توجه جديد نحو حل الدولتين من خلال تشجيع جميع الأطراف على القيام بخطوات مستقلة
المصدر
المونيتور

•في 27 نيسان/أبريل، حذّرت ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية من أنه إذا لم تقم الحكومة الإسرائيلية بتشجيع حل الدولتين، فإن ذلك سيجعل مهمة الولايات المتحدة في الدفاع عنها "صعبة جداً".

•لكن الطريق إلى حل الدولتين يتطلب نموذجاً جديداً يسمح لجميع المعنيين بالموضوع من الإسرائيليين والفلسطينيين والولايات المتحدة والمجتمع الدولي، بالقيام بخطوات مستقلة تسمح بالتقدم نحو نشوء واقع دولتين. إن خطوات مستقلة هي المفتاح، فهي التي ستلغي معارضة الذين لا يتعاونون مع تقدم العملية، وفي الوقت عينه هي التي ستجعل تحرك أي طرف من الأطراف غير مرتبط بتحرك الطرف الآخر أو بعدم تحركه.

•إن عملية السلام التي طبقتها الإدارات الأميركية الثلاث الأخيرة، إدارة كلينتون وبوش وأوباما، كانت خطأ، واستندت إلى افتراض أن المفاوضات المباشرة هي السبيل الوحيد للتوصل إلى اتفاق إسرائيلي - فلسطيني، وأن مهمة أميركا تنحصر في جمع الطرفين وإعطائهما فرصة للتحاور في ما بينهما. وقد حول ذلك المفاوضات بحد ذاتها إلى هدف بدلاً من أن تكون أداة للتوصل إلى اتفاق دائم. هذا التوجه فشل ومنح أعذاراً للمعارضين والمتطرفين من الجانبين لأنه سمح لهم باتهام الطرف الآخر، كما دمر الأمل والثقة داخل المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني (وفي العالم أيضاً)، في إمكانية التوصل إلى اتفاق خلال فترة زمنية منظورة.

•إن تنصل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من حل الدولتين عشية الانتخابات، مع أنه عاد وتراجع عن تنصله، زاد في زعزعة هذا الأمل وأكد الحاجة إلى التقدم نحو حل الدولتين، لكن ليس بواسطة العملية الفاشلة المتمثلة في حصر الأمر بالمفاوضات، خاصة وأنه من غير المتوقع أن تتعاون الحكومة الإسرائيلية الجديدة مع مثل هذه العملية. وقد قصدت نائبة وزير الخارجية الأميركي شيرمان تصريح نتنياهو عندما نشرت تحذيرها.

•إن موقف نتنياهو من الموضوع هو تهرب وتقويض للأمل والثقة بأن حكومة إسرائيل الجديدة ستجري مفاوضات (بنيّة صادقة) بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن حل الدولتين. إن التقلبات التي أظهرها خلال تطرقه إلى الموضوع قبل الانتخابات وبعدها، أشارت إلى استهانة وعدم احترام لجميع المشاركين.

•وعلى الرغم من ذلك، يوجد في الكنيست الجديد أغلبية واضحة للمؤيدين لحل الدولتين على الرغم من أن تركيبة الكنيست تسمح لنتنياهو بتشكيل حكومة يمينية. وعلى نحو مشابه يوجد داخل الجمهور الإسرائيلي أغلبية تفضل باستمرار إسرائيل دولة ديمقراطية موجودة إلى جانب دولة فلسطينية مستقلة. ومن مصلحة إسرائيل الواضحة أن الإدارات الأميركية الثلاث الأخيرة رأت في حل الدولتين مصلحة واضحة لأميركا أيضاً. إن غياب هذا الحل يقوي الأطراف الراديكالية في المنطقة ويضعف الموقف الدولي للولايات المتحدة، لأنه يجعل من الصعب عليها بلورة محور سنّي براغماتي وفعال ضد الإسلام الراديكالي.

