كل أكاذيب الغاز (حلقة أولى)
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•وزير المالية موشيه كحلون رجل مهذب، وهو صاحب ابتسامة ساحرة، خجول بعض الشيء، ويتحدث مع الجميع على قدم المساواة. ولكن لا تخطئوا الظن به. فعندما كان عضواً في الكنيست أطلق عليه زملاؤه لقب "النشال المهذب". لماذا؟ لأنه عندما كان يصادف نائباً زميلاً له في أروقة الكنيست، كان يبدأ معه حديثاً ودياً، فيرمي كلمة ما، ويتفق معه على شيء ما، ويذهب إلى حال سبيله. وكان النائب الزميل يبقى في مكانه متأملا في ما قيل، ويكتشف فجأة أن محفظته اختفت، وأن كحلون قام بنشله من دون أن يشعر، بالمعنى المجازي بطبيعة الحال. وكان هذا شعوري عندما سمعت كحلون يقول في نهاية الأسبوع في برنامج "ستديو الجمعة" على القناة الثانية ومن دون أن يرف له جفن، إن "هناك مجالاً لتحسين [شروط] مخطط اتفاق الغاز لأن المواطن الإسرائيلي يستحق أكثر". صحيح أنه لا حدود للوقاحة، ولكن، هل يجوز لنشال أن يسلب الرأي العام هكذا؟

 

•وفي الواقع، كان في إمكان كحلون أن يكون اللاعب الرئيسي في [بلورة صيغة اتفاق] الغاز. كان يستطيع تغييره وتحسينه بوصفه وزيراً للمالية، فقبل الانتخابات وعد بمعالجة الموضوع، وأضاف أن صداقته مع كوبي ميمون [أحد مالكي شركة الطاقة "إسرامكو"، ومساهم في حقل الغاز "تمار"] لن تشكل عائقاً. بيد أنه غداة الانتخابات، أعلن فجأة أنه لن يتدخل في هذا القطاع بأي شكل من الأشكال. فما الذي استجد؟ إننا نتوقع من السياسيين أن ينحّوا مصالحهم الشخصية جانباً، بل وأن يقطعوا أواصر الصداقة إذا كانت ضارة بالمصلحة العامة. كما أنه من غير الجائز ألاّ يتدخل وزير المالية في الشأن الاقتصادي الأكثر أهمية. ولكن، في حقيقة الأمر، إنه يتدخل. فقد فعل شيئاً غير قليل لنسف مخطط اتفاق الغاز. في ما مضى، قال إن مخطط التسوية ليس جيداً بما فيه الكفاية، أما اليوم فهو يكرر هذا الكلام في وقت الذروة [على القنوات التلفزيونية]، وفي لحظة حرجة. وهو يعطي بالتالي دفعاً قوياً للمناهضين للاتفاق، وللمتظاهرين، ولأعضاء المعارضة الذين يريدون إلغاء الاتفاق والعودة إلى نقطة البداية، مما يعني إبقاء مخزون حقل "لفيتان" من الغاز الطبيعي عميقاً في باطن الأرض. وبعد كل شيء، فإن شركة "نوبل إنرجي" أعلنت أنها لن توافق على أي تغيير إضافي بعد المشقات التي عانتها لسنوات، وأنها ستتوجه للمحكمة - وهذه قضية تستغرق من ستة أعوام إلى عشرة أعوام. ومن اللافت أيضا أن الوزير الوحيد في الحكومة الذي يعارض مخطط اتفاق الغاز هو [وزير البيئة] آفي غباي، أوسانشو بانثا [رفيق دون كيخوته] كحلون. ومن اللافت أيضاً، من قبيل المصادفة، أن نسف اتفاق الغاز ملائم لرجل الأعمال الثري كوبي ميمون مالك الحصة المسيطرة في شركة "إسرامكو" الشريكة في حقل الغاز "تمار"، لكن غير الشريكة في حقل "لفيتان". إن إقرار اتفاق الغاز من شأنه أن يؤدي إلى تطوير حقل "لفيتان"، الأمر الذي سيفتح مجالاً للتنافس في وجه "تمار" ويضر بمصالح ميمون، صديق كحلون. فضلاً عن ذلك، يروج سياسيون آخرون كمية هائلة من الأكاذيب حول مخطط اتفاق الغاز، يتطلب إعداد ردود عليها تأليف كتاب. ومن هنا، اخترت مناقشة بعضها فقط، في سلسلة من ثلاث مقالات. الكذبة رقم (1): "مخطط اتفاق الغاز يعزز ويؤبد احتكار الغاز". حقاً؟ بعد خمسين عاماً نقبت خلالها الدولة [عن النفط والغاز] ولم تجد شيئاً، جاء يتسحاق تشوفا، الذي أقنع شركة "نوبل إنرجي" [الأميركية]، فوجدا معاً مكامن غاز طبيعي؟ هذا هو سبب نشوء الاحتكار: ببساطة، ولم يستطع أي أحد آخر أن يكتشف مكامن غاز طبيعي. وفيما بعد، جرت صياغة مخطط اتفاق هو محصلة مفاوضات طويلة وشاقة. والاتفاق يضعف الاحتكار، فهو يلزم تشوفا و"نوبل إنرجي" بيع حقلي الغاز "كريش" و"تنين" إلى مستثمر جديد، ويلزم تشوفا بيع حصته في امتياز حقل "تمار" خلال بضعة أعوام، ويقلص حصة "نوبل إنرجي" وقوتها في امتياز حقل "تمار"، ولكنه يبقي حقل "لفيتان" في يدي تشوفا و"نوبل إنرجي". وتبعاً لذلك، سوف ننتقل من وضع احتكاري مطلق إلى نموذج تنافس بين عدد قليل من الشركات. وهذا ليس تنافساً متطوراً [المنافسة الكاملة]، لكنه أفضل بكثير من الوضع الاحتكاري الحالي. كان من الأفضل خروج شركة "نوبل إنرجي" كلياً من امتياز "حقل تمار"، لكن في المفاوضات لا نتوقع تحقيق كل المطالب. كذلك، فإن التنافس في هذا القطاع سوف يزداد منذ اللحظة التي يأخذ فيها الاتفاق طريقه الى التنفيذ، وسيأتي مستثمرون آخرون إلى البحر المتوسط ويكتشفون حقول غاز جديدة. وقصارى القول، إن الاحتكار سيضعف، وسيتحول إلى تنافس القلّة - بالعكس تماماً لما تروجه الكذبة الفاضحة رقم (1)...

 

 

المزيد ضمن العدد 2261