•كشفت موجة العنف الحالية عن حقيقة مقلقة هي أن دولة إسرائيل وأذرعها الأمنية ونحن، المواطنين، فقدنا تقريباً القدرة على ردع المهاجمين الأفراد.
•في بداية موجة العنف الحالية أملوا في المؤسسة الأمنية أن يؤدي قتل المهاجمين بالسكاكين ومنفذي هجمات الدهس قبل الهجوم – وبالأساس بعده مباشرة - إلى ردع شبان فلسطينيين آخرين عن القيام بما يسميه الشاباك "هجمات استشهاد". وساد التقدير أنه عندما يتضح للشبان الفلسطينيين أي ثمن مروّع سيدفعونه مقابل محاولات هجوم ستفشل غالباً أو تنجح جزئياً فقط، فإنهم سيرتدعون ويكفون عن القيام بها.
•هذا هو السبب الذي من أجله شجع السياسيون وكبار المسؤولين في الجيش وفي الشرطة رجال شرطة وجنوداً ومواطنين - من دون أن يقولوا ذلك علناً - على عدم التردد في استخدام سلاحهم، حتى عندما لا يشكل المخرب أو المخربة خطراً عليهم. لكن هذا التقدير الذي كنت أنا أيضاً موافقاً عليه، كان خطأ. فمن الواضح اليوم أن الدافع الذي يدفع شباناً فلسطينيين للقيام "بهجمات استشهادية" عفوية أقوى من قوة الردع التي يبثها الخوف من الموت.
•"الهجمات الاستشهادية" مصطلح مهني، وأكثر دقة، لغوياً لوصف ظاهرة معروفة هي "الهجمات الانتحارية" التي يتذكرها معظمنا من فترة الانتفاضة الثانية، والتي ينفذ مثلها مسلمون جهاديون في شتى أنحاء العالم يومياً. إن المخربين الانتحاريين الذين عرفناهم سابقاَ كان يجري اختيارهم بدقة من قبل تنظيمات إرهابية منظمة ترسلهم لتنفيذ هذه المهمة المرعبة. وهؤلاء مروا بعملية تحضير ذهنية وغسل دماغ ايديولوجية ودينية، وحصلوا على معلومات استخباراتية، وحزام ناسف جرى إعداده خصيصاً لهم، ودعم لوجستي كاف. وظهر بضع عشرات فقط من المخربين والمخربات الانتحاريين خلال ما يقارب خمسة أعوام من الانتفاضة الثانية. وقد تسببوا بخسائر كبيرة بالأرواح وبأضرار مادية كبيرة إلى أن استطاعت الاستخبارات المتفوقة وبصورة خاصة حرية العمل التي مُنحت للجيش، استرجاع المبادرة والقضاء على هذه الظاهرة.
•اليوم هناك ظاهرة عكسية، فالضرر والخسائر ليسا كبيرين نسبياً، لكن عدد الهجمات خلال وقت قصير أكبر بمئات النسب المئوية. اثنان أو ثلاثة وحتى أربعة هجمات يومياً خلال شهرين. وهذا عدد هائل خلال فترة زمنية قصيرة، والنهاية لا تبدو في الأفق. ومن خلال ما يجري على الأرض نستطيع التوصل إلى استنتاج أنه كلما ازداد عدد "الذين جرى تحييدهم"، كلما ضعف الردع وقوي الدافع. لماذا؟ لأنه في موجة العنف الحالية تبرز ثلاثة عوامل سيكولوجية ذات أهمية كبيرة تتغلب على الخوف الطبيعي للمهاجم على حياته.
•العامل الأكثر أهمية هو التعويض الفوري الذي يحصل عليه المهاجم بالسكاكين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. بطعنة سكين واحدة - سواء كانت ناجحة أم فاشلة- يخرج المهاجم مباشرة من كونه مجهولاً ومن الحياة اليومية الكئيبة لمراهق يجد صعوبة في التأقلم مع محيطه، إلى موقع بطل قومي وديني، ويصبح اسمه على شفاه الجميع وتتباهى عائلته الثكلى به.
•إن المخرب الذي ربما يعاني من مشكلة شخصية ونفسية- يعرفها محيطه- يحظى بسبب هجوم طعن استغرق لحظة، باعتراف وتقدير جارفين، ليس فقط في محيطه القريب بل في المجتمع الفلسطيني بأسره.
