[أقر الكنيست الإسرائيلي يوم الاثنين في السابع من أيلول/سبتمبر مخطط تسوية الغاز بأكثرية 59 صوتا في مقابل 51 صوتا. لكن التصويت على نقل صلاحيات وزير الاقتصاد أرييه درعي إلى الحكومة أرجئ إلى جلسة لاحقة. عارض المخطط "المعسكر الصهيوني"، والقائمة العربية المشتركة وحزب ميريتس. وامتنع عن الإدلاء بصوته أفيغدور ليبرمان رئيس كتلة "إسرائيل بيتنا"، ووزيرا حزب "كلنا" موشيه كحلون ويوآف غالنت، ويائير لبيد رئيس كتلة "يش عتيد"، ونفتالي بينت رئيس كتلة "البيت اليهودي"، ووزيرا الليكود يسرائيل وحاييم كاتس، وعضو الكنيست بيني بيغن].
•إن إقرار مخطط تسوية الغاز من قبل الكنيست لم يغير شيئاً. فمن جهة، سيبقى وضع مخطط التسوية غير قانوني ما دامت صلاحيات مفوض مكافحة الاحتكارات غير مصادرة منه. وهذه عملياً دلالة واضحة على فشل نتنياهو الذي سعى للحصول على إقرار مخطط التسوية بالأكثرية من خلال مناورات التفافية و[تغيب أعضاء كنيست من ضمن] اتفاقات تعويضية، ومحاولة التلاعب بأصوات أعضاء الكنيست العرب؛ ومن جهة ثانية بقيت الأمور على حالها، لا بل أعطى اكتشاف حقل غاز طبيعي عملاق قبالة سواحل مصر لهذه الحقيقة قوة مضاعفة. إن هذا الاكتشاف ونتائجه المتوقعة- دخول لاعبين جدد إلى السوق الإقليمية للطاقة في المستقبل المنظور- يقلب الطاولة رأساً على عقب. سيتجاهل رئيس الحكومة ورجاله بالتأكيد هذه الحقيقة، لكن من الواضح أن اكتشاف هذا الحقل سيضطرهم عاجلاً أم آجلاً، إلى تأجيل مخطط التسوية الذي أملوا شروطه، وإزالة مشروعهم عن الخريطة. قد يكون هذا الأمر مؤلماً، لكنه صحيح.
•أمامنا فرصة للتوصل إلى طريق جديد، وإذا توفرت له ظروف ملائمة قد يفضي إلى عدالة توزيعية تشمل عموم السكان، وعدالة توزيعية وتاريخية في ما يتعلق تحديداً بالمواطنين العرب. لكن، بداية، ينبغي إلقاء نظرة على الوضع الحالي. إن موضوع الغاز في إسرائيل مرتبط باحتكار شركتين، ولمزيد من الدقة، شركة واحدة فقط ("نوبل إنرجي"). وحتى اليوم، هذه المجموعة هي مصدر الغاز الوحيد المستخرج من حقل "تمار"، وهي تبيعه بأسعار باهظة، وتمتنع عن مد خط أنابيب ثان لنقل الغاز مما يعرض الاقتصاد فعلياً للخطر، وخصوصا في زمن الطوارئ. علاوة على ذلك، يوجد في حقل "لفيتان" احتياطي أكبر من الغاز الطبيعي، والحاجة إلى تطويره كانت مصدر كل التنازلات التي قدمتها الحكومة [لاحتكار الغاز] حتى الآن. حالياً، هناك بديل حقيقي للخروج من قفص قواعد السوق. وإذا جرى استغلال مكامن الغاز بصورة صحيحة، ستتيح هذه المكامن القيام بأكثر من مجرد مشروع بنية تحتية إضافي. وفي الواقع يمكنها أن تؤسس قاعدة متينة لنمو اقتصادي ولتغييرات اجتماعية حقيقية. وحتى يكون الأمر مستداماً ينبغي القيام بعكس ما يقومون به حالياً، أي أنه ينبغي إنشاء شركة حكومية قادرة على إدارة هذا المورد الثمين. تميل دول متعددة، بحق، إلى إدارة ثرواتها الطبيعية بيد من حديد، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بنسبة التصدير، بينما تنبع عملية التفكير الإسرائيلي حيال التصدير من ضرورة إرضاء شركات الغاز التي اشترطت هذا الأمر للموافقة على تطوير حقل "لفيتان". مع ذلك، عندما يدور الكلام على تدخل حكومي في قطاع الغاز العالمي، فإن أقل ما يمكن قوله هو أن حكومة إسرائيل وصلت إلى درك أسفل منذ مدة. وهذا يؤكد الحاجة إلى شركة حكومية تسهم في جمع المال بواسطة سندات، وفي إصدار أسهم بشكل تدريجي، وفي الاستثمار مباشرة في تطوير ونقل الغاز، وفي إدارة التعاملات مع أصحاب الامتيازات والمنتجين الحاليين. وهذا مجرد بداية. ولمن يساورهم القلق على اختلافهم، أقول إن إنشاء شركة حكومية ليس تأميماً لموارد الغاز الطبيعي، ولا يتعدى الأمر استحداث آلية لتنظيم مصالح متعددة تصب في خدمة الجمهور على المدى البعيد. ويمكن القيام بذلك؛ أولاً، من خلال صياغة بدائل تمكن الدولة من العمل باستقلالية وبتعزيز قدراتها في مواجهة لاعبين آخرين على الأرض؛ ثانياً، من خلال خفض فوري لأسعار الغاز يواكبه فوراً خفض كلفة المعيشة؛ ثالثاً، الاستثمار في حل مشكلات وفي رفع حواجز؛ رابعاً، توفير تفاعل متبادل وكامل مع شركات حكومية أخرى؛ وأخيراً، القدرة على حماية البيئة بصرامة من خلال اعتماد تقنيات متخصصة.
•توثيق حقائق: إن الحجة الرئيسية التي تساق ضد هذا الحل لا تصدر عن اقتصاديين ليبراليين أو رأسماليين متعصبين معروفة مواقفهم سلفاً، وإنما تأتي من مسؤولين في قطاع الخدمة العامة، فهؤلاء لا يعتقدون أن المؤسسة قادرة على تحقيق مشاريع معقدة وكثيفة رأس المال والمعرفة. لكن يجدر بهم أن يدرسوا ماذا حدث في مصر في العام الأخير، حيث أطلقت الحكومة مشروعاً متشعباً لحفر قناة سويس جديدة. الأمر يتعلق بمبادرة مصرية 100% اعتبرت قبل أن تبصر النور وهمية وتنم عن جنون عظمة، وخلافاً لكل التوقعات نفذت في عام واحد فقط من خلال شركة قطاع عام. وجمعت هذه الشركة أكثر من 8 مليارات دولار عبر إصدار سندات حكومية للسوق المحلية وحققت نتائج مذهلة. لا مكان هنا لاتهامي بأنني مؤيد للنظام المصري أو معجب بالاقتصاد الموجه، لكن على ضوء هذه الحالة وحالات مماثلة، علي أن أعترف بأنه لا يمكن (مواصلة) حجب الشمس، والتستر على مصالح وعلى علاقات المال والسلطة. وعليه، حتى لو "أقر" مخطط تسوية الغاز الحكومي في الكنيست، فمن غير المتوقع تخليده في صفحات التاريخ.