عرب سيئون وعرب أقل سوءاً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

•لا يمكن للمرء ألا يندهش من سذاجة القاضي سليم جبران العضو في المحكمة العليا عندما قال خلال نقاش موضوع رفع نسبة الحسم في الانتخابات: "كيف ستبدو إسرائيل في نظر العالم عندما لا تكون هناك قوائم عربية؟". من يهمه يا حضرة القاضي المحترم كيف ستبدو إسرائيل أمام العالم كله من دون قوائم عربية تحديداً؟. ألا تفهم يا سيدي القاضي أن حكومة إسرائيل بزعامة نتنياهو وجوقته العنصرية يؤمنون بأن العرب يجب ألا يكونوا أعضاء في الكنيست مع نسبة حسم أو من دونها. ألم يسمع عن خطة ليبرمان التي تهدف إلى التخلي عن الوجود العربي في إسرائيل وإرسالهم إلى الضفة الغربية؟ ألا يكفي ما قدمته إسرائيل إلى الأقلية العربية بتعيين قاض عربي في المحكمة العليا؟

•يُصور العرب كما هو معروف بأنهم كتلة واحدة موحدة متماسكة. والديمقراطية الإسرائيلية المتنورة وقعت في الفخ المنصوب لها، وسمحت لهم ليس فقط بتشكيل أحزاب خاصة بهم تمثلهم في الكنيست، بل بإظهار التعدد في الآراء والمواقف كذلك. ونتيجة لذلك اعتقد العديد من اليهود أن هناك عرباً متطرفين وآخرين أقل تطرفاً، وأن هناك عرباً يرغبون بالعيش بسلام في إسرائيل، وآخرين يريدون السيطرة عليها، عرباً سيئين وعرباً أقل سوءاً.

•لا تستطيع الديمقراطية الإسرائيلية أن تغض بصرها بعد اليوم، ويجب عليها أن تدافع عن نفسها في مواجهة العدو الذي يتربص بها من جانب 20% من المواطنين، والخطوة الأولى المطلوبة هي في وضعهم ضمن معسكر سياسي واحد. وربما في مرحلة مقبلة إجبارهم على الاقتراع لأحزابهم الموحدة فقط ومنعهم من التصويت لأحزاب يهودية صهيونية.

•ومن حسن الحظ أنه في محكمة العدل العليا كانت هناك القاضية أستير حيوت التي طرحت حجة حادة كالسيف. ففي رأيها لا مبرر لمنع رفع نسبة الحسم لأن العرب لا يكلفون أنفسهم عناء التوجه الى صناديق الاقتراع، وتساءلت: "لماذا لا يصوت الناخبون العرب بمعدل أعلى من %50؟ وهل الجمهور الذي اختار عدم المشاركة في الانتخابات يستطيع أن يدعي أنه يتعرض للإقصاء؟". ونسيت القاضية أن تسأل لماذا لا يشارك هؤلاء العرب المتقاعسون بنسبة أكبر في الانتخابات؟ الجواب موجود في عشرات الأبحاث التي توصلت إلى قاسم مشترك حصيلته اقتناع العرب في إسرائيل بأنهم لا يستطيعون التأثير في الحياة السياسية أو أن يحسنوا ظروف حياتهم من خلالها.

•السبب الثاني الذي لا ينفصل عن الأول هو خيبة الأمل من أسلوب أداء أعضاء الكنيست العرب. وفي الواقع، فإن الاقصاء البنيوي للعرب هو الذي أدى إلى الابتعاد عن الحياة السياسية وليس سلبيتهم هي التي أدت إلى إقصائهم. والدليل على ذلك أنه خلال السنوات الأولى للدولة، وقبل أن يصاب العرب بخيبة الأمل، تأرجحت نسبة مشاركة العرب في الانتخابات بين 90% سنة 1955، و82% في 1965. وفي السبعينيات تراجعت نسبة المشاركة إلى 70% مع نمو الشعور بالإبعاد والإقصاء. ومن المثير للاهتمام أنه في سنة 1999 منح نحو 99% من العرب أصواتهم إلى إيهود باراك الذي زرع الآمال مع شعاره الكاذب "دولة الجميع".

•لقد أخطأت القاضية حيوت. فتحديداً نسبة الحسم المنخفضة هي التي تسمح بظهور أحزاب عربية جديدة وشابة تستطيع منافسة الأحزاب العربية القديمة، ومن شأنها أن تشجع على المشاركة في الانتخابات. لكن يبدو أن هذا الهدف ليس هو ما تسعى إليه القاضية التي تفضل كتلة عربية عديمة الظلال تعكس النظرة اليهودية العامة والأحادية إلى الأقلية العربية. ومن الصعب أن تجد يهوداً يعرفون من وراء الحروف الأولى للأحزاب العربية، ولا يميزون بين إيديولوجياتها، فبالنسبة إليهم هناك جماعة واحدة هي "العرب".

•إن نسبة الحسم العالية أو المنخفضة لن تساهم في تحسين وضع العرب في إسرائيل أو تسيء إليهم، لكنها قد تشكل مقياساً لطبيعة الديمقراطية في إسرائيل. ويبدو أن القاضي جبران وحده تقلقه هذه المشكلة الثانوية.