معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً في عدد الهجمات الإرهابية في يهودا والسامرة وفي عدد المحاولات التي أحبطت. وفي الأسبوع الماضي أخبر رئيس الشاباك لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أنه منذ 2012 سُجل سنوياً ارتفاع يقدر بنحو 50% في العمليات الارهابية الشعبية (683 هجوماً خلال 2012 مقابل 1834 هجوماً في 2014)، مع قفزة مهمة حدثت خلال عملية "الجرف الصامد". علاوة على ذلك، جرى خلال 2014 احباط نحو 130 هجوماً لخلايا عسكرية (تابعة في أغلبيتها إلى "حماس")، وفي سنة 2015 (حتى تموز/يوليو) أحبط 60 هجوماً.
•إن أغلبية الهجمات التي لم يجر احباطها يمكن وصفها بـ"الارهاب الشعبي" ونفذها مهاجمون أفراد بأساليب متنوعة (اطلاق نار، زجاجات حارقة، محاولات دهس وطعن) وفي مناطق جغرافية مختلفة. وتؤكد هذه المعطيات التقدير بأن الارهاب الذي يستند إلى بنية تحتية منظمة جرى احباطه في معظم الأحيان. لكن حادثتي اطلاق النار اللتين وقعتا في الفترة الأخيرة في منطقة رام الله، هما هجومان منظمان نفذتهما خلايا ارهابية يبدو أنها تابعة لحركة "حماس".
•يدل العدد الكبير للهجمات المنفردة على وجود دافع للقيام بهجمات لدى أشخاص لا صلة لهم بتنظيم إرهابي أو مجموعة متطرفة منظمة. وهذا الدافع هو مزيج من جو عام، وعقيدة، ودافع شخصي.
•لا يمكن تفسير أعمال الارهاب الآخذة في الازدياد التي قد نشهدها بعد الآن على أنها تعبير عن اليأس والاحباط لدى بعض الأشخاص، بل هي ظاهرة اجتماعية - سياسية، تنتشر بغطاء من شرعية اجتماعية واسعة، تمنح منفذي الهجمات تعويضاً شخصياً رمزياً، إلى جانب التعويض المادي/المالي الذي يعطي مباشرة إلى عائلاتهم. صحيح أن الجمهور الفلسطيني في الضفة يهمه بصورة كبيرة رخاءه الاقتصادي ولذا فهو يقف موقفاً سلبياً نسبياً حيال كل ما له علاقة بالمشاركة في أعمال الارهاب أو بالتظاهرات أو الاضطرابات ويتجنب المواجهة المباشرة مع إسرائيل، لكن علينا ألا نستخلص من ذلك أن هذا الجمهور لا يؤيد الهجمات، وهو بالتأكيد لا يتحفظ عنها بصورة قاطعة وواسعة.
•من المغري التفكير بأن شهر رمضان هو عامل محفّز لسلسة الهجمات الأخيرة، مثلما كان الحال في الفترة المقابلة من العام الفائت. ففي شهر رمضان تزداد لدى كثير من المسلمين المشاعر الدينية الأمر الذي قد يبدو عاملاً محفزاً، كما أن الأغلبية تكون عرضة خلال هذا الشهر إلى تأثير الدعاة الدينيين الذي يحرضون علناً ضد إسرائيل، إلى جانب التشجيع على أعمال التضحية باسم الدين وباسم الوطن. بالاضافة إلى ذلك يمكن تفسير الظاهرة بأنها نتيجة التأثر بالأحداث التي يشهدها العالم العربي، وبأفكار العناصر المتطرفة في المنطقة التي تنتشر على قنوات التواصل الاجتماعي وفي مواقع الإنترنت.
•ويمكن أن نضيف إلى ذلك التحريض الممنهج للإعلام الفلسطيني والنقاش العام الذي في معظمه يجري من خلال غض النظر من جانب السلطة الفلسطينية، وأحياناً بواسطة كبار المسؤولين فيها. تشكل جميع هذه العوامل بنية تحتية عامة ونفسية تحيي فكرة المقاومة الوطنية والدينية وتشجع على القيام بهجمات.
