القيادة السياسية الإسرائيلية تحاول كنس الأجوبة على الأسئلة الصعبة والمبدئية المتعلقة بـ"الجرف الصامد" تحت البساط
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف

•ما دام الجمهور العريض في إسرائيل لم يتلق حتى الآن أجوبة مقنعة على عدة أسئلة صعبة ومبدئية حول عملية "الجرف الصامد" العسكرية [التي قام الجيش الإسرائيلي بشنها في قطاع غزة يوم 10 تموز/ يوليو 2014 واستمرت 50 يوماً]، فإن لسكان مستوطنات غلاف غزة سبباً وجيهاً لعدم الثقة برجاحة رأي الجيش والحكومة.

•في الصيف الأخير، قبل نحو خمسة أشهر اندلعت هنا حرب "الجرف الصامد"، وكانت حرباً لم نخطط لها وجُررنا إليها، وتقررت أهدافها كما يبدو في آخر لحظة وعلى عجل. وسقط فيها 72 قتيلاً معظمهم جنود من أفضل أبنائنا قاتلوا ببسالة وتفانٍ شديد وبتصميم مثير للإعجاب، لكن على ما يبدو ليس بأفضل الوسائل، من أجل تدمير منظومة من عشرات الأنفاق الهجومية التي حفرت من قطاع غزة إلى أراضي دولة إسرائيل.

•من الواضح أنه لم تكن هناك أي مفاجأة استخباراتية في كل ما يتعلق بمسألة الأنفاق الهجومية هذه. وبحكم اطلاعي الشخصي العميق على هذه المسألة، يمكنني أن أقرّر بيقين تام ما يلي: حتى أيار/ مايو 2011، موعد إنهاء مهمات منصبي كرئيس لجهاز الشاباك (وأنا مستعد لأن أُحاسب على أي كلمة أقولها)، كانت لدى الشاباك وقيادة المنطقة العسكرية الجنوبية وشعبة الاستخبارات العسكرية ["أمان"] معلومات استخباراتية كثيرة ونوعية (حتى وإن لم تكن كاملة)، جُمعت على مدى أعوام طويلة حول هذه الأنفاق الهجومية. وبسبب الخطورة الشديدة لهذا الموضوع فقد حظي بمعالجة خاصة وبأولوية عليا.

•إن بحثاً قصيراً في محرّك "غوغل" من شأنه أن يغرقنا بروابط عديدة لتقارير رُفعت على مدار الأعوام الثمانية الفائتة إلى لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، وخلال جولات خاصة للمراسلين العسكريين، وبطبيعة الحال إلى اجتماعات الحكومة، حول الأنفاق التي حُفرت من قطاع غزة إلى أراضي دولة إسرائيل لغرض تنفيذ عمليات عسكرية. كما عملت مجموعات عمل استخباراتية وعملانية في الشاباك وقيادة المنطقة العسكرية الجنوبية وشعبة "أمان"، في جمع معلومات حول هذه الأنفاق وقامت بتحليلها وتقويمها جرّاء فهم عميق ساد في المؤسسة الأمنية بشأن التهديد الخطير المحدق من جراء هذا الأمر.

•ولمن لا يذكر، فإن أحد الأسباب الرئيسية للتدهور الذي حدث بعد فترة "التهدئة" سنة 2008 وأدى إلى عملية "الرصاص المصهور" يعود إلى إصرار الشاباك وقيادة المنطقة العسكرية الجنوبية على معالجة نفق هجومي كهذا حُفر باتجاه كيبوتس ناحل عوز قبل نحو شهر ونصف الشهر من مبادرة إسرائيل إلى شن تلك العملية. وبالمناسبة، ففي تلك العملية تم تفجير البيت المفخّخ الذي حُفر منه النفق ضد قوة من الجيش الإسرائيلي وصلت إليه من دون أن يتسبب ذلك بوقوع إصابات في صفوف القوة.

•وأيضاً بعد انتهاء عملية "الرصاص المصهور" (في كانون الثاني/ يناير 2009)، استمر جمع المعلومات عن الأنفاق، وبنشاط أكبر. وكان واضحاً أن حركة "حماس" تركز جهوداً استثنائية في هذا المجال، ولذلك بقي هذا الموضوع ذا أولوية عالية جداً سواء في الشاباك أو في قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية وشعبة "أمان".

•إن الأسئلة المبدئية التي لم يتم إلى الآن تلقي أجوبة عليها هي:

•أولاً، في نهاية سنة 2012، قبل نحو سنة ونصف السنة من عملية "الجرف الصامد"، شنّت دولة إسرائيل عملية "عمود سحاب"، ولهذا الغرض تم تجنيد كبير لتشكيلات الاحتياط. ولا شك في أن الصورة الاستخباراتية المتعلقة بتهديد الأنفاق الهجومية والدالّة على خطورته الشديدة، كانت واضحة تماماً للجميع في ذلك الوقت. فهل يحتمل أن يكون مفهوم "الصواريخ ستصدأ" الذي يُعزى إلى موشيه يعلون كرئيس لهيئة الأركان العامة في مواجهة حزب الله، ضرب جذوره مرة أخرى في عهد بنيامين نتنياهو وإيهود باراك ويعلون أيضاً في سياق التعامل مع الأنفاق الهجومية من القطاع؟ وبالتالي، لماذا لم يجر الحديث عن تهديد الأنفاق وعن الحاجة إلى معالجته أثناء الاستعداد لـ"عمود سحاب"؟ ولماذا لم يتم شن عملية برية في القطاع منذ ذلك الوقت لمعالجة الأنفاق برغم أنه تم تجنيد تشكيلات الاحتياط وعلى نطاق واسع جداً؟

