إسرائيل ومصر تشددان الخناق حول "حماس" في قطاع غزة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•الحرب التي جرت هذا الصيف في قطاع غزة لا تزال مستمرة في التأثير على علاقة إسرائيل بالمعسكرين الفلسطينيين، وذلك بعد مرور أكثر من شهرين على إعلان وقف النار بين إسرائيل و"حماس". واستناداً إلى أحداث الأيام الأخيرة، يبدو أن القدس ليست في منأى من التصعيد الخطير في حين تشهد غزة عودة التوتر. وفي الحالتين يبدو أن التوتر سببه شبكة العلاقات المعقدة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية و"حماس" (التي تتدخل فيها مصر والأردن)، وتعود جذوره إلى أحداث الصيف.

•لقد أعلنت الشرطة كبح الانتفاضة المدنية التي شهدتها القدس منذ مقتل محمد أبو خضير في تموز/يوليو الماضي، وذلك في ضوء الهدوء النسبي الذي ساد المدينة نهاية هذا الأسبوع. لكن يمكن تفسير عودة الهدوء النسبي بعد محاولة اغتيال يهودا غليك والمقتل السريع للمشتبه بقيامه بالعملية، بأنه عائد إلى الطقس العاصف الذي أبعد المتظاهرين عن الشوارع، وإلى القوات الكبيرة التي دفعت بها الشرطة إلى المدينة. ومن زار القدس في الأيام الأخيرة خُيّل إليه أنها واقعة تحت احتلال عسكري محكم. وكان يمكن مشاهدة رجال الشرطة وحرس الحدود في كل زاوية إلى جانب السيارات العسكرية المصفحة في الشوارع وبالونات المراقبة في السماء.

•لكن عاجلاً أم آجلاً سيضطر قائد الشرطة إلى إعادة الجزء الأكبر من رجال الشرطة إلى مواقعهم الأساسية. ونظراً إلى عدم تغير الأسباب الأساسية لنشوب الاضطرابات - عشرات السنوات من الإهمال في القدس الشرقية، وازدياد أعداد الخطوات الاستيطانية، واستمرار التوتر القومي والديني، فمن الصعب رؤية استمرار الهدوء الكامل لوقت طويل.

•من الصعب تجاهل أن للقيادة في السلطة الفلسطينية مصلحة واضحة في استمرار النضال الشعبي في القدس المدعوم من جانب أغلبية الجمهور في المناطق، والذي لا يعتبر في العالم عملاً إرهابياً حقيقياً. وحسناً فعل رئيس الحكومة عندما عاد وصرح بالأمس بأنه لن يسمح بتغيير الوضع القائم وترتيبات العبادة في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]. لكن الفلسطينيين والأردن لا يستمعان إلى نتنياهو فقط، بل إلى الوزير أوري أريئيل الذي تعهد بالأمس في مقابلة إذاعية بإعادة تشييد الهيكل. وإذا كان رئيس الحكومة يتوجه فعلاً نحو انتخابات، فثمة شك في أنه سيتخذ خطوات فعلية من أجل كبح الجناح اليميني في ائتلافه. ويمكن افتراض أن مناقصات خطط البناء الجديدة في المدينة لم تنته بعد.

•في هذه الأثناء طرأ تدهور واضح على الوضع في غزة. فحكومة نتنياهو المتهمة بضبط النفس في مواجهة اطلاق الصواريخ قبل الحرب الأخيرة، تريد أن تظهر أكثر صرامة. ورداً على إطلاق الصواريخ على النقب الغربي يوم الثلاثاء أغلقت الحكومة معبري كرم أبو سالم وإيرز. وجاءت هذه الخطوة بعد أيام من الخطوات العقابية الصارمة التي اتخذتها مصر. ففي أعقاب مقتل 33 جندياً مصرياً خلال الشهر الماضي، أغلقت مصر معبر رفح وبدأت  بتنفيذ خطتها في إقامة منطقة عازلة تفصل بين الجزء الفلسطيني من رفح والجزء المصري. وتقوم جرافات الرئيس السيسي بهدم مئات المنازل في الجانب المصري من الحدود، لتقيم نوعاً من منطقة "معقمة" عرضها مئات الأمتار. في الماضي تآمرت "حماس" أكثر من مرة على السيطرة المصرية على سيناء، لكن يبدو اليوم أنه لا صحة للاتهامات المصرية الموجهة ضد الحركة بتقديم المساعدة في الهجمات الأخيرة التي نفذها التنظيم الجهادي المتطرف "أنصار بيت المقدس". 

•تحاول "حماس" في الوقت الراهن استرضاء مصر وأن تنقل عبرها رسائل إلى إسرائيل بأنها ليست من أطلق الصاروخ على النقب، وأن الحركة ما تزال تلتزم بوقف إطلاق النار الذي توسطت مصر لإبرامه بين الطرفين. واعتقلت أجهزة الأمن في "حماس" يوم السبت خمسة مواطنين من القطاع بتهمة تورطهم في اطلاق الصاروخ، وحتى الآن ليس من الواضح إلى أي تنظيم فلسطيني ينتمي هؤلاء. لكن النتيجة العملية لهذه التطورات المختلفة واحدة: الحصار على القطاع يزداد شدة ومساعي إعمار غزة بعد الدمار الذي خلفه الجيش الإسرائيلي في الصيف توقفت تقريباً. وليست عملية نقل مواد البناء وحدها هي المعرقلة، فحتى الآن لم يتحقق شيء على صعيد فتح المعابر من جديد. تطالب مصر والسلطة الفلسطينية بوجود واسع النطاق للحرس الرئاسي التابع لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على المعابر وعلى طول محور فيلادلفي في رفح، الذي من تحته جرى حفر الأنفاق. ويبدو أن "حماس" مستعدة للقبول بوجود موظفين من رام الله على المعابر، لكن وجود رجال شرطة مسلحين أمر مختلف. 

•وفي أي حال، فإن هذه الأحداث تذكر بتلك التي كانت سبباً لبداية التصعيد قبيل الحرب في الصيف. وعلى الرغم من أنه ليس من مصلحة أحد حدوث جولة جديدة من العنف، لكن منذ اللحظة التي تشعر بها "حماس" بتضييق الخناق من حولها، فإن الطريق لنشوب مواجهة جديدة ضد إسرائيل ستكون أقصر مما نتخيل.