معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•جاء في تصريح لرئيس الحكومة نتنياهو خلال زيارته إلى واشنطن ما يلي: "إن خطوة أحادية الجانب حيال الفلسطينيين ممكنة قطعاً، لكن بشرط أن تأخذ في الحسبان احتياجات إسرائيل الأمنية وتشمل تفاهمات دولية تحظى بدعم واسع". وفي وقت لاحق تراجع نتنياهو عن هذا التصريح ونشر إيضاحات. ولكن من المهم في الحالين تفحص إن كان يمكن ضمان الأمن، حتى في سياق مبادرة انفصال مستقلة تقوم بها إسرائيل.
•إن الانفصال عن الفلسطينيين في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] هو خطوة خارج إطار التسوية الدائمة وخطة بديلة لوضع يتبين فيه بالدليل القاطع أنه لا يمكن التوصل في المستقبل المنظور إلى اتفاق شامل مع الفلسطينيين على أساس مبدأ دولتين لشعبين. والغاية من انفصال كهذا تحديد حدود موقتة تنشئ واقع دولتين قوميتين من دون تقويض إمكانية استمرار المفاوضات، ومن خلال تحسين واقع الفلسطينيين إلى حين التوصل إلى تسوية [دائمة]. إن انفصالاً مستقلاً [من جانب واحد]، أو تسوية جزئية، أو اتفاقاً مرحلياً، كل ذلك سيشمل على ما يبدو إخلاء ما يقارب 100 ألف شخص مدني من مستوطنات واقعة خارج الجدار الأمني أو أعالي الجبال، من أصل ما يقارب 380 ألف [مستوطن] إسرائيلي وراء الخط الأخضر، وسيبقي على الكتل الاستيطانية الكبيرة التي تضم الغالبية العظمى من المستوطنين. ونقطة انطلاق النقاش هي أنه يتعين على هكذا انفصال مستقل عن الفلسطينيين في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، أن يضمن أمن كل فرد من مواطني إسرائيل والأمن القومي بوجه عام حتى تكون هذه الخطوة ممكنة.
•ونظراً إلى قصر المسافة بين يهودا والسامرة [الضفة الغربية] والمراكز السكانية والجبهة الداخلية الاستراتيجية، ستظل إسرائيل معرضة جدا لخطر إطلاق النار واعتداءات أخرى مصدرها هذه المناطق. ولذلك، يجب أن يبقى الجيش الإسرائيلي هو المسؤول عن الأمن في هذه المناطق في حال عدم وجود ترتيبات أمنية متفق عليها مع الفلسطينيين. وخلافاً لقطاع غزة، يجب أن يقوم نموذج حفظ الأمن في الضفة الغربية بشكل أساسي على استباق العمليات الإرهابية ومنعها وعلى مكافحة الإرهاب كما ينبغي، أكثر من قيامه على الردع. كما يجب أن يشمل منع تطوير بنية تحتية إرهابية بما في ذلك منع تطوير قدرات إنتاج أسلحة أو تهريبها وتهريب ذخائر ومواد ذات استخدام مزدوج ومساعدة مدربين من الخارج. ولهذه الغاية ينبغي أن يواصل الجيش الإسرائيلي عزل المناطق المحيطة بيهودا والسامرة [الضفة الغربية] من خلال: إبقاء سيطرة إسرائيلية أمنية على غور الأردن، ومعابر الأردن، والمعابر بين يهودا والسامرة [الضفة الغربية] وإسرائيل، وعلى المجال الجوي لهذه المناطق. وضمن هذا المخطط يمكن المحافظة على القدرة الاستخباراتية على إحباط الإرهاب، وعلى حرية العمل المطلوبة للجيش الإسرائيلي ولجهاز "الشاباك" في هذه المناطق. وفي الوقت عينه، سيكون الجيش الإسرائيلي على أتم الجهوزية لإحباط الإرهاب والعنف والتصدي لهما كما ينبغي. وفي سيناريو خطِر متمثل بمحاولة سيطرة حركة "حماس" بالقوة على أراضي يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، سيكون بمستطاع إسرائيل منع هذه السيطرة، وينبغي أن توضح إسرائيل مسبقا للجميع أن هذا ما ستفعله.
•وأبعد من ضرورة منع الإرهاب من يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، تحتل اعتبارات الأمن الاستراتيجية في إسرائيل مكاناً مركزياً نظراً لانعدام الاستقرار الدولتي- السياسي في منطقة الشرق الأوسط وتحديات الأمن المتوقع نشوؤها مستقبلاً من شرق الأردن. ويقضي الأمن الاستراتيجي بمواصلة سيطرة الجيش الإسرائيلي على غور الأردن، والمحافظة على المرونة العملانية المطلوبة، ما لم يجر التوصل إلى ترتيبات أمنية ملائمة و/أو ترتيبات أمنية إقليمية مناسبة، وما لم يطرأ تغيّر أساسي وجوهري في مستوى الاستقرار في محيطنا.
•وتمثل جزء لا يتجزأ من المخطط العام الأمني الضروري، في خطوات غير عسكرية، الغاية منها مساعدة السلطة الفلسطينية على تأسيس حكم مستقر وسيطرة فاعلة من أجل إضعاف جذور الإرهاب والتهديد الأمني في أراضيها، والمساعدة في دفع مفاوضات اتفاق الحل الدائم قدما. والخطوات الرئيسية هي تقليص تدخل الجيش الإسرائيلي والإدارة المدنية [التابعة للاحتلال] في الحياة المدنية للفلسطينيين، ونقل أقصى ما يمكن من الصلاحيات المدنية من يد إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية بالتنسيق معها، ومنع أزمة اقتصادية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] من خلال منح الفلسطينيين حرية التنقل والنشاط الاقتصادي بحده الأقصى، وتشجيع مبادرات اقتصادية بالتعاون بين فلسطينيين وجهات أجنبية، وعرض شراكة إسرائيل ومساعدتها في إنشاء بنى تحتية اقتصادية لدولة فلسطينية.
