خطاب أوباما في واشنطن منعطف حقيقي في العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•نحو 200 شخص اجتمعوا مساء الأربعاء في قاعة تحمل اسم الملك سلمان ملك السعودية في الجامعة الأميركية في واشنطن في انتظار خطاب الرئيس أوباما إلى الأمة بشأن الاتفاق النووي مع إيران.

•لقد جاء خطاب أوباما مفصلاً ومنظّماً وواضحاً. وخلال ساعة تقريباً عرض نظريته المؤيدة للاتفاق وحاول تفنيد ودحض حجج المعارضين للاتفاق الواحدة تلو الأخرى. وقد وجه كلامه إلى مجموعتين أساسيتين: أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب من الحزب الديمقراطي، وجمهور الناخبين من الوسط واليسار الليبرالي.

•وأحد التكتيكات التي استخدمها أوباما هي التخويف، إذ حذر من اللوبيات المؤيدة للحزب الجمهوري ومن المنظمات التي تنفق عشرات ملايين الدولارات على حملات ضد الاتفاق. وفي مراحل معينة ذكّر كلامه بالفيديو العائد إلى فترة الانتخابات في إسرائيل، والذي حذّر فيه نتنياهو من إقبال العرب إلى صناديق الاقتراع في باصات تمولها جميعات يسارية. لكن على عكس نتنياهو، ففي مبالغة أوباما وتضخيمه شيء ليس قليلاً من الحقيقة. وثمة شيطان آخر استحضره أوباما هو جورج بوش الابن الذي صوره بأنه هو الذي كان سبباً في نشوء المشكلة الإيرانية عندما شن حرباً مضللة ضد العراق. وذكّر بأنه عندما تولى بوش منصبه لم يكن لدى إيران جهاز تخصيب واحد، لكن لدى مغادرته البيت الأبيض أصبحت إيران تملك الآلاف.

•بيد أن الجزء الأكثر إثارة للقلق في خطاب أوباما هو الذي تطرق فيه إلى موقف حكومة إسرائيل المعارض للاتفاق النووي. والكلام الذي قاله يمكن أن يتضح في مستقبل ليس بعيداً أنه يشكل منعطفاً حقيقياً في العلاقات الاستراتيجية بين القدس وواشنطن. فقد تعامل أوباما مع نتنياهو ليس بوصفه حليفه الأساسي بل خصمه السياسي الأكبر. صحيح أنه أشار إلى أنه يتفهم قلق نتنياهو ويؤمن بصدق نياته، لكن اظهار هذا التعاطف كان مقدمة لهجوم حاد على رئيس حكومة إسرائيل. وفي بعض الأحيان كان في الإمكان سماع نبرة احتقار لدى أوباما عندما كان يقلّد دون أن يعي ذلك صوت نتنياهو في خطاباته ضد الاتفاق وهو يردد: "هذه صفقة سيئة، المطلوب صفقة أفضل".

•لقد عزل أوباما نتنياهو وصوّره وحكومته بأنهما الوحيدان في العالم اللذان يعارضان الاتفاق، ووضعه على رأس معسكر دعاة الحرب الرافض لأي تسوية ديبلوماسية من أي نوع وتحت أي ظرف. وما أراد باراك أوباما قوله هو إن محاولات رئيس الحكومة الإسرائيلية افشال الاتفاق النووي تشبه الحملة التي شنّها مؤيدو الحرب في العراق سنة 2003. ومن المشكوك فيه أن نجد مجموعة ينفر منها الجمهور الأميركي كهؤلاء.

•إن ما يجب أن يثير قلق كل إسرائيلي ويحرمه من النوم هو أن صراع نتنياهو ضد الاتفاق النووي دفع أوباما إلى وضع أصبح متوجباً عليه أن يُميز بين المصالح الأمنية للولايات المتحدة وبين مصالح إسرائيل، موضحاً أنها ليست متماثلة. وقد قال الرئيس: "إنه خيانة لواجبي تجاه الدستور لو تصرفت بصورة تتعارض مع رأيي لأن ذلك قد يتسبب في توتر موقت مع حليف وصديق عزيز". وهو بذلك بعث برسالة واضحة مفادها أن نتنياهو تخطى خطوطاً حمراء في نضاله ضد الاتفاق النووي من خلال تدخله السافر في السياسة الأميركية الداخلية ومحاولته أن يقدم نفسه على أنه يعرف أكثر من رئيس الولايات المتحدة ما هي مصالحها.

•إن تصفيق الجمهور الكثيف لهذه العبارة هو نموذج صغير فقط للمشكلة الخطرة التي ستواجهها إسرائيل، والإحساس بالغربة الذي يشعر به جمهور كامل في الولايات المتحدة إزاء سياسة إسرائيل وشعورهم بأنها تريد أن تتحكم بهم.

 

•إن انعكاسات هذا المناخ على أمن إسرائيل القومي ستكون كارثية. وسواء جرت الموافقة على الاتفاق النووي، أو أعطت حملة نتنياهو ثمارها واستطاع الكونغرس التغلب على الفيتو الرئاسي وأسقط الصفقة، فإن الانعكاسات السلبية قد تؤدي إلى قطيعة حادة وخطرة بين الجمهور الليبرالي الذي يصوت إلى جانب الديمقراطيين وضمنهم أغلبية الجالية اليهودية، وبين إسرائيل.