معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•في مطلع آب/أغسطس أعلن محمود عباس نيته الاستقالة من اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، وترافق هذا الاعلان مع استقالة عدد من الأعضاء البارزين في اللجنة. وفي الأول من أيلول/سبتمبر أعلن عباس استقالته من منصبه في اللجنة التنفيذية لحركة "فتح" التي تتزعم منظمة التحرير الفلسطينية، من دون أن يعلن متى ستدخل هذه الاستقالة حيز التنفيذ. لم تفاجئ هذه الاستقالة الشارع الفلسطيني، ويميل كثيرون إلى التشكيك بها، ويعتبرونها مناورة سياسية هدفها مساعدة عباس على توسيع شرعيته واستمراره في منصبه الذي ظل يشغله سنوات طويلة.
•يمكن الإشارة إلى عدد من الأسباب لإعلان عباس استقالته، فإلى جانب تقدمه في العمر (81 عاماً)، فإنه يخسر القاعدة الشرعية الشعبية لسلطته لأنه لم ينجح في تحقيق تحسن ملحوظ في مستوى حياة السكان الفلسطينيين، كما أن النضال الشعبي والسياسي الذي يدعو إليه لا يجذب الجمهور ولا يقنعه بفائدته. وعباس مثل غيره من كبار المسؤولين في منظمة التحرير وفي السلطة الفلسطينية، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بجوهر وجود السلطة. فمستقبل هؤلاء المسؤولين الاقتصادي والسياسي يقوم على كونهم جزءاً من هذه المؤسسة. وفي الوقت عينه فإن الفساد في السلطة والمحسوبيات ليسا سراً، والإحباط الناتج عنهما يمكن رؤيته في استطلاعات الرأي العام التي تشير إلى تآكل مستمر في التأييد الشعبي للسلطة وكبار المسؤولين فيها. وقد نشرت "هآرتس" في 2 أيلول/سبتمبر نتائج استطلاع شامل للرأي العام أظهر أن التأييد لمحمود عباس لا يتجاوز 16% فقط، وأن التأييد أقل من ذلك لكبار المسؤولين الفلسطينيين الذين ذُكرت أسماؤهم كمرشحين لخلافة عباس. إن هذا الانخفاض في مستوى الثقة الشعبية يفسر الخطوة السياسية التي قام بها عباس، كما يفسر أيضاً الشكوك التي عبر عنها الجمهور الفلسطيني عند سماعه نبأ الاستقالة.
•بالإضافة إلى ذلك، شعر عباس بأن المجتمع الدولي لم يعد مهتماً بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، وهو يتخوف من تخلي الإدارة الأميركية عن جميع مساعيها من أجل تحريك العملية السياسية مرة أخرى لاعتبارات داخلية – أميركية تتعلق برغبة الإدارة اليوم الامتناع عن زيادة التوتر في العلاقات مع إسرائيل على خلفية إقرار الصفقة النووية مع إيران، ومع الجالية اليهودية في الولايات المتحدة. ومن خلال هذا المنظور يمكن أن نعتبر استقالة عباس تلميحاً موجهاً إلى المجتمع الدولي وتحذيراً من التخلي عن التزاماته حيال القضية الفلسطينية، وربما هي أيضاً تنبيه من مغبة خطر الفوضى التي قد تنشأ في الساحة الفلسطينية بعد غيابه عنها.
•وبموازاة ذلك، يراقب عباس التطورات التي تشهدها ساحة غزة، ويعير الكثير من الانتباه إلى التقارير بشأن المفاوضات بين إسرائيل و"حماس" التي ربما تؤدي إلى اتفاق هدنة أو تهدئة مقابل اعادة اعمار القطاع. إن مجرد الحوار، وخاصة إذا انتهت الاتصالات بين إسرائيل و"حماس" بالتوصل إلى تفاهم يتعلق بالإعمار مقابل تهدئة أمنية بعيدة الأمد، يعزز الشرعية غير الرسمية لسلطة "حماس" في القطاع. كما أن الحوار بين إسرائيل و"حماس"، حتى لو لم يكن شاملاً وعملياً، فإنه من المحتمل أن يقوّي مكانة "حماس" في نظر الجمهور الفلسطيني، وأن يؤدي إلى تآكل فرص المصالحة بينها وبين "فتح" وعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. كما سيحث هذا "حماس" على مواصلة مساعيها التآمرية ضد السلطة في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. ويجب أن نضيف إلى هذا كله الصعوبة التي عانى منها عباس في المواجهة التي خاضها مع أفراد من اللجنة التنفيذية من بينهم ياسر عبد ربه، اتهمهم بأنهم يتآمرون عليه وعلى صلاحياته ويدعمون منافسيه وخصومه الألدّاء من أمثال محمد دحلان.