•علاوة على ذلك، ومن أجل تعزيز شرعية السلطة الفلسطينية في نظر جمهورها، يتوجب على الجيش الإسرائيلي أن يعتمد بشكل تدريجي ومدروس نهجاً أكثر مرونة لضمان الأمن الجاري في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، ما دام هناك تنسيق أمني فاعل مع السلطة الفلسطينية وما لم تندلع موجة عنف جديدة في هذه المناطق. وفي هذا الإطار ينبغي الانتقال بصورة تدريجية وحذرة إلى انتشار عسكري إسرائيلي بعيد عن الأضواء في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وخصوصاً في المناطق الفلسطينية المأهولة. وبموجب خطة عملانية يعدها الجيش الإسرائيلي، ينبغي قدر الإمكان تركيز نشر القواعد العسكرية بالقرب من محاور مواصلات رئيسية وبالقرب من مناطق الغلاف الأمني [المناطق المحيطة بالضفة الغربية]، و الانتقال بشكل مدروس إلى نظام الرقابة والسيطرة عن بعد. وينبغي أن تتخذ هذه الخطوات مع وجوب مراعاة مجمل الاعتبارات المتصلة بعملية الانفصال، مثل مراحل تنفيذ الإخلاء المدني ووضع الأمن الجاري، ومن خلال حفظ القدرة العملانية على العودة للعمل في عمق المنطقة كلما تطلب الأمر. وإذا أوقفت السلطة الفلسطينية خلافاً لما تتمناه [إسرائيل]، تعاونها الأمني ردا على خطوة الانفصال، فالأمر سيصعب تنفيذ الخطوة وسيستوجب تشديد المخطط الأمني. وبقدر ما يسير المخطط الأمني بنجاح، يصبح في الإمكان إرفاقه بخطوات إضافية مثل: نقل المسؤولية الأمنية إلى السلطة الفلسطينية في المنطقة (ب) وفي المنطقة (ج) حيث لن يتبقى مستوطنات إسرائيلية، وعودة الفلسطينيين للعب دور مدني ما على معابر الأردن، وإشراك مراقبين أجانب في إجراءات التفتيش الأمنية على المعابر، وكل ذلك من خلال إبقاء الصلاحية الأمنية العليا على المعابر في قبضة إسرائيل.
•وهناك تحدّ أمني داخلي متمثل بمواجهة الانقسام الكبير في المجتمع الإسرائيلي حيال موضوع تقسيم البلاد ومستقبل يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. وهناك تخوف حقيقي من أن يقوم إسرائيليون بأعمال عنف احتجاجاً على مبادرة الانفصال أو ضد إخلاء مناطق ومستوطنات، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بخطوة لا تأتي ضمن إطار اتفاق على حل دائم. وأعمال كهذه من المتوقع أن تبدأ منذ لحظة طرح فكرة الانفصال أو الاتفاق الجزئي، للنقاش العام أو الحكومي، وتستمر في ما بعد إلى حين بدء الإخلاء وخلاله وفي أعقابه. وقد تكون أعمال العنف موجهة ضد يهود أو عرب، وقد تنفذ في القدس، وداخل الخط الأخضر، أو في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وقد تكون موجهة ضد شخصيات، وضد الجمهور، وضد أفراد أو ضد الجيش الإسرائيلي. ولذا، فإن بناء رد ملائم على هذا الخطر يتطلب الاستعداد والتجهيز لذلك من خلال عمل محكم وشامل يناط بجهات أمنية مختصة.
•في المخطط الأمني الموصوف أعلاه هناك جدوى أمنية من انفصال مستقل عن الفلسطينيين في مناطق يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، واستجابة ملائمة ومدروسة للتحديات الأمنية. كما أن هذا المخطط يتلاءم أيضا مع سيناريوات تسويات جزئية أو تسويات مرحلية لا ترقى إلى درجة تسوية دائمة. وبالإضافة إلى ذلك، من المستحسن جداً إرفاق هذا المخطط بمجهود لتحقيق تهدئة لفترة طويلة في قطاع غزة من خلال خطوات تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق نار طويل الأمد وإعادة إعمار مراقبة للقطاع- وهذان هدفان ضروريان لإسرائيل من الناحيتين السياسية والأمنية. ولا بد من التشديد على أن هذا المخطط الأمني لا يتطرق إلى تسوية أمنية جامعة وشاملة مطلوبة في تسوية دائمة، فهذه تستلزم بطبيعة الحال ترتيبات مختلفة كلياً.
•وطبقاً لهذا المخطط، فإن الانفصال عن يهودا والسامرة [الضفة الغربية] مختلف جوهريا عن الانفصال عن قطاع غزة. فعلى المستوى المدني، الإخلاء جزئي فقط، والتجمعات السكانية الرئيسية وفيها غالبية المستوطنين، ستبقى في مكانها. وعلى المستوى السياسي، ستبقى السلطة الفلسطينية شريكا والمفاوضات معها حول تسوية متفق عليها لا بد من أن تتواصل إذا كانت السلطة مهتمة بذلك، لكن ليس مع حركة "حماس". وعلى المستوى الأمني، سيبقى الجيش الإسرائيلي في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] مستمرا في تحمّل المسؤولية الأمنية، مع ما ينطوي عليه هذا الأمر من ثمن سياسي في الساحة الدولية، وبشكل رئيسي، من المتوقع امتناع عدة جهات [دولية] عن الاعتراف بأن إسرائيل قد خرجت بالفعل من الضفة الغربية، وبأن الاحتلال قد توقف.