•في المعارك الانتخابية الأولى كان التوتر يتمحور حول مسألة مَن الطرف الذي سيشكل معه حزب مباي الحكومة المقبلة. في بعض الأحيان كان التفضيل يذهب إلى المتدينين، وفي أحيان أخرى إلى "الصهيونيين العموميين"، لكن كان واضحاً منذ البداية عدم وجود منافس لحزب السلطة. لكن هذا تغير في سنة 1977، فمنذ ذلك الحين وحتى سنة 1999 تحولت الانتخابات إلى مواجهة بين الحزبين الكبيرين: الليكود والمعراخ (لاحقاً حزب العمل بعد انسحاب مبام من المعراخ). وفي معظم الأحيان جاءت النتائج متقاربة، وكانت المواجهة بين زعماء الحزبين تشكل ذروة جميع المعارك الانتخابية، وكانت الأصوات تنتقل من اليمين إلى اليسار وبالعكس.
•بعد العام 2003 لم يعد حزب العمل يشكل بديلاً انتخابياً، وكان السؤال المطروح ما إذا كان اليمين (الليكود ثلاث مرات وكاديما مرة واحدة) سيؤلف حكومة وحدة وطنية بمساعدة أحزاب يمينية ودينية. إن الانتخابات التي ستجري الأسبوع المقبل ستدور حول الكتلة المانعة: هل سينجح الليكود أو المعسكر الصهيوني في منع الآخر من تأليف الحكومة؟ في الواقع، أن من يستطيع أن يؤلف كتلة مانعة هو الذي سيكلفه رئيس الدولة بتأليف الحكومة المقبلة.
•عندما بدأت المعركة الانتخابية حاول معظم اللاعبين في الساحة أن يضمنوا لأنفسهم قدراً كبيراً من الحرية، وتجنبوا الالتزام برغم الضغوط التي تعرض لها زعماء الأحزاب في المقابلات، الإعلان مسبقاً، عن الحكومة التي سيشاركون فيها والتي لن يشاركوا فيها، ومن هو المرشح الأفضل في نظرهم لقيادة الدولة. ولكن بعد مرور قليل من الوقت نجح الضغط، [في إرغامهم على إبداء رأيهم] ولا سيما بعد أن فهم زعماء هذه الأحزاب توجهات جمهورهم، وبعد ازدياد خوفهم من أن يؤدي عدم إجابتهم على هذه الأسئلة إلى تفضيل مؤيديهم التصويت للأحزاب الكبيرة.
•استهل أفيغدور ليبرمان المعركة الانتخابية وكأنه لا يدين بشيء لأحد. لكنه خاف من تسرب مقاعده كما أظهرت الاستطلاعات فتعهد بتأييد نتنياهو الذي لم يتردد في السابق في مهاجمته. وهذا ما حدث أيضاً مع حزب البيت اليهودي. وحاول أرييه درعي أن يعطي انطباعاً بالاستقلالية، لكنه فهم أن مؤيديه هم من اليمين المتشدد، وفي مواجهته مع إيلي يشاي قام بالخطوة المنطقية بالنسبة له فأعلن تأييده نتنياهو. أما يشاي الذي يترأس حزباً أكثر يمينية فقد التزم بدعم نتنياهو. وعلى الرغم من عدم التزام حزب يهدوت هتوراة علناً، فسيكون من الصعب ألا يمنح دعمه لنتنياهو.
•منذ البداية لم تتردد ميرتس في دعم ترشيح هيرتسوغ لرئاسة الحكومة لأنه لم يكن لديها خيار آخر، ولأن مؤيديها يريدون أن يتأكدوا من انها لن تمتنع عن دعم ترشيح زعيم المعسكر الصهيوني. أما القائمة العربية المشتركة التي أعلن زعماؤها أنهم لن يشاركوا في أي حكومة مقبلة، فقد تجنبوا الإعلان مسبقاً عن دعمهم لهيرتسوغ لأن ناخبيهم لا يحبون الاسم الجديد للحزب الذي يتزعمه (وقد رأينا ماذا جرى في قضية الاتفاق على فائض الأصوات، إذ رفضت القائمة الاتفاق مع المعسكر الصهيوني وحتى مع ميريتس). وفي جميع الأحوال فمن الواضح للجميع أن هذه القائمة لا يمكن أن توصي الرئيس بتكليف نتنياهو.
•أما يائير لبيد فقد أعلن انه سيبذل كل ما في وسعه لمنع نتنياهو من العودة إلى كرسي رئاسة الحكومة للمرة الرابعة، مضيفاً أنه لا يرى نفسه مرشحاً لهذا المنصب في هذه المرحلة، وهو سيجد نفسه يدعم هيرتسوغ، حتى لو لم يعلن ذلك. ويبدو أنه حتى موشيه كحلون توصل إلى استنتاج أن تحقيق هدفه الأساسي للوصول إلى وزارة المال يمر عبر عدم الالتزام مسبقاً بدعم أي من الطرفين.
•إن الصراع الحقيقي بين المعسكر الصهيوني والليكود هو في الحصول على الكتلة المانعة الطبيعية بالنسبة لكل منهما، أي من دون كحلون. وتعطي الاستطلاعات لكل كتلة من 53 إلى 57 مقعداً، وبذلك يبدو أن هذا الهدف ممكن التحقيق، وهما تشكلان الخيار الحقيقي المطروح أمام الناخبين في الأسبوع المقبل.
•إن المعكسر الصهيوني ولا سيما بعد التحالف بين هيرتسوغ وليفني، وضع في مركز اهتمامه الموضوع السياسي، أي انهاء الاحتلال والسعي نحو سلام إسرائيلي - فلسطيني على أساس المبادرة العربية لسنة 2002. ومن شأن نظرته التي تستند إلى السلام مع جيراننا أن تغير إسرائيل وتخلصها من المقاطعة الاقتصادية وأن تؤدي إلى تعاونها مع الدول التي هي بحاجه إليها. كما ستؤدي هذه النظرة إلى قيام شبكة سياحة مشتركة واستخدام مشترك للطاقة والمياه. والأهم من هذا كله أنها ستفتح أمامنا العالم العربي كله. وسيحول السلام إسرائيل إلى ما يجب أن تكون عليه: دولة يهودية ديمقراطية وعضوا محترما في العالم الحر من دون وصمة السيطرة على شعب آخر. ويشارك حزب يوجد مستقبل وميرتس في هذه النظرة.
•ويرفع الليكود أيضاً الراية السياسية أكثر مما يعلي الراية الاجتماعية لأن اليمين يمكن أن يصور عدم التقدم السياسي كإنجاز، في حين أن الوضع الاجتماعي الاشكالي لا يمكن تصويره كذلك. والنضال ضد حصول إيران على السلاح النووي أساسي، وكذلك الشروط المتصلبة التي يطرحها من أجل التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.
•وكما ذكرنا سابقاً، فإن الخيار هو بين أمرين: الطرف الوطني الذي يريد أن يرى إسرائيل جزءاً من العالم الديمقراطي، والتأكد من أن إسرائيل ستبقى دولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية مع إعطاء الحقوق الكاملة للأقليات، في مواجهة الطرف القومي الذي يخاف كثيراً من السلام في منطقتنا، وعلى الرغم من إدراكه خطورة خسارة الأغلبية اليهودية فإنه يفضل تأجيل إنهاء الاحتلال قدر الممكن، ويتحدث عن إدخال تعديلات على الوضع القائم من دون القيام بخطوات دراماتيكية. في الماضي كانوا يسمون ذلك يساراً ويميناً.