الضرر الذي لحق بدولة إسرائيل لا رجعة عنه حتى لو استعاد علان صحته
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•لا يستطيع أطباء محمد علان [الذي أعلن إضراباً عن الطعام شهرين احتجاجاً على اعتقاله الإداري، ودخل في حالة غيبوبة عدة أيام نقل بعدها إلى المستشفى] الجزم بأن الضرر الدماغي الذي يعاني منه لا رجعة عنه، بيد أن الضرر الذي لحق بدولة إسرائيل وصورتها الأخلاقية لا رجعة عنه بالتأكيد. إن المسؤولية عن خطر تحول علان إلى نبتة بقية أيام حياته، أو لا سمح الله موته، تقع على عاتق الأجهزة الأمنية والقضائية في إسرائيل، فهي التي تتحمل المسؤولية وهي التي تلاعبت بحياة علان بطريقة مذهلة. إن دم علان يتحمله الذين قرروا وضعه قيد الاعتقال المستمر من دون محاكمة، والذين تلكؤوا بصورة إجرامية في مفاوضات إطلاقه حتى أصبح طريح الفراش. 

•ما الذي حدث بدقة بالأمس (الأربعاء) بحيث أصبحت الدولة مستعدة فجأة لإطلاق سراح علان لدى انتهاء فترة اعتقاله الثانية في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر (قبل أن يُعرف موضوع ضرره الدماغي)؟ لماذا لم يطرح هذا الاقتراح قبل شهرين في بداية إضرابه عن الطعام؟ لماذا لم يكن في الإمكان تجنب معاناته الرهيبة والضرر الذي لحق بإسرائيل التي ظهرت أمام العالم بأنها تنكّل بالمضربين عن الطعام كما يجري في معتقل غوانتانامو، وأنها قد تلجأ إلى تغذيهم بطريقة قسرية؟ ولماذا فجأة لم يعد علان يشكل خطراً أمنياً؟ وكيف أصبح في الإمكان فجأة إطلاقه في تشرين الثاني/نوفمبر؟ ولماذا قبل شهرين لم يكن هذا ممكناً وبالأمس أصبح ممكناً؟ ما الذي جرى بدقة؟

•إن الذي جرى هو ما يجري دائماً في حالات من هذا النوع، فإسرائيل لا تضيع فرصة واحدة كي تثبت أنه لا يمكن التحدث معها إلا بالقوة. وحتى مضرب عن الطعام مصمم، ضعيف ومعزول يستطيع أن يتحدث معها فقط بالقوة. هذه لغتها الوحيدة، لغتها الرسمية. لقد مارس عملاء الشاباك وأتباعهم والادعاء العام ألاعيبهم القذرة والعدوانية على حساب محام شاب من قرية عينابوس، ناشط في الجهاد الإسلامي، عندما انتظرته عائلته قبل نصف سنة على معبر قلقيلية بعد إعلامها أنه سيطلق سراحه، لكنهم عادوا وأبلغوهم أنه لن يطلق سراحه واستمر توقيفه نصف سنة أخرى من دون محاكمة.

•هنا في الديمقراطية الوحيدة وقبل شهرين، لم يكن علان يهدد أحداً، لكن وضعه الصحي كان جيداً ولهذا لم يطلق سراحه. ومن السخرية أنه فقط عندما أوشك على الموت أصبح قوياً بما فيه الكفاية كي يجبر الدولة على إطلاقه. وقبل شهر أطلقت الدولة خضر عدنان الخباز من عربه، بعد إضراب عن الطعام استمر 54 يوماً.

•ليس الخوف على حياة علان ما يهم الدولة وأغلبية مواطنيها، فبالنسبة إليهم كان من الأفضل أن يموت منذ زمن طويل ومعه جميع المعتلقين الإداريين. لكن الضرر الذي سيلحق بصورة إسرائيل والخطر من أن يشعل موت علان النار في المناطق، طردا النوم من أعين متخذي القرارات. كان يجب الاستماع إلى لغة وسائط الإعلام بشأن علان، حتى عندما كان يتأرجح بين الحياة والموت، وبين الصفاء الموقت والعته الدائم. إنها لغة شيطانية من دون رحمة ولا ذرة من الإنسانية حيال إنسان يناضل من أجل حريته التي هي من حقه حتى أشرف على الموت.

•لا يزال مصير علان يلفه الغموض. وقد قال محاموه أنهم مندهشون مما حدث وأنهم لم ينجحوا في التواصل معه، وثمة شك في أن يستطيعوا ذلك. من المحتمل أن مصيره قد حُسم. فليهداً المدعون العامون وعملاء الشاباك والسياسيون والصحافيون. 

•إن الرأي العام الإسرائيلي لا يهمه مصير علان ولم يكن مهتماً به سابقاً، فبالنسبة إليه هو مخرب وقاتل ويداه ملطختان بالدماء كما صرخ السفلة في عسقلان [اشارة الى الاشتباكات التي وقعت يوم الأحد بين عرب وأنصار اليمين من اليهود بينهم أعضاء في منظمة لهافا العنصرية المعادية للعرب]، وإلى الجحيم الأدلة، وإلى الجحيم الصورة الأخلاقية لدولة تواصل اعتقال مئات الأشخاص من دون محاكمة، وهي مستعدة لإطلاقهم فقط عندما يتحولون إلى نبتة.

•إن مصير علان سواء كإنسان قد يسترد صحته بعد معاناة طويلة، اوكمريض يحتاج إلى عناية دائمة، أو لا سمح الله كميت، سوف يلاحق دولة إسرائيل لفترة طويلة من الزمن.