معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•إلى جانب النتائج المباشرة المتعلقة بالقضية النووية، يثير الاتفاق الموقع بين إيران والدول العظمى في هذا الشأن جملة مشكلات وتحديات مهمة وبعيدة الأمد بالنسبة لإسرائيل، ستنعكس بصورة خاصة على الساحتين الفلسطينية والسورية، وصعيد نزع الشرعية، والعلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة، ومكانة إسرائيل لدى الإدارة والجمهور الأميركيين.
•عكس المسعى الأميركي للتوصل إلى توقيع اتفاق مع إيران خياراً استراتيجياً يعتبر إيران جزءاً من الحل لمشكلات الشرق الأوسط لا جزءاً من مشكلات عدم الاستقرار والأمن في المنطقة. ويبدو أن إيران تعتبر في نظر الإدارة الأميركية عامل استقرار ولاعباً مسؤولاً يمكن الاعتماد عليه والتعاون معه في الحرب ضد الإسلام الأصولي المتمثل بداعش بصورة خاصة. إن النتيجة العملية لهذه المقاربة هي قبول أميركي بسعي إيران إلى توسيع نفوذها في المنطقة وتعميقه. إن التقدير السائد اليوم في الشرق الأوسط وفي الساحة الدولية عامة، هو أن تعزيز الوضع الإقليمي لإيران سيحسن بصورة واضحة قدرتها على مساعدة حلفائها في المنطقة. ومعنى ذلك دعم "حماس" التي تعاني من أزمة استراتيجية بعد عملية "الجرف الصامد" ومنذ خسرت سندها الاستراتيجي في مصر بعد إسقاط حكم الإخوان المسلمين وتحول حركة الإخوان و"حماس" إلى عدو شرس وخطر في نظر الحكم المصري. كما أنه من المحتمل أن يؤدي التحسن في وضع إيران الإقليمي إلى تخلي "حماس "عن سياسة ضبط النفس. أما في ما يتعلق بحزب الله فستكون للاتفاق انعكاسات أكبر على الأمد البعيد، فالتقارب بين الحزب وإيران والتزاماتها حيال هذا التنظيم الشيعي الذي يقاتل إلى جانبها في الساحة السورية دفاعاً عن نظام الأسد، يضمن زيادة المساعدة المالية المقدمة له وتعزيز موقعه في لبنان وسورية، ويؤدي بصورة خاصة إلى زيادة الخطر المعقد الذي يواجه إسرائيل على الساحتين اللبنانية والسورية.
•علاوة على ذلك، فإن فشل إسرائيل في التأثير على الولايات المتحدة في ما يتعلق بصياغة الاتفاق مع إيران وتصاعد التوتر بين إسرائيل والإدارة، يلحقان الضرر بمكانة إسرائيل في نظر اللاعبين الإقليميين في الشرق الأوسط. ففي ضوء واقع يوجد فيه دعم أميركي واضح واضح لإسرائيل، ونفوذ واضح لإسرائيل في الولايات المتحدة، ثمة فرص كبيرة في أن تقوم دول المنطقة التي تواجه مخاطر وتحديات استراتيجية مشابهة لتلك التي تواجهها إسرائيل (بصورة خاصة خطر إيران والتنظيمات الجهادية على مختلف أنواعها)، بالتلميح إلى التعاون معها على المستويين السياسي والأمني.
•قبل توقيع الاتفاق كان هناك حافز لدى دول سنية – براغماتية للتعاون مع إسرائيل بسبب مكانتها ونفوذها في الولايات المتحدة. لكن يمكن الافتراض الآن أن هذا الحافز تضاءل كما تضاءلت معه إمكانية تشكيل تحالف إقليمي بالاستناد إلى المبادرة العربية للسلام، بعد ملاءمتها مع الظروف التي نشأت في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.
•أيضاً على صعيد الصراع من أجل نزع الشرعية عن إسرائيل الذي تحول إلى تحد استراتيجي حقيقي بالنسبة لها، من المحتمل أن يتضح أن للاتفاق انعكاسات إشكالية. ونظراً إلى أن الاتفاق الموقع يفسر في نظر الكثيرين بأنه ليس نجاحاً إيرانياً فحسب بل هو فشل إسرائيلي، فيمكن الافتراض أنه سوف يشكل حافزاً للأطراف التي تدير حملة نزع الشرعية ضد إسرائيل على الساحة الدولية. وسيكون من الأسهل مهاجمة إسرائيل عندما تبدو وكأنها تعمل ضد العالم وترفض الاتفاق الذي يُعتبر أنه يبعد الحرب ويقلص فرص حدوثها. إن صورة إسرائيل كدولة تسعى إلى الحرب يمكن أن تعزز، ولا سيما بعد حديث وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في هذا المعنى في البرلمان البريطاني.
•وفي ما يتعلق بالعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، يبدو أن الرئيس أوباما نجح في ترسيخ دعم شعبي واسع النطاق للاتفاق (باستثناء الدعم المتحفظ حتى الآن في الكونغرس)، وفي تعزيز شعبيته والرسالة المتعلقة بالإرث الرئاسي الذي يريد أن يتركه وراءه. وسيساعد الدعم الشعبي في رفع مكانة إيران في نظر الجمهور الأميركي. في المقابل، تبدو إسرائيل بوصفها الدولة المعارضة الأكثر تشدداً وصخباً، للاتفاق في مضمونيه النووي وغير النووي. هذا الموقف الإسرائيلي يشكك في صحة موقف الرئيس أوباما وحكمة سياسته ولا ينسجم مع الشعور العام المتبلور وسط الجمهور الأميركي.