•من المحتمل أن تؤدي استقالة محمود عباس إلى انتخاب لجنة تنفيذية أكثر ملاءمة له إذا بقي في منصبه. وفي الواقع، فإن توقيت إعلان الاستقالة ليس صدفة، فمن المنتظر أن ينعقد الشهر المقبل المجلس الوطني الفلسطيني للمرة الأولى منذ عشرين عاماً [تجدر الإشارة إلى أن موعد انعقاد المجلس تأجل على ما يبدو إلى نهاية السنة]. إن النظام الداخلي للمجلس الوطني يسمح، في ظروف معينة، بانتخاب رئيس لجنة تنفيذية حتى مع عدم توفر النصاب. ولأن أغلبية أعضائه لا يقيمون في مناطق السلطة، كما أن العديد من منهم لا يستطيع أو لا يرغب في حضور الاجتماع، وبذلك قد يجد عباس نفسه في وضع مريح من ناحية اتخاذ القرارات، وانتخاب أعضاء جدد في اللجنة التنفيذية، وربما انتخابه هو من جديد.
•تدل التطورات الأخيرة في السلطة وفي منظمة التحرير الفلسطينية سواء كانت حقيقية أم هي خدعة سياسية، على أزمة عميقة تعانيها الساحة الفلسطينية نتيجة عمليات التفكك، واستمرار خسارة الزعامة الفلسطينية شرعيتها. ولا تستطيع إسرائيل تجاهل هذه الأزمة على الرغم من أنه سيكون من غير الصائب أن تحاول التدخل فيها بصورة مباشرة، إذ إن أي تدخل إسرائيلي في الأزمة أو في محاولات حلها سيبدو محاولة للتأثير على ما يحدث في الساحة الفلسطينية، وسيثير معارضة فلسطينية ويزيد من حدة النزاع. علاوة على ذلك، فإن إشارة إسرائيل إلى مرشح فلسطيني مفضل بالنسبة إليها سيضر بشرعيته وشرعية المؤسسة التي يريد تأسيسها وتزعمها، كما سيثير بصورة خاصة معارضة ضد مساعي هذه المؤسسة لاستئناف الحوار السياسي مع إسرائيل، إذا اختارت القيام بذلك. من هنا تجد إسرائيل نفسها في مأزق بين علاقتها مع السلطة الفلسطينية وسياستها حيال قطاع غزة. فالحاجة إلى إعادة إعمار غزة التي تشكل ضرورة استراتيجية وإنسانية تفرض التحاور مع "حماس"، لكن التقدم في هذا الحوار من شأنه أن يضعف موقع السلطة على خلفية "لعبة كل شيء أو لا شيء" الجارية بين المعسكرين الفلسطينيين المتخاصمين.
•لذا المطلوب من إسرائيل المناورة بذكاء في هذا الوضع المعقد المتسم بتوترات وتوجهات متعارضة. ونوصي بأنه إلى جانب القيام بمجهود لإعمار غزة المبادرة إلى القيام بخطوات مهمة في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] تشمل من بين أمور أخرى زيادة عدد تصاريح العمل في إسرائيل، وتحسين ظروف وإجراءات العمل على الحواجز الأساسية بين الضفة وإسرائيل، وإبداء مرونة بشأن سياسة تطوير مناطق فلسطينية في منطقة "ب"، وإظهار الاستعداد لتخصيص مناطق محددة في مناطق "ج" من أجل تطوير الصناعة والبنى التحتية. وفي المقابل يتعين على إسرائيل مواصلة العمل بحزم ضد الخارجين عن القانون من اليهود، وبذل جميع الجهود من أجل تهدئة الوضع على الأرض بهدف تخفيف مستوى العنف واحتواء الأحداث المحلية والحؤول دون امتدادها مثل النار في الهشيم.
•إن الفجوة التي تفصل بين إسرائيل والفلسطينيين بشأن نقطة الانطلاق لاستئناف المفاوضات ما تزال كبيرة وعميقة، وينطبق هذا على مخطط التسوية التي يمكن أن تكون مقبولة من جانب الطرفين. وإلى جانب هذه الفجوات في المواقف التي تجعل من الصعب على إسرائيل والسلطة ومنظمة التحرير العودة إلى غرفة المفاوضات، يمكن افتراض أنه إذا طرأت تغيرات بنيوية وشخصية على منظمة التحرير والسلطة، فإن الطرف الفلسطيني سيكون منشغلاً لفترة لا بأس بها بالسياسة الداخلية، ولن يكون متفرغاً للتفكير ولخطوات تساهم في استئناف المفاوضات. ومعنى هذا كله أن أزمة الزعامة على الساحة الفلسطينية إلى جانب العوامل الأخرى هي التي أوجدت الحائط المسدود الذي وصلت إليه العملية السياسية.
•في جميع الأحوال، وعلى الرغم من ضآلة فرصة تفكك السلطة الفلسطينية أو تدهورها نحو فوضى لا يمكن السيطرة عليها، فإنه من الأفضل لإسرائيل أن تستعد لإمكانية اضطرارها إلى اتخاذ خطوات أحادية الجانب من دون التنسيق مع قوات الأمن الفلسطينية، وذلك من أجل تقليص مخاطر والمحافظة على مصالح حيوية. ويجب أن يكون هناك دائماً خطة طوارئ لمواجهة حدوث مثل هذا السيناريو.