من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•عندما يجري التحقيق مع ولد في الـ13 من عمره كما لو كان رئيس عصابة إجرامية، نكون قد خسرنا؛ وعندما يقف زعران إسرائيليون [حول جسد فتى] وهم يشتمونه قائلين "مُت يا ابن الشرموطة" فيما هو يتخبط بدمائه؛ وعندما يصف آباء شبان، مقدمو نشرات الأخبار على التلفزيون ولداً في الـ11 من عمره بأنه "مخرب"، من دون التفكير بأولادهم؛ وعندما تصبح إسرائيل مثل أريتريا وأوغنده وتسن قانوناً وحشياً آخر يسمح بسجن أولاد في عمر الـ12 عاماً؛ وعندما تتحول إعدامات المهاجمين بالسكاكين أو من يشتبه بأنهم كذلك، إلى أمر روتيني مثير للإعجاب، وتنتشر أعمال الضرب حتى الموت؛ فإن هذا يشير إلى مجتمع في حال من التدهور الأخلاقي.
•إن هذا لا يعني انتصاراً فلسطينياً كبيراً، وهو بعيد من ذلك، لكنه بالتأكيد خسارة إسرائيلية مصيرية. من دون سلاح طيران ومن دون دبابات، تحدى الفلسطينيون المجتمع الإسرائيلي، وفشل المجتمع في هذا التحدي.
•تكفي مشاهدة شريط التحقيق مع أحمد مناصرة الذي شاهده كل فلسطيني تقريباً في المناطق، حيث نرى المحقق مع نظارات شمسية على جبهته وكيباه [طاقية يرتديها المتدينون] على رأسه المحلوق ينبح ويصرخ على الولد مثل المجنون، ويتهمه من بين أمور أخرى بـ"مساعدة العدو أثناء الحرب". وإن فقدان المحقق صوابه، سواء فعلياً أو تظاهراً بذلك، أمام ولد يبكي، يعني فقدان المجتمع صوابه. ويثير مناصرة الشعور بالاحترام والقوة أكثر من محققه.
•إن الجروح الخطيرة التي أصيب بها ولد في الـ11 من عمره اثناء قيامه بهجوم طعن قبل يومين تشير إلى حجم التدهور الذي وصلنا إليه. وحين شفائه من جروحه، فإن وزيرة العدل ستضطر مرة أخرى إلى تغيير القانون كي يسمح بمعاقبة وسجن أولاد في الـ11 من عمرهم. وعلى ما يبدو، فإن وزارتها لن تهدأ قبل أن تفتح روضات أطفال في السجون. وفي أي حال، فإن هذه السجون لن تكون مقتصرة على أولاد فلسطينيين فقط. وسريعاً، فإن أولاداً إسرائيليين سيسجنون فيها، ولدى هؤلاء منذ الآن سكاكين. وكما وقع قتلى على أيدي الشرطة من دون مبرر، فإن أعدادهم سترتفع الآن بصورة مخيفة. إن الذين يهللون ويصفقون لقتل الأولاد وسجنهم من أي عمر كانوا، سوف يعضون على أصابعهم ندماً عندما يتأخر أولادهم في العودة من حفلة في المدرسة. إن يهودا والسامرة [الضفة الغربية] ستكون هنا، وقريباً.
•بالأمس نشر The Marker [الملحق الاقتصادي لـ "هآرتس"] أن إسرائيل تراجعت في السنة الأخيرة في المقياس الذي يدل على المروءة. ففي مؤشر الاستعداد لتقديم المساعدة إلى غريب هي اليوم في المرتبة الـ139 بين 145 دولة. هنا سدوم. وفي تقرير لليونسيف صدر قبل عامين ونصف العام ورد التالي: "إن المعاملة الوحشية للأولاد منهجية وممأسسة.. ليس هناك دولة في العالم يحاكم فيها الأولاد أمام محاكم عسكرية لا تقدم لهم أي حماية لحقوقهم". يومها كان متوسط عدد الأولاد الذين اعتقلتهم إسرائيل 700 ولد سنوياً، ومنذ ذلك الحين أضيف إليهم مئات الأولاد المعتقلين، وكانت النتيجة أولاد السكاكين.
•إن معاملة الأولاد هي الاختبار الأمثل لقياس أخلاقية المجتمع، فالمجتمع السليم لا يجرؤ على تسمية الأولاد "ارهابيين" ولا يمكن أن يخطر بباله خفض سن المسؤولية الجنائية. والأهم من ذلك، بدلاً من إطلاق النار عليهم واستجوابهم كما لو أنهم مجرمون، يتعين على المجتمع السليم أن يحاول معالجة جذور دوافعهم. إنهم أولاد، لكنهم ليسوا أولاداً في عيون الإسرائيليين. "عيناه تدلان على أنه مجرم"، حسب العناوين الأولى في صحف الأمس لدى حديثها عن ولد في الـ11 من العمر.
•هذا ما يبدو عليه مجتمع في حال تدهور وديمقراطية في أزمة: ضياع الطريق، وفقدان التعقل في التشريع وفي العقاب وفي أوامر فتح النار وفي الاعتقالات. هذا يدل قبل كل شيء على ضعف وانهيار في القيم الأساسية. يمكننا مواصلة التباهي بالبندورة الكرزية التي ننتجها، وباختراع الـUSB، وحتى بمسيرة المثليين، فالبروباغندا يمكنها أن تسوّق كل شيء. لكن في النهاية، فإن إسرائيل ستحاكم مثل أي دولة أخرى وفقاً لمعايير أخرى. وفي هذه الأثناء، فإنها تتغير بسرعة جنونية. هذا ما بقي من مجتمع عانى أخلاقياً في وقت من الأوقات ولو بطريقة مصطنعة.