•من المنتظر أن يسرّح النقيب عيدان من الجيش الإسرائيلي في غضون أقل من عام، وهو يرأس قسم "نظم عسكرية للقيادة والتحكم والإدارة ("متسبين") [إحدى وحدات شعبة التنصت]. ويحمل عيدان ابن الـ26 عاماً شهادة في علوم الكمبيوتر، وهو متأهل حديثاً ويسكن مع زوجته في شقة بالإيجار.
•يخدم عيدان في الجيش الدائم منذ خمسة أعوام، وهو محسوب على الطاقة البشرية النوعية التي تساعد الجيش من أجل الحفاظ على تفوقه التكنولوجي- والوحدة التي يخدم فيها هي بمثابة بيت البرمجيات الكبير للجيش الإسرائيلي، حيث يجري تطوير برامج ونظم معلومات متطورة وسرية- لكن الراتب الذي يتقاضاه هو أقل من عشرة آلاف شيكل في الشهر. والقطاع الخاص لا يجذبه فحسب، بل يدعوه بصوت عال. وهو يشرح قائلا: "في الشركات الأجنبية، راتب وظيفة مماثلة هو بحدود الـ30 ألف شيكل. تلقيت عرضاً كهذا وطلبوا مني تقديم موعد تسريحي من الجيش".
•بيد أن حالة عيدان ليست فريدة من نوعها: وبما أنه جرى التوصل إلى اتفاق حول موازنة الأمن/الدفاع، ينبغي إجراء تفحص شامل لظاهرة هجرة الأدمغة بعد أن لوحظ أن الضباط المتميزين- وتحديداً أولئك الضباط الذين ذكر قادتهم أنهم يرغبون في إبقائهم في الجيش- هم الذين يفرون بأعداد كبيرة، وهذا يهدد تفوق العنصر البشري الذي يشكل سر قوة الجيش الإسرائيلي. "إن إيران وإسرائيل" على حد قول رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") اللواء هرتسي (هرتسل) هليفي، "في خضم حرب تكنولوجية- والإيرانيون يقلصونالفجوات بيننا وبينهم". ويتبين من بيانات الطاقة البشرية التي حصلت عليها "يديعوت أحرونوت"، أنه بين عامي 2011 و2014، ازداد عدد الذين كانوا يخدمون في الجيش الدائم من ذوي الكفاءات النوعية في الوحدة التكنولوجية وغادروا الجيش الإسرائيلي بمبادرة منهم، وتقريباً تضاعف: ففي العام 2011 قرر ما نسبته 13,2% من الذين يخدمون في الجيش الدائم في المرحلة الأولى من الخدمة- والمقصود بذلك ضباط حتى رتبة نقيب، وضباط صف حتى رتبة مساعد أول- [وتحديداً] في الوحدة التكنولوجية، أن لا يمددوا فترة خدمتهم في الجيش الدائم. وبعد مرور أربعة أعوام أي في العام 2015، ارتفعت هذه النسبة إلى 34,4%. ويتعلق الأمر بعناصر بشرية نوعية ممتازة تخدم في وحدات تكنولوجية في شعبة الاستخبارات، وفي الوحدة 8200، وفي سلاح التنصت، وفي مركز الحواسيب ونظم المعلومات. وفي المقابل، في الوحدات المقاتلة، تم كبح الاتجاه العام لتزايد نسبة المسرحين بعد المرحلة الأولى من الخدمة في الجيش الدائم [حتى سبعة أعوام- رتبة نقيب ورائد]، وسجل انخفاض خلال العام الأخير من نسبة 37,7% إلى نسبة 34,4%.
•إن تقرير الطاقة البشرية يعكس ما هو ليس أقل من قنبلة استراتيجية موقوتة داخل الجيش الإسرائيلي، ويشير إلى تحول مستوى الجيش إلى متوسط، على الأقل من ناحية الطاقة البشرية. وعلى ضوء حقيقة أن الحرب القادمة سوف تحسم في ساحة القتال التكنولوجية بقدر لا يقل شأنا عن ساحة القتال الفعلية، ينبغي أن تكون فحوى التقرير مدعاة قلق لكل مواطن في إسرائيل.
•وتعترف العميدة ميخال بن موفحار، رئيسة دائرة الموظفين في شعبة الطاقة البشرية، والتي هي على وشك أن تسرح من الجيش، بهذه الحقيقة فتقول: "إننا موجودون في إحدى النقاط الضيقة. الأمر لا يتعلق بعناصر عاديين في الجيش الدائم يجري تسريحهم. هذه البيانات تتعلق فقط بعناصر في الجيش الدائم اعتبروا 'من نوعية ممتازة'، طالب رؤساؤهم بإبقائهم في الخدمة".
