هل يكون هجوم الجولان سبباً للمواجهة بين إسرائيل ومحور إيران- سورية- حزب الله؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

•في سياق الهجمات الجوية التي نُفذت السنة الماضية داخل سورية بهدف اعتراض انتقال السلاح من إيران إلى حزب الله، فإن الهجوم الذي نُفذ في 18 كانون الثاني/يناير 2015 ضد أعضاء من حزب الله وقادة قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني في هضبة الجولان، بالقرب من القنيطرة، والمنسوب لإسرائيل، اعتبره حزب الله وإيران وسورية تغييراً في قواعد اللعبة من جانب إسرائيل. مما لا شك في أن هجوماً من هذا النوع استهدف رمزاً مثل جهاد مغنية ومحمد علي الله دادي وهو ضباط إيراني كبير في قوة القدس، قد رفعت درجة التوتر بين إسرائيل وحزب الله وإيران التي يتشكل منها "المحور" [محور المقاومة] . ويتركز الاهتمام اليوم على محاولة التنبؤ بما سيكون عليه رد حزب الله سواء بالتنسيق مع إيران أو بصورة منفصلة، وأيضاً تقدير الاعتبارات التي ستوجه رد "المحور". 

•في نظر حزب الله وإيران فإن ما جرى هو بمثابة تجاوز للخط الأحمر يجب أن تدفع إسرائيل ثمناُ باهظاً له، وهو تغيير لقواعد اللعبة التي وضعت منذ نشوب الحرب الأهلية في سورية، مما يدل على أن صورة ردع حزب الله التي سادت منذ حرب لبنان الثانية [تموز/يوليو 2006] آخذة في التآكل. لقد وجهت إسرائيل عدة ضربات إلى الحزب - بدءاً من اغتيال عماد مغنية سنة 2008، مروراً باغتيال حسن اللقيس سنة 2013 في بيروت، وانتهاء بالهجوم الأخير. يضاف إلى ذلك العديد من العمليات المنسوبة لإسرائيل التي استهدفت شحنات السلاح ووقعت داخل الأراضي السورية، وكشف شبكة التجسس داخل الحزب المشتبه بأنها كانت تتعاون مع إسرائيل.

•كانت ردود حزب الله على هذه الأحداث ضعيفة نسبياً، وتضمنت رداً قوياً واحداً هو الهجوم الذي وقع في تموز/يوليو في بورغاس في بلغاريا، بالإضافة إلى محاولات فاشلة للقيام بهجمات أخرى في الخارج وهجمات محدودة في شمال هضبة الجولان وفي هار دوف [مزراع شبعا] خلال العام 2014. في ضوء ذلك يمكن افتراض أن حزب الله وأسياده الإيرانيين يعتقدون أن عليهم تجديد الردع في مواجهة إسرائيل، وعدم التخلي عن مبدأ ضرب إسرائيل التي في رأيهم لا تفهم إلا لغة القوة، والعمل وفقاً لروح المقاومة. وفي رأيهما، فإن مواصلة ضبط النفس في مواجهة إسرائيل سيشجعها على الاستمرار في التوجه نحو التصعيد مما سيؤدي إلى تراجع مكانة حزب الله كقائد للمقاومة. ويستند هذا التقدير لنوايا الحزب إلى تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الأخيرة، وإلى التصريحات التي أدلى بها ناطقون باسم الحزب بعد الهجوم الأخير من أجل الحصول على الشرعية للرد.

•لكن أي خطوات لرد دراماتيكي يتخذها حزب الله وإيران ستنطوي على مخاطر ملموسة للتدهور نحو الحرب - وهذا ما لا يرغب فيه أي طرف من الأطراف المتورطة: لا حزب الله، ولا إيران، ولا سورية، ولا إسرائيل. ولا يعود هذا فقط إلى غرق حزب الله حتى رقبته في حرب لا يوجد حل لها في سورية، ولا سيما في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في سورية والعراق التي تستهلك طاقة الحزب في عدد من الجبهات، كما أنه يتعين عليه مواجهة مشكلات داخلية، أي الوضع الداخلي اللبناني.

