•هناك أمر وحيد واضح هو أن كلام المسؤول الأميركي الأمني الرفيع الذي جاء في معرض حديثه مع المراسلين السياسيين الإسرائيليين، يهدف إلى طمأنة مخاوف مواطني إسرائيل ومؤيديها من مواطني الولايات المتحدة، بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران. لكن الأقل وضوحاً هو قصد المسؤول الأميركي الرفيع من قوله إن إسرائيل حليفة، و أن الولايات المتحدة ستدافع عنها إذا هوجمت مثلما هي ملزمة بالدفاع عن الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.
•ليس واضحاً مثلاً ما إذا كان المصدر الأميركي الأمني الرفيع عندما قال إن "إسرائيل حليفة سندافع عنها" قصد بذلك الحلف غير الرسمي القائم مع الولايات المتحدة والذي ضمن إطاره نصبت الولايات المتحدة سنة 1991 بطاريات صواريخ باتريوت على أراضي إسرائيل للدفاع عنها ضد صواريخ صدام حسين. لم تعترض هذه البطاريات حتى صاروخاً واحداً لأن البطاريات التي نشرت في إسرائيل كانت من طراز قديم، لكن النية كانت واضحة. وجرى التعبير عن هذا الحلف غير الرسمي بين إسرائيل والولايات المتحدة أكثر من مرة أيضاً من خلال مناورات دفاعية ضد صواريخ وطائرات كانت تجري من وقت إلى آخر بين أسلحة البحر وأنظمة الاعتراض الأميركية على الأراضي الإسرائيلية.
•لكن من الصعب رؤية كيف سيدافع هذا الحلف غير الرسمي بين إسرائيل والولايات المتحدة والذي أساسه نشر وسائل دفاعية ووسائل إنذار، عن إسرائيل في وجه هجوم نووي إيراني. فإذا قررت إيران مهاجمة إسرائيل بسلاح نووي، وحتى بسلاح غير نووي، فمن شبه المؤكد أنها ستقوم بهجوم مفاجئ. وفي مواجهة هجوم من هذا النوع، وبخاصة إن كان هجوماً نووياً، ليس هناك أي فرصة لأن تكون الولايات المتحدة قادرة على الدفاع عنا إلا في حالة واحدة: إذا نشرت عشرات آلالاف من الجنود الأميركيين على أراضي إسرائيل وبطاريات صواريخ وأسلحة مضادة للطائرات ووسائل أخرى تكون على أهبة الاستعداد الدائم لاعتراض صواريخ بالستية وصواريخ بحر وطائرات قد تصل محملة بذخيرة قاتلة من إيران أو من العراق وسورية ولبنان حلفاء إيران.
•لكن الأهم هو أن وجود عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين على أرض إسرائيل سيكون الوسيلة الأجدى لردع إيران أو أي طرف آخر عن مهاجمة إسرائيل بسلاح دمار شامل سواء كان سلاحاً نووياً أو كيميائياً أو بيولوجياً.
•إن وجود مثل هذه القوات الدفاعية الأميركية ضد الصواريخ يشكل خرقاً للمبدأ الذي كرره جميع رؤساء الحكومات في إسرائيل وكل وزراء الدفاع منذ أيام بن غوريون في الستينيات وهو: "إسرائيل ستدافع عن نفسها بقواها الذاتية، ولا تريد من جندي أميركي واحد أن يسفك دمه من أجلنا".
•للولايات المتحدة التزامات بالدفاع عن حلفائها في اطار حلف شمال الأطلسي، لكن المقصود هنا تكتل من الدول التي لدى معظمها حدود برية مشتركة مع من كان يمثل العدو المحتمل (وربما ما يزال هو العدو اليوم أيضاً) المكوّن من جيوش الكتلة الشرقية. والتزمت الولايات المتحدة وما تزال، الدفاع عن هذه الدول، كما كندا وبريطانيا، تحتفظ بقوات برية ومدرعة وجوية كبيرة في ألمانيا كي تتمكن من رد أي هجوم من الشرق.
•ليس لإسرائيل حدود مشتركة مع إيران، والخطر عليها هو من السلاح النووي. لذا، وحده الوجود المادي للجنود الأميركيين بأعداد كبيرة، والذين يمكن أن يتأذوا من هجوم إيراني، سوف يردع آيات الله، لأن أي هجوم على إسرائيل سيعتبر هجوماً مباشراً على الولايات المتحدة. فهل هذا النوع من الردع هو ما يقصده الأميركيون؟
•للأميركيين حلف من هذا النوع مع كوريا الجنوبية هدفه إقامة توازن ردع في وجه التهديد وخطر الإبادة الناجمين عن القوة العسكرية النووية لكوريا الشمالية على جيرانها. وتحتفظ الولايات المتحدة بصورة دائمة بـ40 ألف جندي في كوريا الجنوبية من أجل ردع حكام كوريا الشمالية حتى عن محاولة الهجوم على كوريا الجنوبية. كما تحتفظ هناك وفي اليابان بسلاح نووي أيضاً من أجل هذا الغرض. ومن المحتمل جداً أن المسؤول الأمني الأميركي الرفيع لم يقصد هذا النوع من الدفاع، لكنه ربما قصد أن يلمّح إلى أنه إذا طلبت إسرائيل حلفاً دفاعياً رسمياً مع الولايات المتحدة من أجل منحها غطاء نووياً وعسكرياً تقليدياً لردع الإيرانيين، فإن طلبها سيستقبل بصورة إيجابية، أو أنه سيحظى على الأقل بدراسة جدية من جانب إدارة أوباما.
•في تقديري أشك في أن هذه هي النية الأميركية، فالصيغ الغامضة بشأن الحلف مع إسرائيل هدفها الطمأنة وليس لها انعكاسات عملية على العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة تتخطى ذلك.
•في المقابل، نرحب بالتصريحات القاطعة والتفصيلية للمسؤول الأمني الأميركي الرفيع بشأن المحافظة على تفوق إسرائيل النوعي العسكري والاستخباراتي، والتعهدات بعدم بيع طائرات إف - 35 أو ذخيرة لدول عربية قد تسهّل عليها مهاجمة إسرائيل. لقد اقترحت الولايات المتحدة تعويضاً عسكرياً على دول الخليج وفي طليعتها السعودية، وتعهد المسؤول الأميركي بشكل واضح بأن هذا السلاح لن يلحق ضرراً بميزان القوى التقليدي بيننا وبين جيراننا.
•إن كلام المسؤول الأميركي الأمني الرفيع يبقي الكثير من الحيرة وعلامات الاستفهام، ونأمل بعد انتهاء مسألة موافقة الكونغرس الأميركي على رفع العقوبات عن إيران، أن تعود حكومة إسرائيل أخيراً إلى الطاولة كي تبحث مع الأميركيين كيف سيفي أوباما بالتعهدات السخية التي يوزعها اليوم بسخاء.