معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•تضع التطورات الأخيرة في الساحة الدولية وفي ميدان القتال في سورية استقرار التحالف الروسي- الإيراني في سورية الذي تأسس في أيلول/سبتمبر 2015، على المحك. ويبدو أنه بعد ثلاثة أشهر من الجهد العسكري، لم يؤت التدخل الروسي في سورية ثماره المرجوة من موسكو. فقد اتخذت روسيا قراراً استراتيجياً بأن تتدخل عسكرياً في الحرب الأهلية الدائرة في سورية لكي تدافع عن نظام بشار الأسد. واستند هذا القرار إلى مجموعة مصالح لروسيا في منطقة الشرق الأوسط وأبعد منها، وعلى رأسها الرغبة في توسيع نفوذها الإقليمي، والحفاظ على موطئ قدم على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإضعاف مكانة الولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. وتبلور بشكل طبيعي تحالف بين حلفاء الأسد بمشاركة كل من روسيا وإيران والجيش السوري وحزب الله، وكذلك ميليشيات شيعية تستخدمها إيران أذرعاً لها. وبرغم تصريحات روسيا بأن تدخلها العسكري في سورية موجه أولا وقبل كلّ شيء ضد تنظيم "داعش"، إلاّ إنها استهدفت في هجماتها تنظيمات معارضة أخرى، وكان القصد دعم نظام الأسد. واعتمد التحالف المذكور أسلوب هجمات جوية روسية ضد أهداف محددة تابعة لتنظيمات المتمردين، ومساندة جوية روسية لحلفاء الأسد الذين يقاتلون على الأرض. وحتى الآن، بعد شهرين من جهد عسكري متكامل في الجو والبر للتحالف الروسي - الإيراني، يبدو أنه تم كبح الهجوم الذي تركز في السيطرة على مناطق حيوية في شمال سورية (منطقة حلب، ومحور حلب - حمص، والمعابر المؤدية إلى قطاع الساحل). ونتيجة لذلك نشأت احتكاكات وبرزت تعارضات في المصالح بين أعضاء التحالف المؤيد للأسد. وأضيفت إلى الصعوبة العسكرية خلافات على المستوى السياسي. فقد حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يستثمر التدخل العسكري واستخدام القوة المشترك لكي يرسم إطاراً دولياً ملائماً لبلورة عملية سياسية ترمي إلى إنهاء الحرب الأهلية في سورية. بيد أنه حتى الخطوات الدبلوماسية في هذا الشأن تتقدم ببطء. والتوافق بين القوى العظمى، وتحديداً بين روسيا والولايات المتحدة، من أجل تحريك العملية السياسية التي ستبلور التسوية المستقبلية في سورية بما في ذلك مستقبل النظام، لم تحظ برضى من جانب إيران.
روسيا وإيران: بين العلاقة الاستراتيجية والخلافات السياسية والعسكرية
•على الرغم من تاريخ حافل من الخصومة الاستراتيجية بين روسيا وإيران، وتحديداً منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، وجدت الدولتان لغة مشتركة على خلفية المساعدة الروسية لإيران في مجالات متعددة بما في ذلك المجالان العسكري والنووي. وتواصل هذا التعاون المتنوع على الرغم من المشاركة الروسية في الأعوام الأخيرة في نظام العقوبات ضد إيران ودورها النشط في المفاوضات النووية. واستفادت روسيا من هذه السياسة بحكم تموضعها كلاعب دولي مؤثر من جهة، ومن جراء استغلال الفرص الاقتصادية الكامنة في علاقاتها مع إيران، من جهة ثانية. وأظهرت الحاجة إلى دعم نظام الأسد المتزعزع في سورية التقاء المصالح الإيرانية- الروسية، كما أنها غدت أداةً حيوية في دفع الأهداف الاستراتيجية قدماً- سواء لجهة محاربة الإسلام الراديكالي (السلفي - الجهادي) الذي يهدد روسيا أيضاً، أو لجهة مساعي بلورة تسوية إقليمية، مفصّلة على مقاس روسيا. ومع ذلك، وإلى جانب القاسم المشترك، فهناك نقاط خلافية عديدة بين الجانبين. وتشكل مسألة المستقبل الشخصي للأسد الابن، ولا سيما المرونة الروسية حيال إنهاء دوره، رافعةً للتوصل إلى تسوية متفق عليها مع المجتمع الدولي في ما يتعلق بالمرحلة السياسية الانتقالية في سورية. وهذا نموذج لخلاف سياسي مهم، وهو ليس الوحيد. وفي الواقع، ينظر كل جانب إلى أهدافه الجوهرية في سورية بطريقة مختلفة.
