من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•منذ حرب الاستقلال [حرب 1948] لم تواجه دولة إسرائيل تحدياً استراتيجياً معقداً وصعباً إلى هذا الحد من الإرهاب والعنف. إن نقاشات تقدير الوضع السياسي- الأمني التي يجريها المجلس الوزاري المصغر، المكرّسة للرد على الواقع الصعب في شوارع إسرائيل، وفي يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وعلى امتداد الحدود، تعالج قضايا تكتيكية- عملانية، ولا تتطرق إلى المشكلات الأساسية والتحديات الاستراتيجية التي تواجهنا. وتستند هذه النقاشات إلى افتراض أساسي مفاده أن الحفاظ على الوضع القائم في الوقت الراهن في إسرائيل هو الخيار الأقل سوءاً على جميع الأصعدة. لكننا نحتاج في هذا الوقت إلى معالجة معمقة وعاجلة لوضع إسرائيل من أجل التوصل إلى تغيير الواقع الصعب.
•إن الأحداث الكبرى على الساحة الأمنية – السياسية وتأثيرها التراكمي، تستوجب تحليلاً معمقاً وتغييرات فورية لسياساتنا والعلاقات مع الخارج. ولا يمكن عزل إسرائيل عما يجري من حولها وفي الساحة الدولية.
•هناك ستة محاور أساسية يجب أن تكون محور التفكير الاستراتيجي المطلوب وفي أساس اتخاذ القرارات.
1-سأبدأ بالنزاع مع الفلسطينيين. في واقع حياتنا الحالية مع الفلسطينيين من الواضح أن أبو مازن خسر بصورة مطلقة أهميته، ويتعين علينا أن نستعد للمرحلة التي ستبدأ من بعده. وقد ظهر ضعفه في الأشهر الأخيرة وسط الشارع الفلسطيني أيضاً، الأمر الذي زاد شعوره بالعجز واليأس ودفعه إلى المزيد من استخدام العنف. إن تغيّراً مهماً في شدة العنف ينبع من الشعور الكاذب بأن "الأقصى" في خطر، ومن التماهي المتصاعد لجزء من العرب في إسرائيل مع النضال الفلسطيني وعدالته. إن تعبئة النفوس في جزء من الشارع الفلسطيني، ولدى جزء من العرب في إسرائيل، وفي بعض الدول العربية انطلاقاً من أن إسرائيل تخرق الوضع القائم في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] تثير موجة من المشاعر الدينية العميقة ومن التضامن وسط العرب المسلمين. وجرّاء هذه المعطيات يميل جزء من العرب في إسرائيل إلى الانخراط أكثر فأكثر في الصراع العنيف، ويزداد تماهيهم مع القومية الفلسطينية. وينتج عن تمسك إسرائيل بالمحافظة على الوضع الراهن وعدم استعدادها لإحداث تغيير حقيقي في عناصر الصراع وفي طريقة إدارته، وتفضيلها الحلول ذات الأفق العسكري- الأمني فقط، تقليص فرص تلاشي العنف مع مرور الزمن.
2-تواصل الحرب المتعاظمة بين السنة والشيعة إذكاء النار في سورية والعراق واليمن وليبيا. إن تزايد الصراع بين المحور الراديكالي الشيعي بقيادة إيران، والمعسكر الجهادي- السني، وعلى رأسه داعش والتنظيمات الجهادية الراديكالية الأخرى (مثل جبهة النصرة، والجهاد الإسلامي، وحماس، والإخوان المسلمين)، يعرض استقرار الأنظمة في المنطقة للخطر. وهذه الحرب لا تخترق فقط حدود سورية مع إسرائيل في هضبة الجولان وتغير الوقائع هناك، بل تؤثر أيضاً في نفوس الشباب الفلسطيني وخيالهم وآمالهم، وتشكل دافعاً للمحاكاة لديهم، وتسرع في تزايد العنف.
3-الاتفاق النووي مع إيران هو حقيقة قائمة. وقد بدأ تطبيقه برغم أن الحظر المفروض على إيران لن يرفع رسمياً إلا في مطلع 2016. إن هذا الاتفاق يمنح شرعية لسياسة إيران ويقوي مكانتها كقوة إقليمية، ويسمح لها اقتصادياً بمواصلة "المقاومة" كسياسة تملي أسلوب حل النزاعات.
وعلى الرغم من تراجع خطر حصول إيران على قنبلة نووية في السنوات المقبلة، فإن الشرعية التي حصلت عليها من أجل تطوير قدرة نووية لا رجعة عنها. إن إيران بعد الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والدول العظمى الغربية الأساسية قد تحولت إلى قوة عظمى إقليمية سيزداد تدخلها في نزاعات المنطقة.
4-"التسونامي" العربي الذي زلزل المنطقة في الأعوام الخمسة الأخيرة، أظهر قوة الشعب وقوة الجماهير في تحديد مصيرها بنفسها. ورسالة الشعب إلى زعمائه جريئة وواضحة، وهي: "عليكم بالقيام بمهمتكم، وأن تؤمنوا لنا التعليم والعمل والمساواة في الحقوق والأمن وغير ذلك". وإدراك أن نوعية الحياة أصبحت رهن أيديهم هي واحدة من الأفكار المركزية التي أدت إلى الزلزال الذي ضرب العالم العربي. ومن نتائج هذه العملية تحول الدول العربية في سياساتها نحو الداخل من أجل حل المشكلات الملتهبة على الصعيد الداخلي. وقد قاد هذا الواقع الدول العربية والتنظيمات غير الدولتية إلى إعطاء الأفضلية للدفاع عن بقائها وأمنها، على حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. ولهذه التطورات انعكاسات على الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، فأبو مازن يشعر وعن حق، بأنه معزول في هذه المعركة، ويرى قلة الاهتمام الذي تثيره السلطة لدى دول عربية. وفي ضوء وضع كهذا، فإن تمحور أفعال أبو مازن وسياسته حول استخدام الضغط على إسرائيل بواسطة أطراف دولية، يزيد من صعوبة التوصل إلى حوار ومعالجة المشكلات الأساسية للنزاع.
