الإعلام كلبته "الكلبة الأولى".
•من الممكن أن يحدث كل هذا في تركيا، وإيران وكوريا الشمالية، لكن هذا يحدث عندنا، في ما كان يعتبر "الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". نحن نميل إلى التحذير من تآكل الديموقراطية، لكن هذا يحدث شيئاً فشيئاً وبصورة منهجية من جانب الزعيم: لقد أصبحت إسرائيل من نواح عدة ديموقراطية سابقة، وتعتبر في كل المقاييس الدولية المهمة ديموقراطية متهاوية.
•يتجلّى هذا الأمر في عملية اتخاذ القرارات. في الدول الديموقراطية تتخذ قرارات الحكم من خلال عملية توازنات وكوابح؛ وتسوية بين المصالح المختلفة الممثلة في الحكومة. عندنا هي من صنع رجل واحد. وجلسات الحكومة والمجلس الوزاري المصغر هي بمثابة مسرحية تعرض للإعلام. كان ينبغي اتخاذ قرار بشأن خطة الغاز من جانب رئيس الحكومة ووزير المال ووزير الاقتصاد. وزير المال جرى تحييده، ووزير الاقتصاد استبدل برئيس الحكومة الذي بقي مع مهرج البلاط وزير الطاقة، ومع أصدقائه من أوليغاركية الاقتصاد. في موضوعات حرب أو لا سلام، يجب على رئيس الحكومة أن يحصل، وهو يحصل، على موافقة وزير الدفاع ووزير الخارجية (الذي هو رئيس الحكومة)، وبصورة خاصة وزير التعليم من أجل توسيع المستوطنات التي هي بحد ذاتها تمنع قيام الديموقراطية هنا، وبسببها يتحول اليهود الموجودون بين البحر المتوسط ونهر الأردن إلى أقلية.
•إن مضامين سياسة نتنياهو أيضاً تمنع استمرار الحياة الديموقراطية. العلاقة العنصرية والمهينة مع الأقلية العربية، المستوردة من سياسة الاحتلال في المناطق ومن تمجيد استبداد الأكثرية. وكل من يقف ضد ذلك يعتبر عدواً للشعب أو مدسوساً، ويمكن أن تُـحرّك ضده مجموعات الغضب من شبان التلال [سكان البؤر الاستيطانية غير الشرعية] أو من حركة "إم تِرْتسو" [منظمة يمينية فاشية معادية للفلسطينيين معناها "إذا شئتم"].
•في المقابل، يعقد نتنياهو حلفاً غير مقدس مع جميع الأطراف الدينية والحريدية في السياسة، ويمنح الحرية لتطلعاتهم لإقامة دولة دينية هنا تميز بين الذين يلتزمون بالهالاخاه [أحكام الشريعة اليهودية] والجهات الليبرالية والكفّار.
•وعندما يبدو كل هذا سيئاً، يهبّ رئيس الحكومة لتوجيه السياسة الوحيدة المهمة في دولة ديموقراطية: الدعاية؛ فتصبح الصحف الدولية عدائية أو معادية للسامية. وتسيطر على الصحف المحلية بمساعدة شيلدون إدلشتاين، روح التآمر وعمليات التشهير.
•إن القنبلة الإيرانية ليست هي الخطر الوجودي على إسرائيل، بل الخطر هو خسارة الديموقراطية الجارية أمام أعيننا.