•إن السبب الرئيسي للتدخل الإيراني في القتال في سورية، هو بلورة تسوية مستقبلية في الدولة تلبي حاجاتها: تعزيز المحور الشيعي المؤلف من إيران - العراق- سورية - حزب الله-، ومن أجل ذلك فالمطلوب هو الحفاظ على النظام العلوي وضمان توجهه المؤيد لإيران. وهذا عنصر رئيسي في استراتيجيا إيران الإقليمية الحالية الرامية إلى الهيمنة الإقليمية - بلورة مجال نفوذ بقيادتها مع قطع الطريق على اللاعبين الآخرين، الإقليميين (العربية السعودية وتركيا بشكل أساسي)، والدوليين (الغرب) الذين يسعون إلى دفع ترتيب مغاير.
•ولروسيا من ناحيتها مصالح أخرى، وفي أساسها فرضية أن تدخلها في سورية يعزز أهدافها العالمية. ومن وجهة نظرها، الهدف المفضل هو بلورة تسوية تؤمن لها موطئ قدم ونفوذاً في منطقة الشرق الأوسط، من خلال وضع حد للهيمنة الغربية على المنطقة. والإبقاء على نظام الأسد ليس شرطاً ضرورياً لتحقيق ذلك، ما بقيت مكانتها في سورية محفوظة. ومن هنا مرونة روسيا النسبية في المفاوضات مع الغرب حول هذه المسألة. وبالإضافة إلى كل ذلك، هناك تخوف في روسيا من "هروب" إيران إلى المعسكر الغربي استمراراً للاتفاق النووي، وبعد أن يتطور تنسيق مع الولايات المتحدة بشأن الوضع في العراق، وأيضاً في سورية في مواجهة تنظيم "داعش". وطهران لا يسرّها تعزيز مكانة وسيطرة روسيا في سورية، لأن من شأن ذلك أن يضر في نهاية المطاف بمخططاتها على مستويين. على المستوى السياسي، تجد إيران صعوبة في التسليم بواقع أن روسيا آثرت إشراك الغرب والدول السنية في مجهود استقرار سورية وتحقيق تسوية سياسية فيها، فضلاً عن أنه في الاتصالات السياسية، تتجاهل روسيا بشكل تام تقريباً الموقف الإيراني في هذا السياق. ولقد نجحت روسيا في قيادة العملية السياسية في جولتين من اللقاءات عقدتا في فيينا، وفي بلورة قرار لمجلس الأمن يرسم "خارطة طريق" للحوار وللترتيبات الانتقالية في سورية، من شأنها أن تنهي الحرب وتفضي إلى حل متفق عليه في غضون 18 شهراً. لكن إلى جانب الصعوبة التي تواجهها روسيا في سعيها للحصول على تعاون الفصائل السورية المعارضة، يبدو أن الغرب أيضاً بقيادة الولايات المتحدة لا يبدي أي استعداد لتسهيل دور روسيا القيادي، وبالتأكيد فإنه لا يساعد في إنجاح سياسة بوتين الذي اعتقد أن تدخلاً عسكرياً في سورية سيعود عليه بمكاسب سياسية. وبالفعل، لم تنجح روسيا في قيادة العملية السياسية إلا بعد أن أظهرت تصميماً في استخدام القوة العسكرية.
