معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•نشر غادي أيزنكوت رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي في 13 آب/أغسطس 2015 وثيقة عنوانها: "استراتيجية الجيش الإسرائيلي" عرض فيها خيارات الجيش العملانية ومستوى الأمن الذي يمكن أن توفره للبلاد. إنها وثيقة معدة بقدر عال من المهنية وغير مسبوقة في مستوى الكشف والتفصيل، وتنم عن تفكير منظم ومعمق من قبل الجيش. ويعكس نشرها مدى حساسية رئيس الأركان تجاه رأي الجمهور، انطلاقاً من أن الجيش الإسرائيلي هو جيش الشعب، ونظراً لما لآراء الجمهور من تأثير كبير على قرارات السياسيين المتعلقة بالأمن والميزانية.
•إن الرسالة الرئيسية للوثيقة هي أن القيادة السياسية مسؤولة عن تحديد أهداف ومهمات المؤسسة العسكرية، فضلاً عن تحديد مقيدات استخدام القوة، ويتوجب عليها أن تمكّن رئيس الأركان من بناء القدرات المناسبة، ومن قيادة الجيش في الأوقات العادية وفي حالات الطوارئ وإبان الحرب. وعليها بالتالي أن تزوده بالموارد اللازمة. وبالنسبة للتوقعات المنتظرة من الجيش الإسرائيلي، فعلى الجمهور والقيادة السياسية أن يكونا واثقين من أن الجيش الإسرائيلي قادر على شن حملة عسكرية محدودة أو حرب في أي يوم يؤمر فيه بالقيام بذلك. وينطوي كل خيار عملاني على مخاطر وفرصة معينة، وإذا أُمر الجيش الإسرائيلي بالقيام بتنفيذ عملية محدودة، فإن النصر التام لا يمكن أن يكون متوقعاً.
الحاجة إلى هكذا وثيقة وإلى إطلاع الجمهور عليها
•يدور النقاش العام بشأن ميزانية الأمن/الدفاع، وتقارير لجنة [الجنرال احتياط يوحنان] "لوكر" ومراقب حسابات الدولة، حول كلفة الأمن من دون النظر إلى جودة المنتج، أي الدفاع الذي يمكن أن يوفره الجيش الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه لم تكن خلال العقد الأخير نتائج حرب لبنان الثانية [2006] والمواجهات العنيفة مع حركة "حماس" في قطاع غزة، بمستوى تطلعات الجمهور والجيش الإسرائيلي. ويبدو أن هذه النتائج بالإضافة إلى النقد الحاد لحجم الإنفاق الأمني/ الدفاعي، ألحقا ضرراً ملحوظاً بصورة الجيش في المجتمع الإسرائيلي.
•وقد جاءت الوثيقة الاستراتيجية لتوفر ما أغفله النقاش ولتطلع الجمهور الواسع ومسؤولين حكوميين فضلاً عن مسؤولين منتخبين غير مطلعين على وثائق سرية، على ماهية الإنتاج الأمني/الدفاعي الذي يسعى الجيش الإسرائيلي الى تحقيقه في مقابل ميزانية الأمن/الدفاع، وعلى ما هو متوقع أن يحققه الجيش من خلال قدراته. كما تحاول الوثيقة توضيح مدى صلاحيات الجيش الإسرائيلي وطبيعة علاقاته مع القيادة السياسية.
العناصر الرئيسية لاستراتيجيا الجيش الإسرائيلي
•تعرض مقدمة الوثيقة: "التغييرات المطلوبة من الجيش الإسرائيلي في ظل التحديات المستقبلية وخصائص العدو المستجدة. وتشمل هذه التغييرات تعزيز وتطوير الفاعلية في المناورة البرية [الهجومية]، وتنويع القدرات العملانية في الحملات العسكرية بين الحروب، وتعزيز القدرات في مجال السايبر، والمحافظة على التفوق الواضح في مجالات الاستخبارات وسلاح الجو وسلاح البحر.. وسيشكل التصور المصاغ في هذه الوثيقة منطلقاً لعملية يقودها الجيش الإسرائيلي بموجب خطة جدعون المتعددة السنوات، ودليلاً إرشادياً لإدارة قواته وبنائها".
