•اغتيال جهاد مغنية أثناء مشاركته بدورية كانت تقوم بأعمال استكشاف على طول الحدود الإسرائيلية- السورية شمالي القنيطرة مع شخصيات إيرانية، كان يهدف استناداً إلى إسرائيل إلى احباط هجوم كان يخطط له مغنية ورفاقه. لكن إلى جانب ذلك كان هدف الهجوم بصورة أساسية نقل رسالة واضحة مفادها اصرار إسرائيل على عدم السماح لحزب الله وإيران بالسيطرة على منطقة الحدود وتحويل هضبة الجولان السورية إلى قاعدة للهجمات ضدها بما يشبه الوضع الذي كان سائداً على طول خط الحدود الإسرائيلية – اللبنانية حتى حرب لبنان الثانية سنة 2006.
•تأتي محاولة حزب الله تحويل هضبة الجولان إلى ملعب يستطيع فيه محاربة إسرائيل والتصارع معها بعيداً عن القرى والبلدات الشيعية في جنوب لبنان على خلفية زيادة تدخله في الحرب الأهلية الدائرة في سورية، إذ ينتشر اليوم آلاف من مقاتلي الحزب في شتى أنحاء هذه الدولة، وقد قتل المئات منهم في المعارك التي خاضوها في السنة الأخيرة ضد الثوار السوريين من أجل ضمان صمود بشار الأسد في السلطة.
•لقد أصبح هذا الهدف اليوم هدفاً استراتيجياً لكل من حزب الله وإيران، وأكثر أهمية حتى من النضال ضد إسرائيل. ففي النهاية تشكل سورية أنبوب الأوكسيجين الذي من خلاله يتدفق السلاح والمال الإيراني إلى لبنان. بالاضافة إلى ذلك، فإن سقوط بشار الأسد سيؤدي إلى دخول داعش إلى لبنان وسيشكل خطراً ليس على حزب الله فحسب، بل على مؤيديه الشيعة في لبنان.
•وهكذا يتضح أن الدفاع عن بشار مهما كان الثمن هو نقطة ضعف نصر الله، وقد يكون أيضاً هو السبب الذي يجعل الحزب لا يسارع إلى الانتقام من إسرائيل ردّاً على اغتيال عناصره وإلى التسبب بتدهور المنطقة نحو حرب جديدة.
•إن حرب لبنان الثالثة بين إسرائيل وحزب الله ستكون إلى حد بعيد تكراراً لحرب لبنان الثانية أو عملية الجرف الصامد، لكن الفارق سيكون في حجم الدمار الذي سيتعرض له الطرفان وكذلك في عدد القتلى. وليس من مصلحة نصر الله نشوب مثل هذه الحرب التي سيدفع ثمنها مؤيدوه من الطائفة الشيعية في لبنان، لكنه طوال سنوات لم يرتدع عن السير حتى النهاية في استفزاز إسرائيل اعتقاداً منه أنه قادر على الصمود في مواجهة مثل هذه الحرب إذا فرضت عليه.
•وحتى لو جرى تدمير آلاف أو عشرات الآلاف من المنازل في لبنان، فإن هذا لن يؤدي إلى نهاية التنظيم، تماماً مثلما لم يؤد تدمير الضاحية الجنوبية خلال حرب لبنان الثانية صيف 2006 إلى تدمير حزب الله، وتماماً مثلما لم يؤد الدمار في قطاع غزة في عملية الجرف الصامد [تموز/يوليو 2014] إلى القضاء على "حماس".
•من هذه الناحية، فإن مصير بشار الأسد هو الذي سيكسر التوازن والذي يمكن أن يحسم مصير المواجهة المقبلة. تستطيع إسرائيل بقليل من الجهد التسبب بانهيار نظام بشار في سورية الذي يقف على شفير الهاوية، إذ يكفي أن نقوم بشل وتعطيل المطار الدولي في دمشق، أنبوب الأوكسيجين لكل من حزب الله وإيران، والصلة الوحيدة التي تربط نظام الأسد في دمشق مع العالم الخارجي، كي نوّجه إلى الأسد ضربة قاضية.
•في مثل هذه الحالة، فإن نتائج جولة جديدة من القتال بين إسرائيل وحزب الله لن تكون تعادلاً دموياً ودماراً متبادلاً يخرج من بعده نصر الله من المخبأ الذي يختبئ فيه ليعلن نصرا إلهيا جديد على إسرائيل.
•من دون الرئيس بشار فإن وضع حزب الله سيكون مختلفاً تماماً وسيئاً. وليس السبب فقط أرجال الثوار المتعطشين للانتقام الذين سينقضون كالجراد من كل اتجاه بقيادة داعش على لبنان وعلى أبناء الطائفة الشيعية التي تعيش هناك. ففي النهاية قطع أنبوب الأوكسيجين سيشكل كارثة بالنسبة لعملية بناء حزب الله قوته وسيلحق بها ضرراً كبيراً ربما يؤدي إلى توقفها.
يعرف نصر الله والإيرانيون ذلك، وهنا تكمن معضلة بيروت وطهران ألا وهي البحث عن رد يتحدى إسرائيل وفي الوقت عينه يحافظ على "الابن المدلل" بشار الأسد.
•وربما كان نصر الله وإيران يبنبانعلى أنه مثلما جرى في عملية الجرف الصامد، فإن إسرائيل هذه المرة أيضاً ستفضل بقاء بشار الأسد في منصبه كي لا يأتي مكانه داعش وجبهة النصرة.