من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•إن الوثيقة المعنونة "استراتيجية الجيش الإسرائيلي"، وتحمل توقيع رئيس الأركان غادي إيزنكوت، احتفى بها المعلقون بوصفها سابقة في الشفافية. لكن القراءة المتأنية للوثيقة تشير إلى سابقة أخرى هي تحدي الجيش للمستوى السياسي.
•قبل كل شيء يتمثل التحدي في نشر الوثيقة، فالجيش لم ينتظر أن ينشر المستوى السياسي وثيقة تعرض الاستراتيجيا العليا للدولة، المفروض أن تُشتق منها الوثيقة الاستراتيجية للجيش. وفي الحقيقة، فإن المستوى السياسي يتهرب من ذلك كما ادعى أمير أورين في "هآرتس"13/8. إنما من حق السياسيين "التهرب" وواجب الجيش في احترام هذا التهرب، من المبادئ التي تؤسس للسيطرة السياسية على الجيش. لكن هنا يجادل الجيش ضد التهرب ويملي على المستوى السياسي جدول أعماله. وهذا الجدل خطير بصورة خاصة لأن الوثيقة ليست بمثابة خطة مطروحة للنقاش بل أسس ثابتة يقدمها الجيش كحقيقة منتهية. يضاف إلى ذلك أن الوثيقة توحي ظاهرياً بالشفافية، لكنها عملياً لا تدعو إلى نقاش عام لسلم الأولويات الذي يطرحه الجيش مثل تطوير القدرات الهجومية قبل القدرات الدفاعية.
•بل ويملي رئيس الأركان على الحكومة التوجيهات التي يتوقعها عندما تطلب استخدام الجيش. وبرغم أن التوقعات معقولة، فإن الصياغة تدل على سعي الجيش الى تحديد قواعد اللعبة بين المستويات في المواجهات المستقبلية. يعلم الجيش أنه في جميع حروب إسرائيل لم ينجح السياسيون في أن يبلوروا للجيش "الأهداف والوضع النهائي والاستراتيجيات المطلوبة"، وبرغم ذلك فهو يطرح هذه المطالبة. وأي تجاهل لها، لا سيما إذا ترافق مع فشل عسكري، فإنه سيضع المستوى السياسي في وضع غير مريح.
•والأخطر من ذلك أن رئيس الأركان يقرر أن "توجيهات المستوى السياسي تتطلب توضيحاً وحواراً جارياً بين الرتب العسكرية الرفيعة (هيئة الأركان العامة) والمستوى السياسي. إن التوجيهات السياسية هي أساس عمليات التفكير الاستراتيجي في هيئة الأركان العامة، لكن هذه التوجيهات تتأثر بها أيضاً". إن مغزى الإملاء على المستوى السياسي بأنه يتعين عليه تقرير وضع توجيهاته بعد التشاور مع الجيش، معناه الخروج عن مبدأ أساسي، بموجبه من المفروض أن يتخذ المستوى السياسي قراراته بصورة مستقلة.
•وفيما يحدد رئيس الأركان توقعاته من قبل المنتخبين، الشعب، فإنه لا يحدد مثلاً ما هي الأدوات التي سيضعها الجيش في متناول السياسيين في هذا "الحوار الجاري" بين الطرفين. هل هو مزيج بدائل مختلفة مثلما فعل رئيسا الأركان اللذان سبقاه، أو إنه ربما سيطرح خطة وحيدة لا بديل منها مثلما فعل من سبقوهما؟
•وأخيراً، فإن رئيس الأركان يتحدى وزير الدفاع أيضاً من خلال خروجه عن قانون أساسي يحدد بأن الجيش ورئيس الأركان يخضعان لإرادة الحكومة وهما تابعان لوزير الدفاع. في عقيدة إيزنكوت يظهر المستوى السياسي بصورة غامضة ولا ذكر لوزير الدفاع. لكن اللغة القانونية تفرض الدقة. وأيضاً في القانون الأساسي للحكومة سلطة الحكومة: تتخطى سلطة رئيس الأركان، وبموجبه، لا تستطيع الدولة أن تشن حرباً إلا بقرار من الحكومة، في حين تنص الوثيقة على أن وزير الدفاع هو الذي يحدد أسلوب الأداء العسكري من خلال التمييز بين أوضاع عادية وطارئة وحرب. وبذلك يسمح رئيس الأركان بأداء عسكري "حربي" حتى من دون أن تعلن الحكومة ذلك.
•إن هذه الوثيقة غير مسبوقة وتشكل تحدياً للمستوى السياسي من خلال طرح منهجي وليس من خلال تصريح عرضي. ومع أن المستوى السياسي وافق على نشر الوثيقة، فإنه غير مسموح له أن يقبل بتآكل تفوقه. إن بنيامين نتنياهو وموشيه يعلون وزملاءهم ليسوا المستوى السياسي، بل هم يشغلون هذا المستوى لفترة موقتة فقط.