•[وعلى المستوى العسكري]، الجيش الروسي شريك في تحالف ليس فقط مع قوات إيرانية وجيش سورية الخاضع لأوامر الأسد، وإنما أيضاً مع الميليشيات الشيعية وحزب الله الخاضعين للوصاية الإيرانية، والذين لا تبدي روسيا تجاههم أي مودة ظاهرة - الأمر الذي يعزز الادعاءات الإيرانية بأن التعاون الروسي معهم جزئي. لقد أرسلت إيران إلى سورية دعماً للمجهود الهجومي المشترك، تعزيزات من القوات البرية بما يقارب 2000 مقاتل من الحرس الثوري - فيلق القدس (بالإضافة إلى القوة الموجودة من قبل وتقاتل إلى جانب بشار الأسد)، وهناك ميليشيات تضم متطوعين شيعة وقوات من حزب الله. بيد أن كبح المجهود الهجومي من قبل قوات المتمردين وحجم الخسائر البشرية في أوساط ضباط ومقاتلي فيلق القدس، أثارا في إيران نفسها انتقاداً بشأن كلفة التدخل في سورية، فقررت [إيران] سحب التعزيزات وإعادة عناصرها إلى الوطن.
موقع إسرائيل في المشهد الحالي
•يضاف إلى كل ما سبق ذكره مسألة التعاون الروسي- الإسرائيلي الذي يمس هو الآخر الثقة بين إيران وروسيا، ويصعّب سعي إيران بالتنسيق مع حزب الله لإقامة بنية تحتية للقيام بعمليات إرهابية ضد إسرائيل في جنوب سورية في منطقة مرتفعات الجولان. ويبدو أن جزءاً من التنسيق بين روسيا وإسرائيل بالنسبة للنشاط في سورية، يعطي إسرائيل حرية العمل في المجال الجوي في سماء سورية ولبنان (برغم أن المنطقة محمية بغطاء من بطاريات صواريخ أرض - جو روسية). وتحرص إسرائيل على الاحتفاظ بحرية العمل لمعالجة ما تعتبره تهديداً فعلياً ضدها. ونجحت حتى اليوم في المحافظة على التنسيق الجوي مع روسيا، مع وجوب عدم اعتبار هذا النجاح أمراً مسلماً به. لكن العملية الأخيرة في سورية والمنسوبة إلى إسرائيل- اغتيال سمير القنطار في مشارف دمشق - أثارت غضب حزب الله وإيران. وبحسب رؤيتهما، كانت هذه العملية مرتبطة أيضاً بتفاهمات بين إسرائيل وروسيا، أقوى من التزامات روسيا تجاه التحالف الموالي للأسد. وإذا كان ظاهر ارتقاء مستوى التنسيق الروسي - الإسرائيلي يعكس تنسيقاً استراتيجياً بين الدولتين، فمن شأنه أن يثير تساؤلات لدى الشركاء في التحالف الروسي حول صلاحية هذه الشراكة فيما يقبل من الأيام، وفي الوقت نفسه فإنه يعزز المصلحة الإسرائيلية في استمرار التنسيق مع روسيا، وفي تجنب نقاط احتكاك محتملة مع القوات الروسية العاملة في سورية.
•لكن بمعزل عن نقاط الاحتكاك وهذه المناخات وبرغم مساعي القوى الكبرى الغربية والدول العربية السنية الهادفة إلى زعزعة التحالف الذي تقوده روسيا، فلا يزال الطريق طويلاً أمام تفكك تحالف مؤيدي الأسد في سورية. فقد رسمت الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط شراكات جديدة وتحالفات محدودة لجهة أهدافها ومدتها. ومثلما استطاعت تركيا، الدولة العضو في حلف الناتو، أن تقيم علاقات مع تنظيم "داعش" في وقت تعرّف الولايات المتحدة حربها ضد "داعش" كمجهود أميركي رئيسي، تستطيع روسيا أيضاً أن تقود تحالفاً بمشاركة إيران وحزب الله، وتقيم في الوقت نفسه مع إسرائيل تفاهمات استراتيجية تتناقض مع مصالح شركائها. إيران لا تملك خيار الخروج من اللعبة في سورية. وتبعاً لذلك، فهي ستفضل مواصلة التعاون مع روسيا حتى لو كان طعمه مراً في بعض الأحيان ما لم يكن لديها بديل أفضل، كما أن هذا التعاون يسمح لإيران بعدم ترك روسيا وحدها ترسي أساسيات التسوية [المستقبلية] في سورية على حساب المصالح الإيرانية في سورية نفسها وفي المنطقة برمتها.