من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•يبدو أن الذين فهموا الموضوع هم المحافظون الجدد تحديداً. فعندما قام 19 شاباً متطرفاً بمهاجمة الولايات المتحدة قبل 14 عاماً، فهمت الجماعة المثقفة التي كانت تحيط بالرئيس جورج بوش، أن ما جرى ليس حدثاً موضعياً. كما فهم المفكرون من اليمين الراديكالي أنه لا يقف وراء الطائرات التي تسللت إلى مانهاتن وواشنطن تنظيم إرهابي صغير ومتطور يتبع بن لادن فقط، وإنما يقف وراءها البلاء السياسي الذي أصاب الشرق الأوسط الذي لم ينجح في منح شبابه الحرية والازدهار والأمل.
•لكن المحافظين الجدد بعد تشخيصهم لهذا البلاء قاموا بمفاقمته فقط. والحرب الفظيعة التي بادروا إليها في العراق لم تحمل جديداً إلى المنطقة، ولم تنشر الديموقراطية في الشرق، بل على العكس، تسببت بسلسلة من ردات الفعل الكارثية سمحت بقيام داعش وتمددها وسيطرتها على أجزاء واسعة من العراق وسورية وضرب باريس أيضاً. إن المسار الذي بدأ في 11 أيلول/سبتمبر 2001 ومر عبر حرب وانسحاب وفوضى، ظهر مجدداً وبقوة في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، موضحاً للجميع ما الذي نحن في مواجهته.
•ما الذي نحن في مواجهته؟ إننا في مواجهة انهيار الشرق الأوسط. طوال أعوام سيطر على المنطقة نظام فاسد كان يعتمد على استبداد رجعي. وأثمر هذا النظام الفاسد يأساً انفجر على صورة القاعدة. لكن لمّا كان الرد على القاعدة هو من خلال تدمير النظام القديم من دون استبداله بآخر جديد، فإن النتيجة كانت فوضى عنيفة ومتوحشة. إن هذه الفوضى آخذة في الانتشار في العراق وسورية واليمن والسودان وليبيا وشبه جزيرة سيناء. وقد أدى تفكك الدول القومية العربية إلى توقف المنظومة الإقليمية عن العمل، وأدخل الشرق الأوسط في دوامة عنف لا يمكن السيطرة عليها.
•يرفض الغرب، وما يزال يرفض، فهم ما يجري. في البداية حاول اصلاح العالم العربي بطريقة عدائية. بعدها حاول أن يهرب من العالم العربي مذعوراً. ومن بعدها حاول أن يتظاهر بأن العالم العربي غير موجود. لكن العالم العربي حي ويتخبط ويتألم ويصرخ وينزف. وموجود على مسافة عملية من أوروبا، إلى أن جاءت سنة تصفية الحساب في 2015. في البداية وقع هجوم كانون الثاني/يناير على "شارلي إيبدو" وهيبر كاشير، ومن بعدها جاءت موجة اللاجئين في الصيف، والآن يوم الجمعة الأسود في الدائرة الـ11 الباريسية.
•من يعتقد الآن أن عملاً استخباراتياً نشيطاً أكثر وتعاوناً أمنياً وثيقاً وهجمات جوية أكثر كثافة ستحل المشكلة، يبرهن على أنه لم يفهم المشكلة. إن الخطير فعلاً بداعش ليس بنيته التنظيمية لكن حالة الوعي التي يمثلها. إن الخطر الحقيقي لداعش هو في كونه عرضاً لوباء سياسي تقشعر له الأبدان ينهش منطقة جغرافية بكاملها. ومن دون التطرق الشامل إلى انهيار الشرق الأوسط لا حظوظ لوقف سفك الدماء والوحشية.
•يجب علينا الآن العودة إلى النقطة عينها التي جرى التوقف أمامها بعد انهيار البرجين التوأمين. فمن جهة يتعين علينا أن نفهم ما فهمه المحافظون الجدد، وهو أن المشكلة الأساسية التي تواجهنا هي الفشل السياسي المطلق للقومية العربية المعاصرة، التي لم تنجح في إنشاء مجرد دولة واحدة تجمع بين الديموقراطية والرفاه. ومن جهة أخرى يجب أن نفعل عكس ما فعله المحافظون الجدد، أي العمل مع المنطقة وليس ضدها، وأن نضغي إليها وليس أن نفرض عليها الأمور فرضاً، وأن نحدد القوى التي تساعد على الاستقرار ونقيم تعاون بينها، وأن تقيم حلفاً عربياً- غربياً- إسرائيلياً يحارب داعش ويقضي أيضاً على اليأس الذي منه يخرج داعش.
•لن يكون هذا أمراً سهلاً، ولن يحدث بين ليلة وضحاها. حان الوقت كي يفهم المجتمع الدولي تحدّي الشرق الأوسط الذي يقف أمامه، وأن يواجهه بجدية وتصميم وبطريقة مبتكرة.