•وتركز هذه الوثيقة على استراتيجيا الجيش الإسرائيلي في مواجهة تنظيمات إسلامية وعلى رأسها حزب الله وحركة "حماس". وفي هذا السياق، هناك ثلاثة حالات عسكرية ممكنة، معروضة على القيادة السياسية:
(أ)حالة اعتيادية - صراع أمني محدود وروتيني، و"حملة عسكرية بين الحروب".
(ب)حالة طارئة - "حملات عسكرية وعمليات محدودة لا ترقى إلى مستوى حرب شاملة"، تهدف إلى استعادة الوضع المعتاد وترميم الردع "من دون السعي إلى إحداث تغيير استراتيجي فوري".
(ج)حالة حرب - عملية استخدام للقوة بمستوى عال من الكثافة، تتطلب موارد من أجل تحقيق انتصار حاسم بناء على الشروط التي تمليها القيادة السياسية.
•يبدو أن طريقة العمل الرئيسية في حالة طارئة هي حملة [تعتمد على] قوة نارية [شديدة] وتكون العملية البرية فيها محدودة لجهة النطاق وعمق التوغل، أسوة بحرب لبنان الثانية وعملية "الجرف الصامد". أما الحرب، فقد تنشب مباشرة، أو قد تعقب حملة عسكرية محدودة تتخللها على الأرجح عمليات برية هجومية - على الجبهة الأمامية وفي العمق - "تركز على مراكز ثقل هامة مع السعي للوصول بأسرع ما يمكن إلى خطوط إنهاء القتال. ولدى الوصول إلى خطوط إنهاء القتال، تعمل القوات على استقرار خطوط الدفاع وعلى تطهير المنطقة". وهذا معناه الاستيلاء على قطاع غزة في حالة حرب ضد حركة "حماس"، أو على أراض في العمق اللبناني في حالة حرب ضد حزب الله. وسيكون بمستطاع الجيش الإسرائيلي شن هجمات من هذا القبيل على جبهتين في آن معاً.
العلاقة بين القيادتين العسكرية والسياسية
•بحسب ما جاء في الوثيقة، فإن وظيفة القيادة السياسية هي تحديد الأهداف والوسائل ومقيدات الجيش الإسرائيلي،في حين أن دور رئيس الأركان هو أن ينفذ، أي أن يبني الجيش الإسرائيلي ويشغله وفقاً لذلك. وتعطي الوثيقة أهمية بالغة لدور رئيس الأركان بوصفه "مرتبة القيــادة العليــا" في الجيــش (بموجب "القانـون الأسـاسي [قانون أساس] - الجيش"، الصادر عام 1976). وبحسب هذه الوثيقة، فإن رئيس الأركان هو "قائد المعركة الوحيد في الجيش الإسرائيلي، وهو يقود، من خلال هيئة الأركان العامة، جميع العمليات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي.. إن المسؤولية عن هيئة الأركان العامة لا يمكن تفويضها أو تحويلها.. كل آمر خاضع لسلطة آمر آخر في كل نقطة زمنية. وتعطى الأوامر وفقاً لتسلسل القيادة". وهذا معناه أن الجيش سوف يدار دائماً وبشكل وثيق من قبل رئيس الأركان، من خلال هيئة الأركان العامة (بوصفها مجلس القيادة الأعلى في الجيش)، وليس من خلال أي مجلس قيادة آخر مثلما حدث في حرب لبنان الأولى [1982] على سبيل المثال، التي أدارتها قيادة المنطقة الشمالية بتدخل كبير من قبل وزير الدفاع [شارون].
•وتشدد الوثيقة على واجب القيادة السياسية تجاه الجيش الإسرائيلي: "عندما تدعو الضرورة إلى تفعيل الجيش، يتوجب على القيادة السياسية أن تصوغ الأوامر المعطاة إلى الجيش على هذا النحو: أ) ما هـي الأهــداف، ومـا هــي الأوضـاع النهائيـة الاستراتيـجية المطــلوبــة؛ ب) ما هو دور الجيش، وكيف يتفق هذا الدور مع تحقيق هذه الأهداف؛ ت) ما هي مقيدات استخدام القوة العسكرية؛ ث) تعريف جهود إضافية (دبلوماسية، اقتصادية، إعلامية، واجتماعية) ودور الجيش الإسرائيلي في سياقاتها". وتلحظ الوثيقة أن توجيهات القيادة السياسية تتطلب توضيحاً وحواراً منتظماً بين رئيس الأركان والقيادة السياسية.
