من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•غداً عندما سيرفع رئيس الحكومة صوته في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد آيات الله في طهران والاتفاق النووي السيئ الموقع معهم، فإنه سيبدو رجلاً من الماضي. ففي أعقاب الاتفاق وتحت رعاية روسيا، تحولت إيران اليوم إلى محور أساسي في الحرب ضد تنظيم داعش الذي أصبح عدو الإنسانية بلا منازع. وقد أوضح الرئيس فلاديمير بوتين هذا جيداً في خطابه، مستخدماً شيئاً من الخطاب الذي يستخدمه نتنياهو عندما قال إن الإرهابيين وليس الإيرانيون هم النازيون الجدد في عصرنا.
•هذه هي المنصة التي بواسطتها تحوّل بوتين بدهاء كامل وتوقيت مدهش إلى نجم الجمعية العامة، فهو شعر بالخوف والرعب اللذين سيطرا على الغرب أمام مشهد اللاجئين الذين يتدفقون على أبواب أوروبا، واستغل رفض الولايات المتحدة التورط مجدداً في الشرق الأوسط كي يعيّن نفسه زعيماً لمعسكر الأخيار في صراعهم ضد الأشرار. وحتى لو كان ذلك محاولة لتحويل الانتباه عن إخفاقاته الداخلية كما يقول الخبراء، أو أنه سيغرق في المستنقع الإقليمي كما يتوقع المعلقون، فقد كان بوتين في نيويورك أول من أمس الرجل الرجل.
•ولم تكن صدفة إشادة بوتين بمؤتمر يالطا الذي وضع الأسس النهائية لمنظمة الأمم المتحدة التي تحتفل اليوم بمرور 70 عاماً على إنشائها، والذي عُقد حينذاك في شبه جزيرة القرم التي هي اليوم موضع خلاف. ففي هذا المؤتمر الذي عُقد في شباط/فبراير 1945، واجه فرانكلين روزفلت الذي كان يحتضر وونستون تشرشل المرهق، الطاغية جوزف ستالين الذي كان في أوج قوته بعد الانتصار السوفياتي على النازيين. حينها فرض ستالين شروط التسويات بعد الحرب وفتح الطريق أمام إخضاع أوروبا الشرقية، وتحول إلى مثل أعلى يطمح بوتين والمعجبون به إلى محاكاته.
•في هذه الظروف غير السهلة، قرر الرئيس أوباما انتهاج المبدأ القائل إن الدفاع الأفضل هو الهجوم. لقد هاجم أوباما بشدة لكن ليس بصورة مباشرة، تحركات بوتين في سورية وأوكرانيا، وعرض بفخر إنجازاته السياسية مع إيران والمصالحة مع كوبا، وأثنى على الاتفاقات الدولية، والمساعي الدبلوماسية وعظمة الديمقراطية، وغمز من قناة بوتين عندما قال إن الأنظمة التي تخاف مواطنيها مصيرها الانهيار.
•بالتأكيد فوجئ أوباما في الأسابيع الأخيرة بسرعة تحركات بوتين وجدّيتها: زيادة الوجود العسكري في سورية، وتوقيعه اتفاقاً استخباراتياً مع العراق، والمحادثات التي أجراها من وراء الكواليس مع إيران، والمبادرة التي قدمها أول من أمس لتشكيل هيئة تشبه الدول الخمس زائد واحد من أجل إدارة الحرب ضد تنظيم داعش مثلما أدارت الدول الخمس زائد واحد المفاوضات النووية مع إيران. لقد واصل أوباما مطالبته برحيل بشار الأسد، ولكن عبر "انتقال منظم" وهي صيغة يمكن أن يقبل بها بوتين وحتى الرئيس الإيراني روحاني. وسيقال إنه بفضل بوتين انتهى الانفصام في الشخصية الذي طبع حتى الآن توجه الغرب مثل: نقاتل داعش حتى لو خدم ذلك مصالح الأسد، ونقوض حكم الأسد حتى لو أدى هذا الأمر إلى انتصار داعش. من الآن فصاعداً الحرب ستجري بالتتالي وليس بصورة متوازية: أولاً يجب محاربة داعش، وبعد ذلك فقط نظام الأسد.
•بالنسبة لإسرائيل ونتنياهو، فإن الوقائع قد تتغير حتى قبل وصول هذا الأخير إلى نيويورك هذا المساء. لقد اختار بوتين أن يرتبط قبل كل شيء بالمحور الشيعي الذي يمتد من طهران مروراً ببغداد إلى دمشق وحتى بيروت. ويدحض هذا الأمر قول الذين يؤيدون "إعادة تموضع" إسرائيل في المنطقة، ويقلق بصورة خاصة الدول السنية التي تعارض ذلك وفي طليعتها السعودية، التي تدخل من جديد في مواجهة مع طهران بشأن مئات القتلى الإيرانيين الذين سقطوا من جراء كارثة مكة. وهذا سيوجد فراغاً قد يدخل فيه أوباما كذلك ومن شأنه أن يوسع كذلك احتمالات التعاون مع إسرائيل من وراء الكواليس.
•ثمة دليل آخر للتغير الجذري الذي يجري حولنا يمكن أن نجده تحديداً في الكلام الذي لم يقله أوباما، فللمرة الأولى منذ عدة سنوات لم يأت أوباما على ذكر إسرائيل والنزاع مع الفلسطينيين ولو بكلمة واحدة. ويكشف هذا سلم الأولويات الجديد للإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، كما أنه يلمح إلى عدم وجود نية لدى أوباما للدخول في خلاف مع اليهود. لطالما اشتكت الدعاية الإسرائيلية من الأهمية المبالغ فيها التي يعطيها الغرب للنزاع، وسنرى الآن كيف ستتصرف إسرائيل بعدما أصبحت حججها مقبولة وما يهمها وضع على الرفّ.