•وثمة عامل آخر هو التأثير المخيف للرسائل الدينية الوحشية التي تنشرها داعش من خلال تصوير الموت بصورة مرعبة.
•العامل الثالث هو الغضب الذي تثيره "حماس" وأنصار أبو مازن بواسطة تصوير جثث المخربين الملقاة على الأرض من دون حراك وصور إسرائيليين يقفون فوقهم ويواصلون إطلاق النار. وفي بعض الأحيان، نزودهم نحن الإسرائيليين بهذه الصور، وتكفي صورة سيلفي واحدة مرسلة من خلال الواتس أب، كي تدفع تلميذة فلسطينية إلى التحرك.
•توجد أسباب أخرى لهجمات السكاكين لكنها ليست خاصة بموجة الارهاب الحالية. فالتعويض الاجتماعي والغضب من "عمليات الإعدام"، مادة تشعل موجة العنف الحالية تلقائياًَ، وهما السبب الأساسي لتبخر الردع الإسرائيلي.
•إن استمرار موجة الإرهاب يحصد ضحايا من بيننا يومياً، بالاضافة إلى ثمن اقتصادي ونفسي يدفعه مواطنو إسرائيل والمؤسسة الأمنية. والأخطر هو أن موجة ارهاب تتغذى من ذاتها يمكن أن تتحول بين لحظة وأخرى نتيجة خروج حدث عن السيطرة، إلى انتفاضة شعبية واسعة النطاق ومدمرة. لذا يجب العثور على السبيل الذي يؤدي إلى الاضمحلال السريع للجنون القاتل الذي يجتاح مناطق يهودا والسامرة [الضفة الغربية].
•ما الذي يمكن أن نفعله؟
•إن الفصل المادي- فصلاً يمنع الاحتكاك بين فلسطينيين ويهود- هو الأداة الفاعلة والأكثر نجاعة. في هذه الأيام يجب السعي إلى الفصل بين فلسطينيي المناطق والإسرائيليين في أي مكان يكونون فيه على مقربة من بعضهم بعضاً، وخصوصاً في الأماكن المعروفة جيداً: الخليل، وجبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]، وغوش عتسيون، ومنطقة نابلس والطريق الالتفافي في القدس. في القدس هدأت النفوس قليلاً في الفترة الأخيرة، ولذا لا حاجة إلى إشعال النيران من جديد.
•يجب التشديد على أن الفصل يجب أن يكون حرفياً ودقيقاً حتى لو أدى تنفيذه إلى إلحاق الضرر بصورة خطيرة بنسيج حياة الفلسطينيين ويحرضهم ويهدد بنشوب انتفاضة شاملة. علينا المخاطرة، ومن دون ذلك سنتدهور في جميع الأحوال عاجلاً أم آجلاً إلى انتفاضة. لذا يجب فرض حصار جزئي على بلدات فلسطينية، وتفتيش كل سيارة فلسطينية تسير على محاور الطرق المشتركة بين اليهود والفلسطينيين، ومنع خروج العمال من أصحاب الأذونات للعمل في إسرائيل، والطلب من المستوطنين اليهود والجنود عدم التجمع في أماكن معينة، والتنقل دائماً بصورة آمنة، وهذه كلها اجراءات ستتخذ من أجل منع الاحتكاك.
•عندما سيبدأ الوضع بالهدوء سترفع تدريجياً القيود التي تفصل وتؤثر سلباً على نسيج الحياة الفلسطينية واليهودية. هناك مجموعة أخرى من الإجراءات من شأنها أن تدفع المحيط القريب من المهاجم الفلسطيني إلى التحرك لمنعه من القيام بهجومه، مثل هدم منازل عائلات المخربين، وفرض قيود على حركة منطقته وتجارتها وغير ذلك.
•إن الذي سيصرخ قائلاً إن هذا عقوبة جماعية يجب عليه أن يتذكر حياة الناس الذين سيتم إنقاذهم نتيجة استخدام هذه السلسلة من الإجراءات. لكن الأمر الأساسي يبقى الفصل الذي يمنع الاحتكاك، وهو البديل الفعلي للردع الذي لم يعد موجوداً. بالاضافة إلى ذلك، يتعين على جميع الذين يسارعون إلى الضغط على زنادهم أن يظهروا شيئاً من ضبط النفس، لأنه من الواضح أن ذلك لن يخيف المخرب أو المخربة. وفي الواقع كلنا يعلم أن رصاصة لا لزوم لها ستكون حافزاً لهجوم طعن جديد.