•إن السبب الرئيسي لاستقالة أعداد كبيرة من العناصر يعزى إلى شروط الخدمة وسلم الرواتب مقارنة بالقطاع الخاص الذي يتميز برواتب مغرية وإمكانات ترقية عديدة. وهكذا، على سبيل المثال، النقيب باراك (24 عاما) الذي يطور نظم معلومات عملانية في قسم "نظم عسكرية للقيادة والتحكم والإدارة ويبلغ راتبه الشهري الإجمالي 8500 شيكل، سوف يسرح بعد شهرين- علما بأنه حصل على شهادة أولى في علوم الكمبيوتر عندما عمره 14 عاما، وهو حاليا يدرس للحصول على شهادة ثانية في إدارة الأعمال ونظم المعلومات. ويروي قصته فيقول: "زوجتي تحمل شهادة في التخصص الدراسي عينه، وخدمت مثلي في الجيش الدائم وسرحت منه قبل عام ونصف العام، وهي تكسب حاليا ثلاثة أضعاف راتبي. هي التي تؤمّن مصروف البيت، وينتهي يوم عملها في الساعة الخامسة مساء من دون أن تضطر للعمل في نهاية الأسبوع، ومن دون مناوبات ليلية، ومن دون نطنطة. لقد أنهى خمسون خريجا دورة تدريب ضباط تكنولوجيين، ولم يبق منهم اليوم في الجيش الدائم سوى اثنين".
•إن منحى تزايد عدد الاستقالات مستمر منذ سنوات، ولا أحد يقوم بشيء لوقفه. وفي الأعوام المقبلة، ستنتقل وحدات الاستخبارات العسكرية ("أمان") إلى قاعدتها الجديدة في الجنوب، الأمر الذي سيصعب مهمة قائد الوحدة 8200 لإقناع ضباط شباب في البقاء مع راتب 7500 شيكل في الشهر، واضطرارهم لقطع مسافات طويلة في القطار – وتشير استطلاعات إلى أن نصف الذين يخدمون حاليا لا ينوون أن يشاركوا في الانتقال [إلى الجنوب]، ويفضلون الخروج إلى القطاع المدني.
•وبما أن هذا هو واقع الحال، يتكون انطباع بأنه لا مفر من تغيير طريقة التفكير. ففي زمن "السايبر"، لا يستطيع الجيش الإسرائيلي أن يكتفي بعناصر ممتازة، أو حتى جيدة جدا- بل يحتاج إلى عناصر متميزة، وهؤلاء يفرون بأعداد كبيرة. لقد تسبب التطور التكنولوجي بضائقة حقيقية على صعيد الطاقة البشرية النوعية، نظرا لتزايد الاحتياجات ليس فقط في مجال "السايبر"، وإنما في مجمل نظم الجيش- وحاليا حتى قيادة دبابة ميركافا من الجيل الرابع، الطراز المطور، عمل يتطلب سائقا تكنولوجيا، وليس مجرد سائق دبابة تلقى تدريب مقاتل فقط. وتبعاً لذلك، من أجل مكافحة ظاهرة هجرة الأدمغة من الوظائف التكنولوجية، ينبغي على الجيش الإسرائيلي أن ينتقل إلى نموذج مختلف على صعيد سلم الرواتب، وأن يقترح على التكنولوجيين المتميزين عقود عمل شخصية- ولئن لم تكن مساوية لتلك السارية في القطاع المدني، فعلى الأقل تحترم كفاءة أولئك الذين يخدمون.
•وتشير التقديرات إلى أنه من أجل كبح هذه المنحى، قد تكتفي شعبة الاستخبارات العسكرية، وشعبة التنصت، بأقل من 100 عبقري؛ ومن أصل موازنة دفاع تناهز الـ60 مليار شيكل [15,422 مليار دولار أميركي]، يمكن بالتأكيد توفير مصادر تمويل لمخصصات رواتبهم. وقد يكون رئيس هيئة الأركان العامة، غادي أيزنكوت، يخشى من أن تؤدي هكذا عقود شخصية إلى كسر نموذج سلم الرواتب القائم حاليا في الجيش، وإلى التمييز سلباً بحق مجندين آخرين – لكن ثمة شك في ما إذا كانت هناك إمكانية أخرى للحل. إن كلمة "صهيونية" وحدها لم تعد كافية لأن يبقى في الجيش ضباط عليهم دفع مستحقات إيجار السكن والرهن العقاري، وينظرون إلى الأبنية في الجهة المقابلة من الطريق، نواحي "هرتسليا بيتوح" حيث تعرض عليهم وظائف بضعفي رواتبهم وبشروط عمل أفضل.