هل تساعد الهجمات الإرهابية في باريس في حل الأزمة السورية؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•أثار مؤتمر فيينا الذي انعقد يوم السبت الفائت للتباحث بشأن حل سياسي في سورية، الانطباع بأن الهجمات في فرنسا ستساهم في الخروج بشيء إيجابي، وأنه أخيراً سيكون هناك إجماع بين الدول العظمى بشأن صيغة الخطوة المطلوبة من أجل حل الأزمة في سورية، وأنه في وقت قريب سيكون ممكناً توحيد القوات لمحاربة تنظيم "داعش". ووفقاً للتصريحات الصادرة عن فيينا، فخلال ستة أشهر ستشكل حكومة موقتة تعمل 18 شهراً وتكون مسؤولة عن وضع البنية التحتية لإجراء انتخابات وصياغة دستور جديد.

•وسيواصل الرئيس بشار الأسد بالاستناد إلى تصريحات فيينا السابقة والقرارات التي اتخذت في نهاية الأسبوع، تولي منصبه، وعلى كل حال يمكن أن يكون جزءاً من العملية السياسية. لا غنى عن حساب نقاط الربح والخسارة لكل طرف، خاصة في ما يتعلق بالولايات المتحدة التي تنازلت عن تنحي الأسد فوراً، وروسيا وإيران اللتين ضمنتا مواصلة حياة الأسد السياسية، على الورق على الأقل. لكن قبل لحظة من تسجيل النتيجة يجب أن نتذكر أن التصريحات والقرارات ما تزال في الحيّز النظري وليس هناك ما يضمن إفلاتها منه، وأن المفاوضات لن تبدأ قبل كانون الثاني/ يناير مع ميليشيات المعارضة التي حتى الآن لم تشارك في اجتماعات فيينا، ولم تعلن موقفاً واضحاً ومشتركاً بشأن تصريحات فيينا. 

•ثمة شك في التوصل إلى تمثيل متفق عليه لميليشيات المعارضة في وقت لا يوجد اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة وإيران والسعودية على من هم الممثلون "الشرعيون" الذين يمكنهم المشاركة في النقاشات، باستثناء الاتفاق على عدم الموافقة على مشاركة "داعش". والسؤال هو: هل سيوافق الجيش السوري الحر على الجلوس مع ممثلين عن الأسد؟ وهل تنظيم جبهة النصرة القريب من القاعدة، شريك مقبول بالنسبة إلى الولايات المتحدة؟ وما هي الضمانات التي ستُعطى للمتمردين بأن الأسد لن يبقى رئيساً في نهاية المرحلة الانتقالية؟ هذه نماذج فقط عن صعوبات التوصل إلى اتفاق على الأرض.

•مما لا شك فيه أن هجمات باريس منحت زخماً كبيراً للنقاشات في فيينا، ففي أعقابها تحولت الحاجة إلى بناء جبهة فاعلة للحرب ضد داعش إلى حاجة ماسة. وفرضية العمل هي أن تهدئة الأزمة في سورية ستسمح بتجنيد ميليشيات المتمردين والجيش السوري لمحاربة داعش. والمنطق الذي يغذي هذه الفرضية ليس معقداً. تتطلع هذه الرؤية الاستراتيجية إلى تعاون جوي بين روسيا والولايات المتحدة ودول أوروبية، مع قوة برية مؤلفة من مقاتلي الجيش السوري تستوعب في صفوفها قوات المعارضة وتشكل معها قوة هجومية مسلحة ومدربة لحرب هدفها طرد داعش.

•وهذه رؤية مرغوبة لكن تحقيقها يحتاج إلى ما هو أكثر من الخطاب المتفائل، لأنه حتى إذا توصلت ميليشيات المتمردين إلى اتفاق في ما بينها، ووافقت على الجلوس مع ممثلي النظام، فإن هذا سيتطلب في أفضل الأحوال نصف سنة، من دون ضمان إقامة قوة مشتركة. وستمر فترة الـ18 شهراً- وفقاً للسيناريوات الأكثر تفاؤلاً- حتى تجري صياغة دستور ويجري تأليف حكومة يمكن أن يرى المتمردون فيها أنفسهم جزءاً من السلطة وأصحاب البيت في سورية.

•ومن أجل تبريد مقدار التفاؤل قليلاً، من المفيد أن نتذكر الخلافات والخصومات القائمة حتى اليوم بين الأكراد والحكومة العراقية، أو المواجهات العنيفة بين طالبان والحكومة الأفغانية، وذلك بعد سنوات طويلة من صياغة الدستور في هاتين الدولتين وقيام حكومات منتخبة. في العراق للأكراد جيشهم الخاص، ويشكل طالبان قوة عسكرية مهمة في أفغانستان. ولا يستطيع أحد أن يعرف من الآن أي جيوش "خاصة" ستستمر في العمل في سورية بعد أي تسوية محتملة. 

•وإذا افترضنا أن المتمردين رحبوا بالصيغة السياسية، وتشكلت حكومة سورية وجيش سوري يرضيان جميع الطوائف والكتل، فما هي الاستراتيجية التي يتوجب عليهم انتهاجها ضد داعش؟ المنطق السائد اليوم أن داعش غيّر استراتيجيته وقرر انتهاج أسلوب هجمات القاعدة. ثمة شك بوجود أساس لهذه النظرة، ففي كل هجوم من الهجمات الكبيرة التي نفذها مهاجمون ينتمون إلى داعش خارج العراق وسورية، يمكن أن نعزو الأمر إلى دوافع وأسباب تخدم استراتيجية "التمركز والتوسع" القديمة التي عرّفها التنظيم في رؤيته العامة.

•من المحتمل أن تهدف هذه الهجمات إلى تجنيد المزيد من المتطوعين، وزيادة ميزانية التبرعات، وتصفية حسابات محلية بين تنظيمات راديكالية وحكومات محلية (مثل حادثة إسقاط الطائرة الروسية التي ألحقت ضرراً كبيراً باقتصاد مصر وليس روسيا)، وخصوصاً مهاجمة كل من يحاول ضرب أراضي داعش في العراق وسورية كوسيلة ردع، وليس من أجل "احتلال" الغرب أو تقويض أسسه الثقافية. 

•إذا كانت استراتيجية داعش لم تتغير، فحينئذ ثمة منطق في بلورة قوة مقاتلة كثيفة برية وجوية يشكل الجيش السوري فيها عنصراً مركزياً، من أجل شن هجوم على أراضي داعش وتفكيك قاعدته الاقتصادية وإعادة المدن التي احتلها إلى أيدي سكانها. 

•أما، في المقابل، إذا تحول داعش إلى تنظيم إرهابي دولي، فإن جبهة القتال الأساسية ستنتقل إلى كل دولة ودولة يحاول التنظيم مهاجمتها، وحينئذ يبدو المسعى لإقامة قوة سورية موحدة تحت سلطة واحدة أمراً ثانوياً بالمقارنة مع الحرب التفصيلية ضد الخلايا الإرهابية التي ستستخدمها داعش. وهذه بالتأكيد وجهة نظر خطرة ستؤدي إلى استمرار الأزمة في سورية إلى الأبد لأن إلحاق الحرب على داعش بتسوية سياسية في سورية ليس هو الحل إذا لم يجر الاتفاق على نظام جديد. فهل هناك والحال كذلك استراتيجية أخرى تقترحها الدول العظمى؟ 

 

 

 

المزيد ضمن العدد 2254