كل أكاذيب الغاز (حلقة ثانية)
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•كارثة على الأبواب. وقّعت شركة مصرية هذا الأسبوع "مذكرة تفاهم" مع شركتي "ديليك" و"نوبل إنرجي" حول تزويد مصر بكميات من الغاز الطبيعي. وهذا من شأنه أن يوطد العلاقات بين الدولتين ويعيد شيئا من الحرارة إلى السلام المجمد. كما أن هذا من شأنه إدخال بضعة مليارات [من الشيكلات] إلى خزينة الدولة. لكن يجب علينا نسف هذه الفرصة هنا، والآن! كما يتوجب علينا وقف مفاوضات ترمي إلى تنفيذ صفقات تصدير أكبر قيد الاختمار مع مصر والأردن، وعلينا منع المحادثات الهادفة إلى توقيع اتفاقات غاز مع قبرص واليونان، وإلا فماذا سيكون مصير الكذبة رقم (2): "لا يوجد أحد لتصدير الغاز إليه. لدى المصريين مخزون كاف من الغاز. وتالياً، لا ضرورة لتعجيل تطوير حقل الغاز 'لفيتان'". 

•إن كل من يقول ذلك يريد وببساطة تدمير كل تنمية وكل تطور. مصر تعاني من أزمة طاقة كبيرة تتجلى في نقص حاد في الغاز الطبيعي، حتى بعد اكتشاف مكامن الغاز الجديدة [حقل "ظُهر" البحري]. وأصل الأزمة هو أن حسني مبارك خضع لمنتقدين شعبويين مصريين، وخفض سعر الغاز إلى 3 دولارات لكل وحدة حرارية بريطانية. وكانت النتيجة أن شركات الغاز العالمية غادرت، وتحولت مصر من دولة مصدرة للغاز إلى دولة تعاني نقصا في الغاز. لكن الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، أدرك الخطأ ورفع سعر الغاز الطبيعي إلى 5,9 دولارات، مما أعاد إلى مصر شركة إيطالية [شركة "إيني"] التي وجدت كميات ضخمة من الغاز. ولكن مصر الكبيرة تحتاج إلى المزيد. وعليه، فإن إسرائيل ستصدر الغاز إلى مصر، وحتى إلى الأردن كذلك، برغم أنف المعارضين.

•الكذبة رقم (3): "الحكومة خضعت لملوك المال ومنحتهم كل ما طلبوه". هذه كذبة سافرة بنوع خاص. فعندما اكتشفت "ديليك" و"نوبل إنرجي" [حقول] الغاز، كان قانون [قطاع النفط والغاز] ينص على أن حصة الحكومة من العائدات هي 25%، وأن نسبة 75% تعود للمستثمرين. لكن الحكومة قررت (بقيادة [وزير المالية السابق] يوفال شتاينتز) تشكيل "لجنة شيشنسكي" التي أوصت بزيادة حصة الحكومة من العائدات زيادة كبيرة بحيث تصل إلى نسبة تراوح بين 55% و60%، وتكتفي شركتا "ديليك" و"نوبل إنرجي" بنسبة 45% إلى 40%. وهذا تغيير كبير جداً. والأمر يتعلق بتشريع ذي مفعول رجعي لا سابق له من حيث نطاقه- وهذا عكس الخضوع تماماً. 

•في ما بعد شُكلت "لجنة تسيمح" التي قيّدت حجم الغاز المسموح بتصديره بنسبة 50% من الإنتاج. وفي وقت لاحق، جرى تشديد القيود بحيث [إن مجموع الكميات المسموح بتصديرها] أصبح 40% وخصص ما نسبته 60% من الإنتاج للاستهلاك المحلي. وهذا أيضا ليس خضوعاً. إنها لكمة في الوجه.

ولاحقاً، ولد مخطط اتفاق الغاز الذي فرض على أصحاب [امتيازات] حقول الغاز أن يبيعوا جزءاً من حصصهم إلى مستثمرين جدد وتضمّن سعراً أقصى للغاز لفترة زمنية محددة. وهذه العملية مستمرة منذ خمسة أعوام (!) وهي تؤخر استخراج الغاز. وكل ذلك عكس الخضوع.

•الكذبة رقم (4): "إن سعر الغاز أعلى بكثير من سعره العالمي. وينبغي أن يكون 3 دولارات لكل وحدة حرارية، وليس 5,6 دولارات". إنها كذبة سخيفة لأنه لا يوجد "سعر عالمي" [واحد] للغاز. إنه ليس سلعة أساسية متداولة عالميا commodity كالنفط. إن أسعار الغاز محلية وتختلف من دولة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى طبقاً لمتغيرات عديدة مثل الحفر، على اليابسة أو في البحر، في المياه الضحلة أو في عمق البحار، وهناك عشرات المتغيرات الأخرى. 

 

•إن سعر الغاز في إسرائيل مماثل لسعره في أوروبا، لكن أعلى من سعره في ولاية تكساس الأميركية، ومنها استوحى المعارضون معطى الـ3 دولارات. لكن ليس كل العالم تكساس. في ولاية نيويورك أو ولاية واشنطن على سبيل المثال، سعر الغاز ضعف سعره في ولاية تكساس. والسعر في تكساس هو أدنى سعر للغاز في العالم لأن الأمر يتعلق بإنتاج منخفض التكلفة بنوع خاص، فمعظمه موجود على اليابسة وبكميات هائلة. وفي مقابل ذلك، تطلّب الإنتاج في حالة [حقل الغاز البحري] "تمار" بناء منصة تنقيب عملاقة في عرض البحر. وكان على متعهد الحفريات أن يقطع مسافة 1,6 كلم تحت سطح البحر، وأن يحفر حتى عمق 4 آلاف متر [في جوف الأرض] تحت قعر البحر. وفي ما بعد، كان ينبغي مد خط أنابيب في قاع البحر الأبيض المتوسط باستخدام "روبوتات" غاطسة. ويبلغ طول الخط 155 كلم وصولا إلى محطة استقبال الغاز الكبيرة قبالة سواحل [ميناء] عسقلان. وبلغت تكاليف جميع هذه الأعمال 4,25 مليارات دولار. فكيف يمكن مقارنة ذلك مع أعمال الحفر على اليابسة الأسهل والأرخص في تكساس؟ قد يمكن ذلك، إذا كان الهدف هو الكذب.

 

 

المزيد ضمن العدد 2263