•بعد مرور عدة أيام على الضربة الموجعة والمهينة سواء على مستوى الوعي أم على المستوى العسكري، يدرس حزب الله خطواته، ويطلق تصريحاته المتوقعة ويجمع شرعية ويعد رده. لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا يجري تحت السطح؟ وما هي الاتصالات التي تجري بين إيران وحزب الله؟ وما المنطق الذي سيملي طريقة عمل "المحور"؟ مما لا شك فيه أن طهران تولي اهتماماً كبيراً لأصداء النقاش المتعلق بما إذا كانت إسرائيل قد عرفت بوجود ضابط إيراني ومساعدين له في القافلة، وكيف أثر ذلك على قرار الهجوم. باستثناء ذلك، فإن الاعتبارات الإيرانية أكثر شمولاً من الزاوية اللبنانية – السورية لحزب الله، وهي تتركز على مكانة إيران الإقليمية والدولية. ويتعين على متخذي القرارات في طهران أن يأخذوا في حسابهم الصراع على الهيمنة الإقليمية في مواجهة السعودية؛ وعدم معارضة الدول الغربية سيطرة إيران على مواقع في العراق وسورية ولبنان وأماكن أخرى بواسطة مجموعات شيعية وغير شيعية هي بمثابة وكلاء (Proxies) لإيران؛ وهناك أيضاً المفاوضات بشأن المسألة النووية التي تدور مع الدول العظمى. هذه الموضوعات المهمة تدخل ضمن مجموعة الاعتبارات التي ستؤدي في النتيجة إلى قرار سيترجم إلى طريقة عمل تحدد  الطرف الذي سينفذ وتاريخ العملية والجبهة والمخطط. وعلى أية حال، يبدو أن ما يجري الحديث عنه هو عملية منسقة من جانب "محور إيران- سورية- حزب الله"، وسيكون دور سورية في اتخاذ القرارات هامشياً على الرغم من أن الحادثة وقعت في أراضيها.

•وتتأثر شبكة الاعتبارات لما سيقدِم عليه "المحور" أيضاً بسياسة الممانعة كما بدت في الفترة الأخيرة: فللمرة الأولى لا يخفي الإيرانيون وجودهم في هضبة الجولان، الأمر الذي كان يعتقد أنه غير معقول. كما يسمح حزب الله لنفسه بحرية حركة ووجود قوي في الهضبة حيث يعمل على بناء بنية تحتية لمهاجمة إسرائيل لا للدفاع عن دمشق. وفي نظر "المحور" إذا كانت إسرائيل تسمح لنفسها بالعمل بحرية في قطاع جبهة الجولان من خلال تقديم المساعدة على مستويات مختلفة لمعارضي نظام الأسد، فإن معنى هذا أن الواقع قد تغيّر وأن هضبة الجولان – التي تحولت إلى أرض غير خاضعة لسلطة أحد- أخذت تشكل جبهة صراع أساسية بين "المحور" وإسرائيل، وهي المكان الذي يجب أن تحدد فيه القواعد الجديدة للعبة.

•يبدو أن حزب الله وإيران يبحثان عن رد عنيف ملائم من أجل ترميم الردع والتلميح لإسرائيل بأنهما يرفضان تغيير قواعد اللعبة، لكن من دون الانزلاق إلى الحرب. 

•تستطيع إسرائيل من جهتها التأثير على رد "المحور" بعدد من الطرق. أولاً تعمل إسرائيل منذ الآن على تحسين نوعي لمكوّنات الدفاع في الشمال وتقليص ظهور خطواتها بهدف منع إتاحة فرص عملانية. ويبدو أن هدف الخطة التي تقودها إسرائيل إلى جانب تحقيق الهدوء والأمن، هي عدم السماح لإيران وحزب الله بإقامة موقع سيطرة لهم وبناء بنية تحتية إرهابية في الجولان. وفي هذه الأثناء يتشكل في الجبهة الشمالية واقع جديد يظهر خلاله ترابط – لا رجوع عنه - بين جنوب لبنان وهضبة الجولان، وذلك بسبب توسع جبهة نشاط حزب الله وازدياد اعتماد الأسد عليه. ويسمح هذا التطور بمعادلة مفادها أن أي عملية لحزب الله في أراضي سورية ستؤدي إلى رد إسرائيلي في أراضي لبنان، أو أن أي عملية للحزب من لبنان ستؤدي إلى هجوم محتمل على أرصدة النظام في سورية. إن رسائل من هذا النوع من شأنها التأثير في اعتبارات حزب الله وإيران عندما يقرران الهجوم على أهداف إسرائيلية، فكم بالأحرى إذا كان المقصود محاولتهم تحويل قطاع هضبة الجولان إلى ساحة مواجهة مفصولة ومعزولة عن جنوب لبنان.

•في الخلاصة، يجب أن تكون نقطة الانطلاق الإسرائيلية أن ما جرى هو جزء من مواجهة مع "محور" إيران وحزب الله الذي لن يسكت عن الاغتيال الذي استهدف كبار قادته، وأن توازن الردع والتعادل بين الطرفين على وشك الانهيار. يبقى أن ننتظر كي نرى كيف ستقوم إيران وحزب الله بوضع قواعد اللعبة من جديد، مع الأخذ بالاعتبار الظروف المفروضة عليهم في الداخل والخارج. 

 

•أما في ما يتعلق بإسرائيل فيتعين عليها أن تظهر إصرارها وألا تتجنب التصعيد لأن مصلحتها تقتضي منع تأسيس موقع لإيران وحزب الله في الجولان يشكل منصة لمهاجمتها في الزمان والظروف المؤاتية لهما.