نظرة نادرة إلى العالم المظلم لتجار الأسلحة الإسرائيليين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•إن تأخير تعيين العميد  (في الاحتياط) غال هيرش مفتشاً عاماً للشرطة الإسرائيلية يتيح إلقاء نظرة نادرة إلى حد ما، على العالم الخفي والمظلم عموماً لشركات إسرائيلية تتعاطى تجارة الأسلحة وتقديم الاستشارات الأمنية في الخارج.

•وعلى غرار حالات أخرى أدى فيها تطور عرضي في قضية معينة إلى أمور مختلفة تماماً، ترسم هذه الحالة صورة مشوهة، وتبين مدى التهاون في إشراف سلطات الدولة على تلك التجارة. كما أن التنسيق بين مختلف الهيئات هامشي، ويكاد يكون معدوماً. وكل من يعرف قواعد اللعبة - وخاصة جنرالات الاحتياط الذين يستغلون تجاربهم ومعارفهم بعد التقاعد - يعرف كيف يناور بين قطرات المطر دون أن يصيبه البلل.

•لقد برزت من الضجة التي أثيرت حول تعيين هيرش قائداً للشرطة، عدة مسائل. أولاً، بدأ تحقيق ما قبل عملية التعيين في شركات يملكها، وهو يتعلق بشبهات غسيل أموال ورشوة مسؤولين أجانب. ثانياً، وصلت المعلومات بهذا الخصوص إلى إسرائيل بعد أن كانت دول أجنبية ووكالات تحقيق، ومن بينها مكتب التحقيقات الفدرالي ("إف. بي. آي")، أجرت تحريات [بهذا الخصوص]. ثالثاً، أجرت "سلطة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب" [التابعة لوزارة العدل الإسرائيلية]، وليس الشرطة الإسرائيلية، بحسب مزاعم محامي هيرش، تحقيقاً في هذه التهم. رابعاً، بالرغم من مرور عامين، لم يسفر التحقيق في هذه المسألة عن أي تقدم. خامساً، لم تكن وزارة الدفاع على علم بشيء بخصوص الاتهامات الموجهة لهيرش مع أنه يحمل رخصة تصدير من الوزارة، ولا بخصوص 21 شركة أمنية إسرائيلية أخرى تواجه اتهامات مماثلة. وأخيراً، لم يوقف الجيش الإسرائيلي صفقات التصدير الأمنية الخاصة بهيرش عندما أعيد تعيينه في صفوف الجيش كنائب رئيس قيادة مستحدثة في الجيش الإسرائيلي عام 2012. 

•إن أياً من هذه الوقائع لا ينبغي أن يفاجئ أحداً من المطلعين قليلاً على مجال التصدير الأمني. هناك تأكيدات حول قضايا مماثلة كانت تظهر بشكل روتيني في تقارير مراقب الدولة، بعضها يبقى مصنفاً [يحظر إطلاع الجمهور عليه] ويسمع عنها من بعض الناشطين والقانونيين ممن هم على دراية بهذا المجال. ولقد مارست إسرائيل عمداً بشأن تجارة الأسلحة، سياسة غموض شاملة مبنية على التقاء المصالح.

•علمت صحيفة "هآرتس" من مصدر أمني رفيع عمل في هذا المجال لسنوات عديدة، أنه في العديد من الصفقات التي تجريها الصناعات العسكرية الإسرائيلية في الخارج، هناك "احتمال أساسي" لوجود جرائم إفساد، ودفع رشى، واستخدام معلومات حساسة من دون الحصول على إذن كامل من المؤسسة الأمنية. وأشار هذا المصدر إلى أن قسماً كبيراً من تجارة الأسلحة ميدانه بلدان العالم الثالث والدول الشيوعية السابقة. وفقط في العهد الأخير أُثيرت اتهامات ضد شركة "الصناعات العسكرية الإسرائيلية" (IMI)، وضد شركة "الصناعات الجوية الإسرائيلية" (IAI) بشأن دفع رشى لمسؤولين في الهند. كما طرحت أسماء شركات إسرائيلية ومن ضمنها شركة غال هيرش، في ظروف مماثلة، في ما يتعلق بوزير خارجية جورجيا، كما أن نائب وزير الدفاع البولندي اضطر الى الاستقالة بعد أن وجد نفسه وسط نزاع قبيح بين شركتين إسرائيليتين.

