من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•عندما ننظر إلى عشر سنوات من الانفصال عن غزة، تبرز خلاصتان أساسيتان من ذلك ومن إخلاء أربع مستوطنات في شمال شومرون [الضفة الغربية]. الخلاصة الأولى هي عدم تحقق التوقعات المتشائمة بشأن الانفصال نفسه، إذ لم يجر استخدام السلاح الناري ضد قوات الأمن (مع أنه كان هناك هجومان قام بهما مخربون يهود ضد فلسطينيين وعرب 48)، وكان العنف خلال الإخلاء محدوداً. الخلاصة الثانية هي ان توقعات اليمين بشأن المخاطر الأمنية من الوضع الجديد تحققت بأكملها في السنوات التي أعقبت الانفصال، فقد سيطرت "حماس" على القطاع، وحسنت قدراتها الإرهابية، وزادت إلى حد بعيد مدى تهديد صواريخها التي تصل اليوم إلى وسط البلد.
•انطلاقاً من هاتين الحقيقتين اللتين لا خلاف عليها اليوم (حتى رئيس المعارضة عضو الكنيست يتسحاق هرتسوغ من المعسكر الصهيوني قال الشهر الماضي إن الانفصال كان "خطأ أمنياً")، يستخلص كل طرف في النقاش السياسي في إسرائيل النتائج التي تلائمه بالنسبة للمستقبل. ففي اليسار هناك من يؤمن بأن النجاح في إخلاء نحو 8000 من مستوطني غوش كطيف وفي شمال شومرون يمكنه أن يدل على أن الجيش والشرطة سيكونان قادرين مستقبلاً على القيام بمهمة إخلاء نحو 100 ألف إسرائيلي على الأقل من المستوطنات المعزولة الواقعة خارج كتل المستوطنات في الضفة الغربية. وفي اليمين هم مقتنعون بأن نتائج الانسحاب من القطاع يجب أن تكون بمثابة إنذار لكل من يقع في أوهام انسحابات جديدة من الضفة. وخلافاً للحقائق الفعلية، فإن هناك ما يستوجب نقاشاً إضافياً.
•إن نجاح تنفيذ الانفصال جاء بعكس التقديرات السلبية التي سادت وسائل الإعلام وبعض أوساط الشخصيات الأمنية في الأشهر التي سبقت الإخلاء، هذا من دون الحديث عن تأكيدات الحاخامين للجمهور الديني - القومي أن "الله لن يسمح بذلك". فالتدخل الإلهي لم يحدث، والجيش والشرطة عملا بالتنسيق مع بعضهما البعض بقوة وحكمة وبطريقة سمحت بالانتهاء من مهمة إخلاء قطاع غزة خلال أربعة أيام وإخلاء شمال شومرون في يومين. وتبددت التنبؤات القاتمة بشأن استعداد عشرات نشطاء اليمين من المسلحين للهجوم على الجنود والشرطة، أو كبديل ينظمون أنفسهم للقيام بعمليات انتحار جماعية من نوع مسّادا.
•لكن شارون دهس خلال الانفصال عدداً من تعهداته من خلال تجاهله النتائج السلبية لاستفتاء أعضاء الليكود الذي كان هو نفسه بادر إليه. لم يكن رئيس الحكومة ديمقراطياً كبيراً، كما لم يكن حساساً حيال احترام قواعد اللعبة. والأمران الحاسمان في نظره هما ما اعتبره مصلحة الدولة، وما أظهرته استطلاعات الرأي العام من تأييد جارف لقراره الانسحاب من طرف واحد. وهكذا وجد المستوطنون أنفسهم معزولين جداً وسط الجمهور الإسرائيلي، وحتى الجهاز القضائي لم يقم بمساعدتهم.
•لقد كانت هذه المرة الأخيرة منذ ذلك الحين وحتى اليوم التي أخذ فيها زعيم إسرائيلي قراراً حاسماً بعيد الأمد وحرص على استكماله برغم جميع التحفظات. والزعيمان اللذان جاءا من بعد شارون، إيهود أولمرت وبنيامين نتنياهو، لم يظهرا هذا القدر من التصميم في أي من قراراتهما. لقد امتازت السنوات الخمس التي قضاها شارون رئيساً للحكومة بقرارات من هذا النوع، والتي برغم أنها كانت موضع خلاف، اتضح لاحقاً صحتها عند الاختبار التاريخي، مثل إعادة احتلال مدن الضفة في عملية "السور الواقي" [سنة 2002] (التي أدت تدريجياً إلى كبح الإرهاب الفلسطيني)، وأيضاً إقامة الجدار الفاصل.
•لم يكن باستطاعة شارون القيام بذلك من دون تأييد شعبي واسع. وعلى الرغم من الاحتضان المشوب بالندم الذي يحظى به اليوم الذين أُخلوا من غوش كطيف، يتعين علينا أن نقول الحقيقة، وهي أنه في اللحظة الحاسمة قبل عشر سنوات توحد المجتمع الإسرائيلي في أغلبيته وفرض بعنف قراراً صعباً على معسكر سياسي كبير جداً. لقد مر الإخلاء بسلام بصورة نسبية بسبب تضافر ثلاثة أمور: زعامة شارون؛ دعم أغلبية الجمهور (الذي لم يعتبر قط وجود مجموعة يهود بين مخيمات اللاجئين في غزة خطوة صحيحة)؛ والمستوى العالي في التنفيذ لدى الجيش والشرطة.
