تركيا أسيرة ثلاث جبهات عنيفة وجبهة سياسية مثقلة بالمشكلات
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•تعتبر ساحة السلطان أحمد وجوارها واحدة من أكثر المواقع السياحية المقصودة في إسطنبول. ويوجد على مسافة  قصيرة منها السوق العتيق الشهير، والمسجد الأزرق الرائع، ومئات المحلات والمطاعم المكتظة عامة بالسياح من جميع أنحاء العالم. وهي أيضاً من أكثر الأماكن المحمية في المدينة وتتجول فيها بكثرة دوريات الشرطة ورجال الأمن السريين.

•وبالمقارنــة مع الهجومين السابقين فـي تركيـا، الأول في مدينـة سـوروس جنوب - شرق تركيا، والثاني في المحطة المركزية في أنقرة، اللذين قتل فيهما أكثر من 100 شخص، واستهدفا بصورة أساسية تجمعات أكراد أتراك وناشطين في مجال حقوق الانسان، فإن هجوم إسطنبول كان مختلفاً. فالمخططون للهجوم (وفقاً لبيان الحكومة، المخرب عضو في داعش وهو من أصل سوري) أرادوا ضرب موقع سياحي وقطاع السياحة التركية، مثلما فعلوا عندما أسقطوا الطائرة الروسية في شرم الشيخ في تشرين الأول/أكتوبر.

•هذا الحادث، وبعكس الهجومين السابقين، فإن الهدف موجه ضد الوطن وليس ضد قطاع، و هو ليس طائفياً. وانطلاقاً من ذلك، يمكن استخلاص الاستراتيجية الجديدة التي ينتهجها تنظيم داعش حيال تركيا. فالهجوم الذي يركز على قطاع معين مثل الأكراد يهدف إلى زعزعة شبكة العلاقات الهشة أصلاً بين السكان الأكراد والحكومة وتحميل الحكومة تهمة التحريض، مثلما جرى في الهجومين السابقين، ويمكن أيضاً تفسير الهجومين كعمليتين انتقاميتين ضد الأكراد الذين ينشطون ضد داعش في سورية.

•في الهجوم الحالي، يبدو أن الدولة نفسها تحولت إلى هدف رداً على انضمامها إلى التحالف الدولي، ولأنها هي نفسها تهاجم أهدافاً تابعة لداعش وتسمح للطائرات الأميركية والبريطانية  بالعمل ضد التنظيم في سورية والعراق. وهذا هو التخوف المبرر الذي رافق تركيا خلال العام ونصف العام الأخير، وكان سبباً لامتناعها عن الانضمام فعلياً إلى التحالف الدولي. ولكن بعد ضغوط شديدة، وافقت على السماح لقوات الائتلاف بالعمل انطلاقاً من أراضيها. وفي الواقع تحدث مسؤولون أتراك طوال الوقت عن خطر انزلاق الحرب السورية إلى أراضي تركيا، وتحوّل الدولة إلى فرع لعمليات داعش.

•بعد انضمام تركيا التي سمحت لأشهر طويلة لمقاتلي داعش والمتطوعين القادمين من الخارج بعبور أراضيها إلى سورية، بدأت العمل بعنف ضد نشاط التنظيم بالإضافة إلى الحرب الدموية التي تخوضها ضد حزب العمال الكردستاني (PKK) وضد المتمردين الأكراد في سورية. وقد فرضت تركيا كجزء من هذه الحرب، حصاراً على عدة أماكن، وأغلقت عدداً من المدن والقرى في جنوب- شرق تركيا، واعتقلت مواطنين أكراداً وقتلت قرابة 500 ناشط ومواطن. وفي الوقت عينه اعتقلت السلطات التركية عشرات الأشخاص المشتبه بانتمائهم إلى داعش، وكشفت خلايا ومخازن سلاح واعترضت مواد إعلامية معدة للإذاعة لأعضاء في داعش عبروا تركيا.

•إن قرار التحرك ضد تنظيم داعش الذي جاء متأخراً جداً، وضع تركيا على خط جبهة خطرة، بسبب قربها من الحدود السورية غير المُحكمة السدّ في وجه عبور المسلحين. وهكذا تجد تركيا نفسها أسيرة ثلاث جبهات عنيفة وجبهة سياسية مثقلة بالمشاكل. بالطبع ليست الحرب ضد الإرهاب الداخلي جديدة لكنها كانت محصورة حتى اليوم بالحرب ضد الـ PKK، يضاف إليها الحرب التي تخوضها تركيا ضد قوات المتمردين الأكراد في سورية، والتي تهدف الى منع قيام تواصل جغرافي كردي على الجانب السوري من الحدود، يمكن أن يتطور إلى منطقة مستقلة ويؤثر على التطلعات القومية للأكراد في تركيا كما تتخوف أنقرة.

•إن الحرب ضد تنظيم داعش يوسع حدود القتال الداخلي بحيث يهدد كل مدينة وتجمع سكاني في أنحاء تركيا. ويجب أن تأخذ هذه الحرب في الحسبان قدرة تنظيم داعش على تجنيد [مؤيدين له] وسط أكثر من مليوني لاجئ سوري موجودين في تركيا، جزء منهم يخضع للمراقبة داخل مخيمات اللاجئين، لكن أغلبيتهم تسكن داخل المدن في منازل مستأجرة وفي ظروف صعبة من دون إذن عمل، ويشكلون فريسة سهلة للذين يقومون بالتجنيد من تنظيمات مختلفة من بينها داعش. 

•كما تواجه السلطات [التركية] صعوبة كبيرة في مراقبة كل مواطن سوري لا يسكن في مخيمات اللاجئين، أو القيام بتحقيقات أمنية في مراكز المعابر الواقعة أغلبيتها في الجانب السوري تحت سيطرة تنظيمات المتمردين.

•وإلى جانب المعركة العسكرية، تعاني تركيا من ورطة سياسية زعزعت علاقاتها مع روسيا بسبب اسقاطها طائرة حربية روسية في سورية، ومن ورطة مع إيران بسبب قرار تركيا الانضمام إلى التحالف الإسلامي – السني الذي شكله سلمان ملك السعودية. ويمكن أن يكون للتوتر مع إيران، جارتها من الشرق، انعكاسات عسكرية إذا تحولت إيران إلى محطة عبور سهلة للناشطين الأكراد، مما سيضطر تركيا إلى نشر قواتها على هذه الحدود أيضاً.

•وهكذا، تنضم تركيا إلى مجموعة دول من بينها إسرائيل ومصر وفرنسا وبلجيكا، يستطيع مهاجمون أفراد داخل أراضيها زعزعة ليس فقط زعزعة أمن مواطنيها، وإنما أيضاً اقتصاد الدولة.   

 

•ومنذ الآن تتحدث تقارير جهات في السياحة التركية عن إلغاء العديد من الحجوزات في الفنادق، وذلك بعد سنة عانت فيها السياحة انخفاضاً عميقاً في مداخيلها بسبب عدم مجيء السياح من روسيا. إن هذه التهديدات الاقتصادية يمكن أن تدفع تركيا إلى تغيير استراتيجية سياستها الخارجية، ومحاولة اعادة علاقتها مع مصر، وترميم علاقتها مع إسرائيل، والعثور على بدائل عن السوق الروسية.

 

 

المزيد ضمن العدد 2290