•وفقاً للنموذج الجديد الذي نقترحه، فإن على كل طرف معني بالموضوع - الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وإسرائيل والفلسطينيين، القيام بدوره من أجل إيجاد واقع دولتين من خلال القيام بخطوات مستقلة. وعلى الولايات المتحدة ان تتحرك أولاً وأن تنشر أطر الحل الدائم التي وضعت للمرة الأولى من جانب الرئيس كلينتون، وجرى بعدها تحسينها بأشكال مختلفة من خلال خريطة الطريق التي وضعها بوش واللجنة الرباعية [التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا]، ومبادرة السلام العربية في 2002، وأخيراً نجدها في وثيقة وزير الخارجية الأميركي جون كيري التي تلخص الرؤى الأميركية للمفاوضات التي جرت قبل نحو عام.

 

•إن هذه الأطر مقبولة من الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي وكذلك من أغلبية الإسرائيليين والفلسطينيين، وهي تتضمن باختصار: حدوداً على أساس خطوط 1967 مع تبادل متساو للأراضي يسمح لإسرائيل بالاحتفاظ بسيادتها على الكتل الاستيطانية الكبرى؛ دولة فلسطينية منزوعة السلاح؛ ترتيبات أمنية ملائمة؛ إصلاح أحوال اللاجئين الفلسطينين في الدولة الفلسطينية أو في دولة ثالثة؛ تسوية تسمح بأن تبقى القدس عاصمة للدولتين، مع حرية المعتقد وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة.

•يتعين على الأمم المتحدة أن تتبنى الأطر الأميركية. وفي استطاعة المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة بعد ذلك تقدير هل الخطوة المستقلة التي جرت من جانب أحد الطرفين تقرب واقع الدولتين كما هو محدد في هذه الأطر، وبالتالي فهي خطوة بناءة، أم أنها خطوة تبعد هذا الواقع. وعلى المجتمع الدولي أن يضع نظاماً من العصي والجزرة يمكن بواسطته تشجيع الخطوات البناءة وردع الخطوات المدمرة.

•وعلى الفلسطينيين المطالبة باعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين كعضو دائم في الأمم المتحدة وإجراء اتفاق مصالحة مع "حماس" يسمح بإعادة إعمار قطاع غزة ومنع تسلحه من جديد. وهذه خطوات بناءة. أما ملاحقة إسرائيل أمام المحكمة الدولية في لاهاي، أو تجدد العنف فهي خطوات تدميرية.

•كما سيتعين على رئيس الحكومة الإسرائيلية الإصغاء إلى التحذير الذي سمعه من واشنطن وتبني التوجه الجديد. ويجب أن تتضمن الخطوات البناءة لإسرائيل التالي: إعلان أنها ليس لديها مطالب سيادية في المناطق الواقعة وراء الجدار الأمني؛ وقف النشاطات الاستيطانية خارج كتل المستوطنات؛ الإعداد لاستيعاب المستوطنين الذين يقطنون خارج هذه الكتل. أما توسيع الاستيطان خارج الكتل فهو خطوة تدميرية.

•إن هذا التوجه الجديد لا يلغي بأي صورة من الصور مفاوضات إقليمية في إطار مبادرة السلام العربية أو مفاوضات ثنائية بين إسرائيل والفلسطينيين.

•عندما يستبدل نموذج عملية "المفاوضات حصراً" من أجل التوصل إلى اتفاق شامل، بالنموذج الجديد "خطوات مستقلة" وصولاً إلى واقع دولتين، فإن كل طرف سيكون مسؤولاً عن أعماله. وسيجعل هذا التغير من الصعب على أي طرف التمسك بموقف يفتقر إلى الصدق، يدعم كلامياً حل الدولتين، لكن أفعاله تكون في الاتجاه المعاكس. والأهم من هذا كله أن التوجه الجديد سيؤدي إلى التقدم نحو الهدف البعيد المنال لكن الضروري، لتحقيق المصالح الأميركية والدولية والإسرائيلية والفلسطينية.