•ثانياً، لا شك في أن هذه المعلومات الاستخباراتية عرضت على نتنياهو وعلى وزير دفاعه باراك في فترة حكومة نتنياهو الثانية سنة 2009، وعلى وزير الدفاع يعلون في فترة الحكومة الأخيرة، بل إن نتنياهو ادعى أنه عيّن مستشار الأمن القومي في حينه اللواء احتياط يعقوب عميدرور لتنسيق معالجة موضوع الأنفاق. وأكد عميدرور نفسه ذلك، بل هو قال بصدق إنه لم يجر عمل الكثير في هذا الشأن. فهل يعني ذلك إخفاق القيادة السياسية التي لم تعط أولوية للموضوع؟ أم ربما أن القيادة الأمنية (الجيش والشاباك) لم تطرح المدلولات الاستخباراتية التي في حيازتها بشأن هذا الموضوع كما ينبغي على رئيس الحكومة ووزير الدفاع والمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية - الأمنية؟ 

•ثالثاً، قبل شهر ونصف الشهر من عملية "الجرف الصامد" اتخذ قرار غريب للغاية يقضي بتقليص ملاك المسؤولين عن الأمن الجاري في مستوطنات غلاف غزة. فكيف اتخذ مثل هذا القرار إذا كان تهديد الأنفاق الهجومية واضحاً للجميع؟ من تجربتي أستطيع القول إن هذا القرار الهامشي ظاهرياً بالذات، يمكنه أن يشهد باحتمال كبير على وجود إخفاق خطير في تقييم الوضع وفي الإحساس العام السائد في جهاز الأمن في ذلك الوقت إزاء موضوع الأنفاق.

•رابعاً، هل يحتمل أن يكون قادة المؤسسة الاستخباراتية والأمنية (ولا سيما رئيس هيئة الأركان ورئيس شعبة "أمان" ورئيس الشاباك) لم يطرقوا عشية "عمود سحاب" ولا عشية "الجرف الصامد"، بابَي وطاولتي وزير الدفاع ورئيس الحكومة في هذا الشأن؟

•خامساً، كيف كان نتنياهو ويعلون على استعداد لوقف إطلاق النار قبل البدء بشن العملية البرية في القطاع برغم المعلومات الكثيرة حول الأنفاق الهجومية التي حفرت إلى أراضينا، وبرغم أنه كان هناك تحذير واضح (وبحسب معلوماتي لم يكن حول هذا جدل بين الشاباك وشعبة "أمان")، بشأن العملية الاستراتيجية من خلال النفق في منطقة كيرم شالوم [كرم أبو سالم]؟

•إن من طبيعة الحروب والعمليات العسكرية أن تكشف نقاط الخلل. لكن الأخطر من ذلك عدم استنفاد التحقيقات وتطبيق الدروس اللازمة. أنا على اقتناع بأن الجيش والشاباك أجريا تحقيقات عديدة، لكن القيادة السياسية أيضاً ملزمة بتقديم حساب لنا، للجمهور، عن سلوكها وقيادتها وقراراتها أثناء عملية "الجرف الصامد"، والتي تحوم حولها علامات استفهام عديدة.

•ومثل كثيرين آخرين، لديّ إحساس قوي جداً بأن القيادة السياسية تحاول كنس الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بـ"الجرف الصامد" تحت البساط. إن بعض هذه الأسئلة يشير إلى إمكانية ارتكاب تقصير خطر وإلى إشكال في رجاحة الرأي في عملية اتخاذ القرارات.

•وفي ظل انعدام الإجابات على هذه الأسئلة المهمة، فإن لسكان مستوطنات غلاف غزة أسباباً شرعية جداً لعدم تصديق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومواصلة كفاحهم العادل ضد قرار إخراج الجنود من المستوطنات التي تقع على بعد أكثر من كيلومتر من السياج الأمني المحيط بالقطاع وضد شطب موضوعهم من جدول الأعمال العام. 

•والآن بالذات ونحن في خضم فترة انتخابات، علينا أن نطالب منتخبينا ولا سيما أولئك الذين يتباهون بأنهم "أمنيون" وذوو "قبضة حديدية"، بتقديم حساب في هذا الشأن.

•ماذا لدى نتنياهو "الأمني" ليقول حيال ذلك؟ وهل كان الوزيران نفتالي بينت وأوري أريئيل ["البيت اليهودي"] سيقبلان بصمت تقليصاً كهذا لقوات الحماية للمستوطنين في القدس أو في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]؟ وما هو موقف وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان؟ أم أنه مشغول الآن بإطفاء النار التي تضرمها التحقيقات حول قضايا الفساد في "إسرائيل بيتنا"؟ وكذلك أسأل كل من هم خارج الحكومة الآن، أين أنتم من هذا الشأن؟