•لقد شارك قرابة 25 ألف جندي وشرطي في تطبيق الخطة. وكانت هذه عملية ضخمة وغير مسبوقة في حجمها بالنسبة لمهمة غير عسكرية. وقد نفذت من دون إراقة نقطة دم واحدة لجندي، ومن دون استخدام حيل قذرة من أجل تحطيم المستوطنين المتحصنين [داخل المستوطنات] ومؤيديهم نفسياً. وتولى الجيش المهمة بعد تخطيط طويل ومنظم جرى خلاله التوصل إلى شعار منطقي وملائم: "حزم ورأفة."
•لقد تخوف الجيش من سيناريوين يمكن أن يؤذيا استكمال الإخلاء: عدوانية فائضة من جانب الجنود ورجال الشرطة حيال معارضي الإخلاء؛ أو زيادة في التماهي من قبلهم مثل أن ينفجر جنود وجنديات بالبكاء بدلاً من القيام بمهمتهم. لم يحدث أي الأمرين، فالتخطيط المسبق، والإعداد النفسي الدقيق، وإلقاء الجزء الأكبر من مهمة الإخلاء على رجال شرطة وجنود نظاميين في الجيش بدلاً من فرق قتالية نظامية، والتسامح النسبي الذي ظهر حيال ظاهرة رفض الخدمة، كل ذلك أدى إلى تنفيذ الخطة من دون عقبات تقريباً.
•وفي رأي ضابط قام بالجزء الأكبر في عمليات التحضير للإخلاء: "يؤسفني أن أقول ذلك، ولكن الانفصال كان واحدة من المهمات الكبرى التي قام بها الجيش كما ينبغي. لقد كانت هذه مهمة قذرة ولا سبب لتوزيع ميداليات بعدها، لكن الجيش والشرطة قاما بواجبهما."
•لكن هذا لا يعني أنه يمكن تكرار التجربة بسهولة في الضفة الغربية، فهناك مع اتفاق أو بقرار انسحاب من طرف واحد، سيكون المطلوب إخلاء أكثر من 100 ألف شخص من عشرات المستوطنات والبؤر الاستيطانية شرقي جدار الفصل. ومن الصعب رؤية الزعامة الإسرائيلية (وإلى حد بعيد الفلسطينية أيضاً) تتوصل إلى قرار بشأن اتفاق دائم أو انسحاب جزئي. كما أن الشعور الديني الأيديولوجي لدى الجمهور إزاء يهودا والسامرة [الضفة الغربية] بأنها جزء من الوطن أقوى بكثير.
•بيد أن العنصر الأكثر إشكالية لا يرد في الأيديولوجيا الموجودة في اليسار، وهو التغير الذي طرأ على الجيش الإسرائيلي نفسه. فبعد حوالي سنة على أزمة حادة أعقبت الانفصال، عادت الأغلبية الساحقة للمعسكر الصهيوني – الديني إلى الخدمة بصورة كبيرة في الجيش. والمشكلة في الإخلاء المستقبلي ليست مرتبطة بقادة الألوية من المتدينين الذين لهم ولاء مطلق للمؤسسة العسكرية، بل مرتبط بالقادة الصغار. فعندما يراوح معدل الشباب المتدين في دورة ضباط سلاح البر خلال سنوات بين 30% إلى 40%، فثمة شك كبير في نجاح تنفيذ عملية إخلاء من هذا النوع، على افتراض أن الجيش سيقوم بالجزء الاكبر من المهمة.
•هل سينتج من الانسحاب من 90% أو أكثر من أراضي الضفة، خطر أمني أكيد كما يدّعي الناطقون بلسان اليمين من نتنياهو ومن هم إلى اليمين منه؟ إن هذا سيكون من دون شك مجازفة القرن إذا لم نأخذ في الحسبان القنبلة الإيرانية. وفي المقابل، تطرح في الكفة الثانية تساؤلات لا تقل دراماتيكية بدءاً من مستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطية وصولاً إلى مكانتها الدولية. ثمة شك مثلاً في أن إسرائيل كانت ستحظى بدعم نسبي من الدول الغربية العظمى في حربها على لبنان أو في المعارك العسكرية التي شنتها منذ ذلك الحين ضد غزة، لو لم تظهر حسن نياتها من خلال استعدادها لإخلاء المستوطنات في القطاع. ومن الواضح أن أي إخلاء لا بد أن يكون مدعوماً بأوسع غطاء أمني واسع النطاق تستطيع إسرائيل تحقيقه، إذا أرادت الزعامة الإسرائيلية المستقبلية (وفي هذه المرحلة، المتخيّلة)، أن تحشد تأييداً شعبياً كافياً لذلك.