5-إن التطورات في المنطقة تركت فراغاً ملأته إيران، وفي الفترة الأخيرة روسيا. والشرق الأوسط ليس جديداً على روسيا. ففي سبعينيات القرن الماضي وصل تدخل الاتحاد السوفياتي ووجوده العسكري في المنطقة إلى الذروة. وقد جاء هذا التدخل كي يخدم قبل كل شيء المصالح السوفياتية في المنطقة، وأثر على إسرائيل وعلى الأحداث في دول عربية. ومما لا شك فيه أن عودة الوجود الروسي في سورية في السنة الأخيرة جاء لحماية مصالح روسيا والمحافظة عليها وضمن سباقها في مواجهة الولايات المتحدة. لذا ليس من المستغرب أن أغلبية الهجمات الجوية الروسية في سورية موجهة ضد معارضي الأسد وليس ضد قوات داعش. إن تعزيز العلاقات بين إيران وروسيا بشأن الاتفاق النووي، والحاجة إلى حماية النظام العلوي في سورية يخدمان السياسة الروسية، وتستغل موسكو الضعف الأميركي في المنطقة كي تزيد من انتشارها.
6-النقطة الأخيرة تتعلق بالولايات المتحدة. لقد ظلت سياسة الرئيس أوباما على حالها ولم تتغير برغم التطورات الدراماتيكية في المنطقة. وأشير في هذا المجال إلى: صعود إيران كقوة نووية تتبنى أيديولوجيا تدعو لحل النزاعات من طريق العنف "مقاومة"؛ نشوء "داعش" وتنامي قوة التنظيمات الإسلامية غير الدولتية؛ تفاقم حدة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وتعاظم العنف مع تعزّز وجهات النظر الدينية فيه؛ زيادة استعداد الشعوب والجماهير في دول عربية لتحديد مصيرهم بأنفسهم.
7-إن سياسة إدارة أوباما بعدم التدخل في الحروب الأهلية الدائرة في المنطقة، على الرغم من الأثمان الباهظة التي ينطوي عليها عدم التدخل، ليست بحاجة إلى برهان. والنتائج القاسية الناجمة عن هذه السياسة واضحة اليوم أكثر من أي وقت مضى: كارثة إنسانية على صورة مئات الآلاف من القتلى والجرحى في سورية والعراق وليبيا ودول أخرى؛ ملايين اللاجئين في دول عربية وخارجها الأمر الذي غيّر بصورة دراماتيكية الواقع في أوروبا؛ إلحاق ضرر كبير في استقرار الأنظمة السنية الموالية للغرب مثل مصر والسعودية والأردن ودول الخليج؛ صعود داعش والقوى الجهادية السلفية. ومن الصعب تبرير هذه النتائج القاسية التي أضرت بدول صديقة للولايات المتحدة مثل إسرائيل، ودول عربية اعتمدت على الدعم والمساعدة الأميركيين.
•إن صورة هذا الوضع الاستراتيجي تغير الواقع الذي تعيش إسرائيل وتتحرك فيه، وتزيد من التحديات التي علينا مواجهتها. لا تستطيع دولة إسرائيل السماح لنفسها بالتصرف كأنها جزيرة في بحر هائج، وأن تعتبر الوضع القائم الحل الأفضل للواقع المتغير.
•لكن من المهم الإشارة إلى أن هذا الواقع المتغير ينطوي على فرص وليس على تهديدات فقط. ومن أجل هذه الغاية يتعين علينا:
العودة إلى العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة، كهدف مركزي في سياسة إسرائيل.
إقامة علاقات مع دول المنطقة المعنية بمساعدة إسرائيل (مثل الأكراد).
تعزيز العلاقات مع دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، التي لدينا معها مصالح مشتركة.
بلورة سياسة في زمن تحول الشرق الأوسط فيه من جديد إلى ملعب بالنسبة إلى الدول العظمى.
تعميق انضمام إسرائيل إلى الدول الغربية المولجة بتطبيق الاتفاق النووي مع إيران، والحرص على عدم خرق الاتفاق.
تعزيز شبكة العلاقات مع دول أوروبا المهتمة بكبح موجة الهجرة الإسلامية إلى القارة، والتي تتخوف من مرحلة تصبح فيها إيران نووية.
بناء وتعزيز شبكة علاقاتنا مع دول أساسية في آسيا تشكل محركاً للنمو في القرن 21.
•إن بدء العمل على بلورة سياسة في مواجهة التطورات من حولنا وفي مواجهة الواقع السياسي- الأمني العسكري المرافق لها هو أمر الساعة وضرورة حتمية. وسيكون للتمسك بالمحافظة على الوضع القائم انعكاسات قاسية على وجودنا ومستقبلنا. إن الوضع الجديد والتغيرات التي ينطوي عليها يفرضان وضع سياسة شاملة جديدة في مجالات كثيرة واسعة. وهذه الخطوة ستؤثر في الوحدة الداخلية، وستزيد من إحساس الشعب في إسرائيل بأن الحكومة مستعدة كما ينبغي لبلورة سياسة صحيحة تضمن أمنه وتحسين نوعية حياته.