•من المهم الإشارة إلى أن هذه الهجمات تقع على الرغم من الجهد الكبير الذي تبذله أجهزة الأمن في السلطة الفلسطينية لمنع الارهاب في الضفة الغربية وتفكيك بناه التحتية والتنظيمية ولا سيما تلك التابعة لـ"حماس". فمن المهم لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن يثبت أنه يسيطر على المناطق الواقعة تحت سيطرته، وأنه مصر على محاربة الإرهاب. وهو يقول علناً إن الإرهاب لا يخدم المصلحة الفلسطينية ويضر بصورة السلطة وبصورته شخصياً كشركاء في عملية سياسية هدفها قيام دولة فلسطينية.
•لكن السلطة الفلسطينية تمارس "لعبة مزدوجة"، فإلى جانب الجهد الذي تبذله من أجل القضاء على البنية التحتية لإرهاب "حماس" والحرص على مواصلة التعاون الأمني مع إسرائيل، فإنها تنشط ضد إسرائيل بقوة على الساحة الدولية. وقد تجلت هذه "اللعبة المزدوجة" أيضاً من خلال محاولات السلطة عرقلة التفاهمات بين "حماس" وإسرائيل بشأن إعادة إعمار غزة، ومنع تحويل أموال إلى القطاع والمس بالحاجات الأساسية للسكان في غزة. ففي نظر قيادة السلطة وأقسام من الجمهور الفلسطيني، ما تقوم به إسرائيل في القطاع الهدف منه هو إضعاف السلطة والرئيس عباس. ويعزز هذا السلوك الإسرائيلي الانطباع لدى الجمهور الفلسطيني بأن العنف يحقق إنجازات مهمة في الصراع مع إسرائيل، مما يقوي المعسكر الكفاحي الذي ينضم إليه الأشخاص الذين لم يعودوا يؤمنون بفرص السلطة الفلسطينية وقدرتها على احداث تغيير حقيقي في وضع الناس.
•وتمارس "حماس" أيضاً "لعبة مزدوجة"، وهي تظهر قدرة على ممارسة نمطين من العمل مختلفين ومتعارضين من خلال التمييز بين الجبهة الغزاوية وجبهة الضفة. ففي غزة تعمل الحركة على كبح التنظيمات السلفية وتحاول التقدم نحو تفاهمات مع إسرائيل من أجل تسريع عملية إعادة إعمار القطاع، ومن أجل هذا الغرض فهي مستعدة للتعهد بوقف إطلاق نار مستمر. لكن من جهة أخرى، تستغل "حماس" ما يبدو في نظرها فرصة استراتيجية في إطار الصراع على الهيمنة على الساحة الفلسطينية لإحراج عباس وإضعاف السلطة الفلسطينية وتسريع انهيارها والحلول محلها. وتحرص "حماس" على تعزيز صورتها كحركة مقاومة قائدة تحمل لواء النضال المسلح ضد إسرائيل. ومن أجل التغطية على الفارق بين سلوكها في غزة وصورة كفاحها المسلح، تقوم "حماس" بتشجيع عمليات إرهابية في الضفة وتعزز البنى التحتية للارهاب في المنطقة. وفي هذا الإطار لا تشجع "حماس" الإرهاب الفردي فقط، بل وأيضاً الإرهاب الذي تقوم به خلايا تنظّمها وتوجهها قيادات موجودة في إسطنبول في تركيا. وفي تقدير عدد من الخبراء وفي نظرة إلى الأمد البعيد، فإنه ليس في مقدور الأجهزة الأمنية في السلطة منع الفوضى التي يمكن أن تحصل إذا استمر الارتفاع في موجة الهجمات وازدادت قوة، ولا سيما بعد تسلل أفكار تنظيمات متطرفة في الضفة، كما لن تنجح هذه الأجهزة في كبح سيطرة "حماس" على المنطقة من دون الإسرائيليين والعمليات العسكرية الإسرائيلية على الأرض.
