من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•في صيف 2012 أجرى أري شافيط 13 مقابلة مع أفضل العقول الاستراتيجية في إسرائيل، لخصها في مقال له بعنوان "إسرائيل في مواجهة أهم معضلة في حياتها" ("هآرتس" 28/9/2012). وعرّض المقال ثلاثة سيناريوات، كل واحد منها ستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً فيه وهي: توازن ردع نووي والعيش في ظل قنبلة إيرانية؛ هجوم إسرائيلي (لن يدمر بالضرورة الخطر الإيراني) وحرب صواريخ مكلفة ضد إيران؛ أو هجوم أميركي ستدفّع الولايات المتحدة إسرائيل ثمناً فادحاً مقابله على صورة تنازلات سياسية مؤلمة.
•لا حاجة إلى أن يكون المرء خبيراً استراتيجياً كي يعرف أن هذه السيناريوات الكارثية التي كانت متوقعة لم تحدث. والذي حدث هو تماماً ما لم يكن في الحسبان آنذاك، والمقصود مفاوضات مكثفة مع إيران تنازلت خلالها هذه الأخيرة عن سعيها للحصول على سلاح نووي لمدة تفوق عشرة أعوام مقابل رفع العقوبات عنها.
•وحده هذا السيناريو تحول إلى واقع، وهو واقع جيد نسبياً، فبالاستناد إلى مضمون الاتفاق لن تضطر إسرائيل للعيش في ظل التهديد النووي الإيراني خلال العقد القريب، وذلك من دون أن تضطر إلى دفع الثمن الدموي من أجل القضاء على هذا التهديد. لا بل على العكس، فمن المنتظر أن تحصل إسرائيل على تعويض مقابل تحييد العالم ما اعتبره الذين قابلهم أري شافيط، وجميعهم خبراء في الاستراتيجيا، تهديداً يطال جوهر وجود إسرائيل.
•لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لن يكون هو نفسه ولا دولة إسرائيل ستكون هي نفسها إذا استقبلا الاتفاق بتنفس الصعداء. ففي نظر نتنياهو الاتفاق هو اتفاق خنوع وأغلبية الجمهور في إسرائيل تفكر مثله. ويبدو أننا لسنا مستعدين نفسياً لقبول إمكانية مواجهة تهديدات كبيرة بالوسائل الدبلوماسية، ونطرح دائماً مثال اتفاق ميونيخ [سنة 1938] الذي كان اتفاقاً دبلوماسياً ونعلم إلى أي شيء أدى.
•لا يغير شيئاً أن المقارنة مع اتفاق ميونيخ قد استهلكت مع أنه لم تتكرر منذ 1938. لكن بالنسبة إلى نتنياهو (بفضل أجدادنا) وبالنسبة للأغلبية لدينا (بفضل التربية وعملية غسل الدماغ في الاعلام) ما تزال هذه المقارنة حية. هناك دائماً من يريد تدميرنا. هناك دائماً هتلر جديد: ناصر، السادات، عرفات، صدام حسين، القذافي، وبالتأكيد جميع زعماء إيران منذ سنة 1979. ومن هنا، فإن السبيل الواقعي لمواجهة المخاطر الأمنية هو من طريق القوة، أو من خلال شعار "اتركوا الجيش الإسرائيلي ينتصر".
•بيد أن الواقع مختلف وهو يدل على ان الدبلوماسية قادرة على تحقيق الأمن ليس أقل من استخدام القوة. صحيح أن لا أحد يستطيع أن يعرف ما إذا كان الاتفاق [مع إيران] سيصمد أم لا، ولا أحد يستطيع أن يعرف ما إذا كانت إيران بعد مرور عقد من التنازلات ستصبح نووية وعامل تهديد، أم أنها ستتحول إلى معقل للاستقرار الإقليمي. من المحتمل حدوث تطبيع في العلاقات بين الولايات المتحدة (وربما أيضاً إسرائيل)، وطهران، وربما لا يحدث هذا. وفي الواقع، فإن الأمور المجهولة كثيرة، ومن هنا ميل الكثيرين ورد فعلهم التلقائي، هو الذهاب في اتجاه الحلول الكارثية المعروفة.
•للتذكير، في آب/أغسطس 2013 أعلنت الولايات المتحدة أن سورية استخدمت سلاحاً كيميائياً بكميات كبيرة وتجاوزت بذلك خطاً أحمر وضعه أمامها الرئيس باراك أوباما. وكان مطروحاً آنذاك تنفيذ التهديد الأميركي، أي الهجوم عسكرياً على سورية. لكن في اللحظة الأخيرة جرى تفادي الهجوم، فقد توصلت الولايات المتحدة وروسيا إلى اتفاق ينص على تجريد سورية من قدراتها الكيميائية، واضطرالرئيس السوري بشار الأسد تحت الضغط الشديد إلى قبول الاتفاق. ومنذ ذلك الحين أخرج من سورية قرابة 1300 طن من السلاح الكيميائي ودمرت أغلبية منشآت تصنيع هذا السلاح.
•وحتى لو بقي لدى الأسد كميات ضئيلة من هذا السلاح، فمما لا شك فيه أن الخطر الأساسي قد زال. كما زال الخطر الأكبر على أمن إسرائيل وتوقف توزيع الأقنعة المضادة للغازات. وقد حدث ذلك من دون اطلاق قذيفة واحدة، ومن دون أن تضطر اليد الطويلة للجيش الإسرائيلي إلى التدخل، مما يقدم أدلة واضحة على قدرة الدبلوماسية.
•السياسيون الإسرائيليون والخبراء الأمنيون الذي يجرون المقابلات بانتظام مع وسائل الاعلام في القنوات المختلفة، مروا على هذا الحدث من دون أن يعطوه أهمية تقريباً. وهنا يطرح السؤال: لماذا كان سيل الكلام والحماسة بمناسبة مرور سنة على عملية الجرف الصامد أكبر بكثير من الكلام الذي خصص للقضاء على الترسانة الكيميائية السورية؟ الجواب لأن الانجاز السوري حققته الدبلوماسية الأجنبية وليس استخدام القوة الإسرائيلية.
•لكن في المحصلة، فإن التخلص من السلاح الكيميائي السوري ساهم في أمن إسرائيل أكثر من "الجرف الصامد". إن الاتفاق ("الخنوع" بحسب رئيس الحكومة) مع إيران سيتولد منه مستقبلاً نقاش عسكري وسياسي أكثر عداء وحدّة. لكن إذا كان يتعين علينا أن نتعلم شيئاً من السابقة السورية ومن سوابق كثيرة أخرى، فهو أن السابقة السورية منحت إسرائيل أمناً أكبر وبثمن أقل بكثير من جميع الخيارات الأخرى.