•بالأمس كان ذلك مسؤول تركي رفيع؛ وقبله ببضعة أيام "مصدر مطلع" في المؤسسة الأمنية؛ وقبلهما موظف في وزارة الخارجية الأميركية، وكلهم توقعوا التوصل إلى اتفاق يجري العمل على بلورته بين إسرائيل وحركة "حماس" بشأن وقف طويل الأمد لإطلاق النار مدته ما بين 5 إلى 10 سنوات، يؤدي إلى تسوية العلاقة بين إسرائيل وقطاع غزة، ويثبت التهدئة التي سادت على حدود القطاع خلال السنة الأخيرة.
•إن اتفاقاً كهذا إذا تحقق، هو نتيجة مباشرة لعملية الجرف الصامد التي مر في هذه الأيام عام على ذكراها. خلال العملية برزت انتقادات من جميع الاتجاهات تناولت الطريقة التي جرت فيها والانجازات التي حققتها. لكن لدى اختبار النتائج بعد مرور سنة، يجب الاعتراف بأن العملية حققت هدفها وأدت إلى التزام كامل لم نشهده سابقاً من جانب "حماس" بالمحافظة على الهدوء التام على طول الحدود.
•لقد فقدت "حماس" شهيتها لجولة تصعيد جديدة ضد إسرائيل. ويبدو أنها فهمت ولو متأخرة، أن المشكلة المركزية التي يجب أن تنشغل بها الحركة ليست بالضرورة إسرائيل، بل تنظيم داعش الذي يحاول أن يتحداها داخل القطاع. واتضح لـ"حماس" أن المواقف المتطرفة ليست سلعة قابلة للتسويق لأن تنظيم داعش سيكون دائماً أكثر تطرفاً منها بكثير، وأنه يجب استمالة سكان غزة من خلال تحسين شروط حياتهم وليس من خلال التصعيد.
•وعلى عكس حزب الله الذي نجح في أن يقيم في لبنان ليس منظومة عسكرية فحسب، ولكن أيضاً منظومة اجتماعية واقتصادية فاعلة أيضاً، فقد فشلت "حماس" في القطاع فشلاً ذريعاً. لدى "حماس" قوة عسكرية قادرة على ردع إسرائيل، كما أن لديها قوة أمنية تسمح لها بضمان حكم ديكتاتوري في غزة. لكنها لم تحقق أي إنجاز يحسن مستوى حياة السكان الذين يعيشون تحت سلطتها.
•وإلى جانب داعش، فهناك ايضاً مصر التي تنظر إلى "حماس" بوصفها جزءاً لا يتجزأ من منظومة الارهاب الذي تواجهه في شبه جزيرة سيناء وفي مصر كلها. وفي مثل هذا الوضع تصبح التهدئة مع إسرائيل حتمية.
•وهنا يطرح السؤال: هل بناء على التهدئة التي سادت في السنة الأخيرة وعلى تركيز "حماس" على مسائلها الداخلية، يمكن ويجب أن نخطو خطوة جديدة ونحاول تثبيت التفاهمات الفضفاضة التي جرى التوصل إليها بين إسرائيل و"حماس" ضمن اتفاق ملزم وأكثر شمولاً، وبصورة خاصة اتفاق بعيد الأمد، يمكن أن يفتح الباب في المستقبل البعيد نحو تغيير العلاقات بين الطرفين؟
•يبدو أن تحقيق مثل هذا الاتفاق مرتبط بسلسلة من المشكلات منها: أولاً؛ الارتباط بين القطاع ويهودا والسامرة، وكيف يمكن أن نضمن ألا يكون الهدوء في غزة رهين كل حادثة تقع في الضفة. ثانياً؛ الانعكاسات على أبو مازن، وكيف سيضعف ذلك رئيس السلطة الفلسطينية الذي يعمل بالتنسيق مع إسرائيل من أجل المحافظة على الهدوء في يهودا والسامرة [ الضفة الغربية]، والذي ما يزال في نظر المجتمع الدولي هو الزعيم الفلسطيني الشرعي. ثالثاً؛ كيف نغربل التفاهمات مع القطاع ونحولها إلى تسوية تدفع قدماً بالمصالح الإسرائيلية في مواجهة الدولتين اللتين تحميان "حماس": تركيا وقطر. وفي نهاية المطاف كيف نتأكد من أن استمرار الهدوء لن يؤدي إلى تأسيس قاعدة إيرانية متقدمة تحت الأعين الساهرة لإسرائيل في قطاع غزة؟ وقبل كل شيء كيف نتأكد من أن اتفاق التسوية لن يساوي الورقة التي كُتب عليها.