واقع الجمهور العربي في إسرائيل على خلفية أحداث العنف الأخيرة
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•موجة العنف التي اجتاحت الأحياء العربية في القدس الشرقية وانزلقت إلى دولة إسرائيل، لم تبق بعيدة عن الأقلية العربية في إسرائيل. ففي المثلث وحتى في البلدات التي تعتبر معقلاً للتعايش اليهودي- العربي، حدثت تظاهرات شهد بعضها حوادث عنف. ويجب أن نضيف إلى ذلك حوادث طعن متفرقة قام بها مواطنون عرب. وقد أدى ذلك إلى خوف وغضب وسط الجمهور اليهودي اتخذا أحياناً طابعاً عنفياً، مما فاقم الخوف وسط الجمهور العربي من أعمال انتقام وزاد من التوتر بينه وبين الجمهور اليهودي.

•انزلاق العنف إلى القطاع العربي في إسرائيل على خلفية تدهور الوضع الأمني في المناطق والقدس ليس أمراً جديداً، فقد رأينا نموذجاً بارزاً له في الانتفاضة الأولى وكذلك خلال المرحلة الأولى من الانتفاضة الثانية في "أحداث أكتوبر" سنة 2000، أي قبل 15 عاماً، التي انتهت حينها بمقتل 13 عربياً وسقوط عشرات الجرحى من جراء مواجهات قاسية مع الشرطة. وعلى هذه الخلفية نشأ شرخ عميق في العلاقات بين اليهود والعرب. كما وقعت أحداث مشابهة، ولكن أقل اتساعاً بكثير، على خلفية عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة في السنوات الأخيرة.

•تدل ظواهر الانزلاق المتكرر من الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية إلى الساحة الإسرائيلية نفسها، على أن إسرائيل لم تنجح في القضاء على الهوية الوطنية المشتركة بين السكان في المجال الفلسطيني في إسرائيل وخارجها. وثبت مرة أخرى أنه برغم التطورات المستقلة لمجالات هذا الوجود، فقد بقي ارتباط الفلسطينيين قوياً بماضيهم التاريخي وبهويتهم الفلسطينية والعلاقات العائلية، التي تولد معاً شعوراً بالتضامن يوضع موضع اختبار في كل مرة ينشأ وضع يلحق أذى كبيراً بحياة الفلسطينيين أو برموز وطنية ودينية مثل المسجد الأقصى.

•يمثل المسجد الأقصى بالنسبة للفلسطينيين، بمن فيهم مواطنو إسرائيل، رمزاً دينياً من الدرجة الأولى. وعندما يعتقد هذا الجمهور أن المسجد في خطر مثلما حدث في الفترة الأخيرة، فإنه يميل إلى توحيد صفوفه وراء هذا الرمز والعمل على "إنقاذه". لكن هذا لا يعدو أن يكون جزءا من الصورة، فثمة جزء مهم آخر يتعلق بشبكة العلاقات التي تطورت خلال السنوات الأخيرة بين الأقلية العربية والمؤسسة الإسرائيلية والجمهور اليهودي في الدولة. بالنسبة لكثيرين من العرب في إسرائيل، فإن وراء العلاقات الإشكالية هذه ارادة وعمل مؤسساتي يهدفان إلى ابعادهم عن المجالين الثقافي والسياسي في الدولة التي تعتبر من جانب الأكثرية "دولة يهودية ديمقراطية". ومن أبرز التعابير عن ذلك القانون المعادي للعرب في الكنيست الذي كان جزءاً من ظاهرة وصلت إلى ذروتها قبل انتخابات الكنيست الـ20 ولم تقتصر على أوساط اليمين فقط، فحتى تسمية حزب العمل نفسه "المعسكر الصهيوني" اعتبرت جزءاً من هذا التوجه. ثمة رأي سائد وسط الجمهور العربي مفاده أن الحكومات الإسرائيلية، وبخاصة بعد نشر "وثائق الرؤيا العربية" في نهاية 2006 - مطلع 2007، تسعى إلى تطبيق سياستها حيال الأقلية العربية من خلال سياسة الدمج الاقتصادي التي تستند إلى اعتبارات اقتصادية والحاجة إلى زيادة انتاجية العمل، على أساس افتراض أن الدمج الاقتصادي سيساعد على الاستقرار في أعقاب تقدم العرب ورفاهية الفرد.

•يبدو أن أحداث الاحتجاج الأخير وسط الجمهور العربي، حتى لو لم تتصاعد، تشير ليس فقط إلى ترسخ أهمية الهوية السياسية - الفلسطينية الدينية - الإسلامية، بل وأيضاً إلى هشاشة نموذج الدمج الاقتصادي.

•إن الوجود الكبير للشباب في التظاهرات ووجود حركة الشباب الافتراضية "الحراك الشبابي"، يدلان على أن شرائح كبيرة لا تعتبر أنها تنتمي إلى الشرائح التي تستفيد من سياسة الدمج، وأن الذي يحركها هو الشعور بالإحباط.

•وفي ظل الوضع المعقد الراهن، ماذا ينبغي لحكومة إسرائيل أن تفعله حيال الأقلية العربية؟

•على الأمد القصير، سيكون التحدي الأساسي هو المحافظة على النظام في الشارع العربي وفصل الأحداث التي تجري فيه عن الأحداث في القدس الشرقية. هناك أهمية بالغة لمساعي الحوار بين الشرطة وممثلين عن الحكومة وبين القيادة العربية. ومن الأفضل عدم استبعاد هذه القيادة وتصويرها كطرف يدعو إلى التطرف، كما يجب تعزيز قوة العناصر المعتدلة داخلها وتعزيز قدرتها على تهدئة الشارع الهائج وبخاصة الشباب برغم عدم وضوح قدرة هذه الأطراف على التأثير فيهم. كما أن لسلوك الشرطة في الشارع العربي تأثيراً واضحاً على ما يحدث وعلى الجو السائد. وحتى الآن نرى أن الشرطة تعلمت من دروس أحداث تشرين الأول/أكتوبر 2000، وأدركت في ضوئها أنه من المهم احتواء الأحداث الأمنية بطريقة حازمة ولكن مدروسة، وبصورة تسمح بحدوث احتجاج لكن من دون أن ينزلق إلى عنف وإرهاب. وثمة تحد آخر تواجهه الشرطة هو ضرورة منع ظواهر العنف من جانب يهود ضد عرب يمكن أن تزيد من تدهور التوتر على الأرض.

•إن الجزء الأساسي من الجهد الحكومي يجب أن يبذل فوراً بدء هدوء الاضطرابات. ويتعين على الحكومة أن تدرس من جديد سياستها العامة حيال الأقلية العربية في إسرائيل، وبصورة خاصة أن تسرّع وتوسع تنفيذ الخطوات التي بدئ بها من أجل زيادة الاندماج الاقتصادي للسكان العرب. وقد بُحثت هذه الموضوعات في الاجتماعات التي جرت في 21 أيار/مايو بين رئيس الحكومة ورئيس القائمة المشتركة وعلى أساسها جرى وضع جزء لا بأس به من الخطط التي تنتظر التنفيذ. إن هذا هو الوقت الملائم من أجل التحاور مع القيادة الوطنية للأقلية العربية، إلى جانب التنفيذ السريع للخطط الموضوعة في مجالات العمالة والتعليم والبنى التحتية. ومن المهم أيضاً المساهمة في تخفيض الخطاب القومي المعادي للعرب داخل الجهاز السياسي في إسرائيل، في شتى أنحاء إسرائيل.