•بيد أنه يُطرح هنا السؤال: لماذا، من أجل صياغة التعليمات، من الضروري انتظار اللحظة التي يبدأ فيها تفعيل الجيش. في معظم الحالات، الرد المطلوب من الجيش الإسرائيلي معروف مسبقاً، على سبيل المثال في حال هجوم إرهابي أو إطلاق صواريخ أو خطف أو حصول العدو على أسلحة استثنائية، وما إلى ذلك. وبالتالي، نوصى بأن لا تنتظر القيادة السياسية وقوع هجوم مثلما حدث قبيل حرب لبنان الثانية أو الأحداث التي قادت إلى شن عملية "الجرف الصامد"، وبأن تحدد منذ الآن أدوار ومهام وأهداف الجيش في سياقات مستقبلية متوقعة. وعندما تحين لحظة الحقيقة، تأخذ القيادة السياسية علماً بذلك، وتكون جاهزة لأن تختار واحداً من بين ثلاثة أوضاع عملانية أساسية:
(أ)ضبط النفس أو رد احتوائي معتدل.
(ب)حملة عسكرية محدودة مع إدراك أنها قد تتصاعد إلى حملة عسكرية كبرى مسرحها محدود النطاق جغرافياً، أو حتى إلى حرب شاملة.
(ج)حملة عسكرية كبرى مسرحها محدود النطاق جغرافياً، مع إدراك أنها قد تتصاعد إلى حرب شاملة على جبهات متعددة.
الأمور الغائبة عن الوثيقة
•لا تقدم الوثيقة تفاصيل كافية حول المخاطر والتهديدات والتحديات التي يواجهها الجيش الإسرائيلي. هناك إشارات صريحة ولكن محدودة إلى إيران. والأمر نفسه ينسحب على المخاطر الكامنة في الوضع في سورية. وينبغي إضافة خطر اندلاع انتفاضة ثالثة، ودور الجيش الإسرائيلي في المحافظة على سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية من أجل منح القيادة السياسية حرية الحركة للتوصل إلى تسوية سياسية بالشروط التي تريدها. كما أن المخاطر المتصلة بتغير محتمل لنظام الحكم في مصر أو الأردن، غابت عن الاستراتيجيا. وقد تعزى بعض الثغرات في هذه الوثيقة العلنية إلى ضرورة مراعاة اعتبارات دبلوماسية وأمنية.
•تشرح الوثيقة كيف أنه على الرغم من السيناريو الأساس الذي يركز على نزاعات مع تنظيمات من طراز حزب الله وحركة حماس، و"أن الحل - أي مقاربات استخدام القوة والقدرات التي سيجري تطويرها خلال عملية بناء القوات - هو على العموم، ملائم أيضاً لحملات عسكرية ضد جيوش ودول". لكن نوصى بأن يمتنع الجيش عن توسيع هذه الاستراتيجيا لتشمل سيناريوات مختلفة إلى كل هذا الحد، وأن يبلور استراتيجيا عملانية مناسبة لأوضاع لا تتفق مع السيناريو الأساس.
•أما بالنسبة لتكامل الجهود، فيغيب عن الوثيقة إشارة ذات شأن إلى شركاء الجيش الإسرائيلي على الجبهة الأمنية - جهازي "الشاباك" و"الموساد" والشرطة الإسرائيلية. إن تكامل المؤسسات الأمنية والعسكرية بمجملها، وليس الجيش الإسرائيلي فقط، أمر ضروري.
•أما بالنسبة إلى الموارد فلا تتطرق الوثيقة بشكل لافت إلى ميزانية الجيش والرأسمال البشري، ومن ضمن ذلك نظام جيش الاحتياط مستقبلاً.
•وفي الختام، تنص الوثيقة على أن "استراتيجيا الجيش الإسرائيلي هي البنية التحتية النظرية والعملية لجميع الوثائق العسكرية الأساسية"، غير أن إسباغ مكانة رسمية وعملية كهذه على الوثيقة يتطلب الموافقة الصريحة والعلنية من قبل وزير الدفاع والحكومة. ونوصى بالتالي بأن ينظر إلى هذه الوثيقة على أنها مقترح مشروع استراتيجيا مقدم من الجيش الإسرائيلي، إلى حين استكمال مسارات الموافقة عليها.