•في الفترة الأخيرة عكفت إسرائيل على تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة وتحسين مستوى الحياة للسكان الفلسطينيين. وزادت بصورة كبيرة تصاريح العمل في إسرائيل (هناك نحو 100 ألف عامل من الضفة يعملون بتصاريح في إسرائيل) كما قلصت عدد الحواجز في مناطق يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وسمحت للباصات الفلسطينية بنقل عمال فلسطينيين إلى إسرائيل، وحسنت من البنية التحتية للمعابر وترتيبات العبور، وقصرت من مدة الانتظار كثيراً، كما قدمت تسهيلات مهمة تسمح للمصلين بالدخول إلى جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]. لكن على الرغم من ذلك، فإن نشوب انتفاضتين يدل على أن تحسين الوضع الاقتصادي ليس بالضرورة عاملاً للجم العنف. صحيح أنه في هذه الفترة لا يجري الحديث عن انتفاضة، لكن الارتفاع في عدد الهجمات يدل من جديد على ان التسيهلات لا تضمن هدوءاً أمنياً.
•هناك درس آخر بالاستناد إلى تجربة الماضي هو أن تضييق الخناق على السكان الفلسطينيين والمس بمصدر رزقهم وبمستوى حياة كثيرين لا يشاركون بأعمال الإرهاب، لا يؤدي إلى تحسين الوضع الأمني، إنما يثير الرأي العام الدولي ضد إسرائيل. ومعنى هذا أن إسرائيل في ورطة بشأن كل ما يتعلق بالوسائل الموجودة لديها من أجل تهدئة المناطق والحفاظ على الوضع الراهن.
•في رأينا يتعين على إسرائيل الامتناع عن القيام برد "نفعي" (opportunist) وإلغاء التسهيلات التي قدمت في الفترة الأخيرة، لأن فرض قيود جديدة على حرية تنقل السكان الفلسطينيين حتى لو كانت الجهات الأمنية الإسرائيلية تبررها بأنها لحاجات أمنية، ستعتبر بمثابة عقوبات جماعية ورداً غير متناسب.
•إسرائيل أيضاً مثل السلطة الفلسطينية و"حماس" تمارس "لعبة مزدوجة" من خلال سياسة "التمييز" بين قطاع غزة والضفة الغربية. ففي الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل الدفع قدماً بمساعي إعادة الإعمار مقابل وقف إطلاق نار طويل، وتبدو مستعدة من أجل ذلك للتوصل إلى تفاهمات مع "حماس" من خلال حوار غير مباشر، تعمل في الضفة ضد البنية التحتية لـ"حماس" بكل قوة. وإسرائيل متهمة أيضاً بأنها تمارس "لعبة مزدوجة" عندما تتحدث عن الحاجة إلى استئناف العملية السياسية وفي المقابل تخلق وقائع على الأرض من خلال مواصلة سياسة البناء في المستوطنات.
•ثمة من يقول إن تحريك العملية السياسية سيؤدي إلى وقف التصعيد في العمليات الإرهابية. لكن يجب أن نتذكر أن استئناف العملية السياسية في الماضي هو الذي دفع أحيانا عناصر متطرفة إلى استخدام العنف من اجل عرقلة العملية. لذا، فإن عملية سياسية ليست بالضرورة عامل تهدئة.
•إن "اللعبة المزدوجة" أداة يستخدمها اللاعبون في الساحة الفلسطينية تسمح بالمرونة بين البراغماتية والأيديولوجيا، لكنها تنطوي على عنصر خطر هو فقدان السيطرة على الوضع. ومن أجل تقليص هذا الخطر، فالمطلوب من إسرائيل انتهاج سياسة متكاملة. عليها في علاقتها بالسلطة الامتناع عن إلغاء التسهيلات الحياتية اليومية في الضفة وتعزيز التنسيق الأمني مع السطلة الفلسطينية. وفي المقابل، عليها العمل بحزم في الساحة الدولية ضد سياسة السلطة وكشف وجهها الحقيقي من خلال التشديد على إبراز سياستها الرامية إلى عرقلة مساعي إعادة إعمار غزة والتحريض على الارهاب والتطرف.
•أما حيال "حماس" فيتعين على إسرائيل الامتناع عن المشاركة في "اللعبة المزدوجة" التي تمارسها "حماس" في القطاع والضفة. وعليها أن تتعامل مع الحركة في القطاع مثل تعاملها معها في الضفة، ومنعها من إيجاد قواعد لعبة مريحة بالنسبة لها. كما يجب على إسرائيل أن توضح لـ"حماس" أنها لن تتوصل إلى تفاهمات معها تسمح بإعادة اعمار غزة في الوقت الذي تعكف فيه الحركة على نقل جبهة الإرهاب الأساسية إلى الضفة أو إلى سيناء.