•وإحدى التأكيدات المتكررة التي يطرحها بعض المطلعين على هذا المجال أنه من الصعب، بل من المستحيل أحياناً، تمرير صفقات وخصوصاً صفقات، السلاح في بلدان العالم الثالث، من دون "تزييت عجلات" مسؤولين حكوميين وسياسيين للحصول على موافقتهم. وفي بعض الحالات كما نشر سابقاً، عملت شركات أمنية إسرائيلية كبيرة مع وسطاء ووكلاء محليين كي تنأى بنفسها عن اتهامات الرشوة، برغم أنف جهود منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) المعلنة لتعزيز تشريعات وإنفاذ إجراءات مكافحة الرشوة. 

•ويعود أحد الأسباب التي تفسّر بطء التدخل في هذا المجال، إلى مقدار عائدات الصفقات الهائل الذي راوح في الأعوام الأخيرة بين 6,5 مليارات دولار و7,5 مليارات دولار في السنة، ووضع إسرائيل بحسب تقدير جهات عديدة، في قائمة أكبر خمس دول مصدرة للأسلحة في العالم. وعندما نفصح عن هوية الشركات التي تتعاطى هذا التجارة -  ثلاث شركات مملوكة للحكومة بشكل أو بآخر ("الصناعات العسكرية الإسرائيلية" (IMI)، و"الصناعات الجوية الإسرائيلية" (IAI)، وهيئة تطوير الوسائل القتالية ("رفائيل")، وشركة كبرى رابعة تربطها بالدولة وشائج قوية (شركة "إلبيت"- Elbit)، وطائفة من رجال الأعمال ممن لهم باع طويل في الشؤون العسكرية -  نفهم لماذا تفتقر سلطات الإنفاذ الإسرائيلية إلى أنياب في مجال تصدير الأسلحة.

•من أجل ضمان إنفاذ حقيقي للقوانين، ينبغي أن تكون هناك تشريعات إضافية ورغبة حقيقية من المؤسسة الأمنية والنظام القضائي لأن ينقبا تحت كل حجر، مع افتراض أنه سيتم العثور على أدلة فساد تحت أكثرها. لكن لم يظهر حتى الآن مثل هذا العزم. 

•يثير تعيين هيرش موضوع خلوّ [المرشح للتعيين] أمنيّاً من الشبهات من جديد، خصوصاً عندما يطال هذا الأمر ضباطاً كباراً في الاحتياط. وهنا يجب أن يكون واضحاً أنه حتى خلال الأسبوع الأخير شديد الاضطراب، لم تطرح ذرة من الشبهات ضد هيرش على خلفية حساسية أمنية. لكن، إذا كان هناك معلومات بشأن شبهات تتعلق بانتهاكات لضوابط تصدير الأسلحة على مدى عامين، فينبغي أن توضع هذه المعلومات أمام أعين المؤسسة العسكرية عندما يتخذ قرار بشأن ترقية ضابط كبير في الاحتياط أو إعادة تنصيبه في منصب رفيع. 

 

•كانت هناك بالفعل في الماضي مسائل صادمة - إقدام حزب الله على خطف العقيد (احتياط) إلحنان تننباوم في لبنان بعد استدراجه، وتزوير وثيقة بحسب اعتراف الجنرال (احتياط) بوعز هرباز - حيث كان لضباط كبار في الاحتياط ذوي خلفيات إشكالية، قدرة على الوصول إلى معلومات مصنفة سرية على مدى سنوات عديدة من دون أن يدق ناقوس الخطر في الجيش. لكن، مرة أخرى، هيرش ليس هرباز، وبالتأكيد ليس تننباوم. ومع ذلك، ينبغي أن تطبق المبادئ التوجيهية على الجميع.