•بناء على ذلك، يمكن تقدير أن مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة ستتزعزع إذا شكل إحباطها وخيبة أملها من الاتفاق محور حملة سياسية رسمية ( بدلاً من نشاطات يبادر إليها تنظيمات وأفراد إسرائيليون غير تابعين للدولة) [لحمل الكونغرس على التصويت ضد] رفع العقوبات المفروضة على إيران. في مثل هذا السيناريو من المحتمل أن تجد إسرائيل نفسها في مواجهة حادة مع الرئيس أوباما والإدارة الأميركيه كلها، وستبدو في نظر أجزاء عريضة من الجمهور الأميركي كأنها تتدخل في السياسة الأميركية الداخلية. وقد يتسبب زيادة التوتر بين الحكم الإسرائيلي والأميركي في تآكل القاعدة المؤيدة تاريخياً لإسرائيل لدى الجمهور الأميركي. ومن الممكن أن تؤدي هذه الخطوة ليس بالضرورة فوراً، إلى ارتسام إسرائيل كطرف إشكالي يخرب الجهود الأميركية من أجل "إصلاح العالم" والعمل على استقراره، ويمكن أن يجر الولايات المتحدة إلى حرب ليست حربها وتتعارض مع خيارها الاستراتيجي ومصالحها الوطنية.
•علاوة على ذلك، فإن نجاح الرئيس أوباما في التوصل إلى اتفاق مع إيران يمكن أن يشجع على تحريك هذا الإنجاز من أجل التوصل إلى اتفاق إسرائيلي - فلسطيني من خلال الضغط على إسرائيل وإعادة التفكير بالدعم المقدم لها على الساحة الدولية. كما أن جون كيري الذي يشارك الرئيس أوباما رؤيته، يحظى هو أيضاً بتقدير كبير في الولايات المتحدة، وقد يتحول إلى "مولّد" للضغوط على إسرائيل بسبب ايمانه بإمكانية التوصل إلى اتفاق إذا استؤنفت المفاوضات. ومن المنتظر أن تحظى مبادرة أميركية لاستئناف الحوار الإسرائيلي – الفلسطيني بدعم شعبي واسع نسبياً في الولايات المتحدة، مما سيجعل إسرائيل في حصار استراتيجي.
•بالنسبة لإسرائيل، إذا كانت هذه بالفعل النتائج والتحديات غير النووية الناتجة عن الاتفاق الموقع بين إيران والدول العظمى، فثمة حاجة إلى تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، مع التشديد على إيران لحزب الله و"حماس"، وحاجة إلى إعادة تفكير استراتيجية حيال سورية في أعقاب زيادة احتمالات المحافظة على نظام الأسد، وضرورة الاستعداد لمواجهة ضغط من جانب الإدارة الأميركية من أجل التقدم نحو اتفاق مع الفلسطينيين مع شروط إشكالية بالنسبة لإسرائيل، كما أن هناك حاجة إلى القيام بالاستعداد المنظم لمواجهة تحدي نزع الشرعية، وبصورة أساسية من الضروري منع حدوث تدهور إضافي في العلاقات مع الولايات المتحدة.
•إن المواجهة الإسرائيلية للتحديات الاستراتيجية غير النووية التي ازدادت حدة نتيجة توقيع الاتفاق النووي مع إيران، يجب أن تعتمد على "إصلاح" العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة. فإلى جانب بلورة تفاهمات مع الإدارة الأميركية حيال الرد على الخروق الإيرانية للاتفاق النووي، نوصي قبل كل شيء بالامتناع عن التحرك ضد الرئيس والإدارة على الساحة السياسية الأميركية، وبهذه الطريقة سيكون من الأسهل على حكومة إسرائيل تحقيق الأهداف التالية:
1.ضمان الالتزام الأميركي بالمحافظة على تفوق إسرائيل العسكري النوعي والكمي.
2.بلورة اتفاقات مع الإدارة الأميركية بشأن الرد على الدعم الإيراني لتنظيمات ارهابية تهدد إسرائيل، بما فيها تفاهمات تتعلق بخطوات عسكرية إسرائيلية تبادر إليها ضد تعاظم القوة العسكرية "الكاسرة للتوازن" لدى "حماس" وحزب الله.
3.تحديد المصلحة الإسرائيلية على الساحة السورية، وخاصة تجاه ما لا تستطيع إسرائيل احتواءه، وبلورة تفاهمات مع الإدارة الأميركية في هذا الشأن على افتراض أن نظام البعث سواء بزعامة الأسد أو تحت زعامة أخرى، سيبقى على ما هو عليه، أو قد ينجح في استعادة السيطرة على مناطق واسعة من سورية.
4.التأكد من خلال الحوار الاستراتيجي والاستخباراتي الحميم ومن دون تدخل إسرائيلي رسمي في الحياة السياسية الأميركية، إلى جانب خطوات إسرائيلية تظهر نيتها الصادقة من اجل دفع العملية السلمية إلى الأمام، من أن الإدارة الأميركية لن تبادر إلى خطوات للاتفاق مع الفلسطينيين من دون تنسيق مسبق على الصيغة مع إسرائيل. وفي هذا السياق يجب العمل من بين أمور أخرى على السعي إلى اتفاقات مع الإدارة بشأن مطالب الحد الأدنى من الفلسطينيين، ومواصلة العمل ضد الخطوات الفلسطينية ضد إسرائيل على الساحة الدولية وكذلك ضد التحريض.
•يمكننا افتراض أن تذليل العقبات بين حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية سيساعد إسرائيل في مواجهة الانعكاسات الخطرة للاتفاق النووي على الصعيدين النووي وغير النووي، كما أنه سيساهم في مواجهة تحدي نزع الشرعية عن إسرائيل في الساحة الدولية الذي ثمة خطر من تزايده على خلفية معارضة إسرائيل وحدها للاتفاق، في مواجهة الدول العظمى وسائر الدول المؤيدة له.