انتفاضة فلسطينية شعبية هي جزء من استراتيجية أبو مازن لما بعد انهيار المفاوضات
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف

•تشبه المواجهات في القدس ويهودا والسامرة [الضفة الغربية] ما جرى في فترة الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة" التي شهدت رشقاً للحجارة وللزجاجات الحارقة بلا توقف، وحرقاً للإطارات، وصدامات مع الشرطة في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]، إلى جانب حوادث من وقت إلى آخر من نوع هجوم إرهابي بسلاح ناري، أو تفجير عبوة محلية الصنع أو حادثة دهس. الجديد الوحيد في الانتفاضة الحالية هو استخدام الشباب الواسع النطاق للألعاب النارية ضد الشرطة من أجل إصابتهم بحروق أو إخافتهم، وهي تشكل الرد الفلسطيني على القنابل الصوتية الإسرائيلية. 

•ونقول لجميع الذين لم ينتبهوا (المفوض العام للشرطة خصوصاً) أن ما يجري هو انتفاضة ثالثة. وهي على عكس سيناريوات الرعب التي توقعناها استناداً إلى تجربة الماضي، ليست انتفاضة جماهيرية مثل الانتفاضة الأولى، ولا تشمل هجمات إرهابية كبيرة وقاتلة مثل الانتفاضة الثانية. وهي عملياً مستمرة منذ عشرة أشهر، أي منذ انهيار مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإجراء مفاوضات مباشرة، لكنها لم تحصل على تسمية انتفاضة مثل سابقاتها لأنها تجري بصورة عامة على نار هادئة.

•لقد سرّعت أحداث الصيف الماضي بدءاً من خطف وقتل الشبان [اليهود] في غوش عتسيون، مروراً بمقتل الفتى محمد أبو خضير في القدس وصولاً إلى عملية "الجرف الصامد"، هذه الأحداث وأذكت اشتعال النيران، لكن الانتفاضة كانت موجودة قبل ذلك، وبدأت بمبادرة من أبو مازن. وبعكس الانتفاضات السابقة، فإن اليمين المتطرف- القومي الإسرائيلي يحرص طوال الوقت على تأجيجها من خلال استفزازاته. وهذا الأمر يساعد أبو مازن وأعوانه على إخفاء دورهم في تحريض الشارع الفلسطيني، كما يسمح لهم بالاستفادة من الهيجان سياسياً وإعلامياً.

•إن الانتفاضة الشعبية التي نشهدها حالياً عنصر مهم في الاستراتيجية الفلسطينية لما بعد انهيار المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. وبادر إليها أبو مازن كي تشكل خلفية إعلامية للمعركة الديبلوماسية التي يخوضها على الساحة الدولية. ويحاول رئيس السلطة الفلسطينية بواسطة انتقاضة خفيفة (light) توفير أجواء إعلامية تساعد في دفع المجتمع الدولي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967 من دون التوصل إلى تسوية مع إسرائيل على أي من المطالب، لا على حق العودة، ولا على السيطرة الكاملة على الحرم القدسي الشريف، ولا على الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية.

•ويمكننا أن نفهم أبو مازن، ففي جو الفوضى الذي يسيطر على الشرق الأوسط ليس هناك زعيم فلسطيني عاقل يمكن أن يقدم تنازلات في هذه المسائل ويبقى على قيد الحياة. وفي هذه الأثناء لن يفكر بالتوصل إلى اتفاق موقت قبل أن يتلاشى الغضب. ولا شيء يمنعه من أن يحاول انتزاع دولة فلسطينية من إسرائيل بواسطة الضغط والتهديد بعقوبات دولية.

•هناك من يزعم أن أبو مازن الذي أوجد الانتفاضة الثالثة يلعب بالنار وقد يفقد السيطرة. لكن هذا لن يحدث، فخطر تحول الانتفاضة الشعبية إلى انتفاضة مسلحة ضئيل للأسباب التالية:

1-لأن الجيش الإسرائيلي والشاباك بالتنسيق مع أجهزة الأمن الفلسطينية في السلطة، سحقوا تماماً البنية التحتية للإرهاب في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. وعملية تدمير البنية الإرهابية مستمرة من دون أن تتوقف لبرهة واحدة منذ عشر سنوات، وبنتيجتها خسرت "حماس" والجهاد الإسلامي وسائر التنظيمات الارهابية قدرتها على خوض نضال مسلح حقيقي في الضفة.

2-إن الشارع الفلسطيني ما يزال يعيش تحت وطأة الصدمة الكبيرة الناتجة عن الانتفاضة الثانية. وهو لا يريد العودة إلى تلك الأيام ولا سيما عندما يشاهد الفلسطينيون ما يجري في دول العالم العربي التي انهارت أنظمتها وتحولت إلى مناطق غير خاضعة لحكم معين وتسودها فوضى قاتلة. 

3-لقد اكتسب الجيش والشرطة في إسرائيل خلال فترة الانتفاضة الثانية وبعدها، خبرة وأصبحا أكثر تمرساً في استخدام وسائل وأساليب القتال التي تسمح بتفريق واستيعاب أعمال الشغب مهما كانت واسعة النطاق وحادة، وأصبحت لديهما القدرة على معالجة هذه الأحداث من دون التسبب بوقوع قتلى كثيرين، مما يسمح لقوات الأمن بالمحافظة على برودة أعصابها، وتخفيض شدة الحريق ومنع تصعيد كبير في أوضاع معقدة بصورة خاصة.

•وينطبق هذا أيضاً على أبو مازن الذي يثق اليوم بقواته الأمنية وبقدرتها على حفظ الأمن، وهو يستخدم هذه القوات في كل مرة يتخوف من أن تتحول الانتفاضة الشعبية إلى حرب ارهابية. وبهذه الطريقة فهو مستعد لمساعدة إسرائيل من خلال تقديم المعلومات الاستخباراتية- مثلاً في حادثة المختطفين الثلاثة، ومن خلال المحافظة على هدوء الشارع في الضفة الغربية خلال عملية الجرف الصامد. كما يستطيع أيضاً إرسال خطاب تعزية/ تحريضي واضح إلى عائلة المخرب الذي قُتل بعد محاولة اغتيال يهودا غليك في القدس.

•في بعض الأحيان يصف أبو مازن والناطقون باسمه ما يجري في المناطق بأنها "انتفاضة سلمية". وهذا يمنح التحرك الفلسطيني صورة مقاومة سلمية من شأنها أن تضع أبو مازن تجاه الرأي العالم الدولي في صف المهاتما غاندي ونيلسون مانديلا. لكن الوضع على الأرض اليوم مشتعل بقوة، وهذا لا يعود إلى ما خططه أبو مازن بمقدار ما يعود إلى ما يسعى إليه المتطرفون لدى الطرفين. فأبو مازن ونتنياهو زعيمان ضعيفان عاجزان منذ وقت عن القيام بمبادرة أو القيادة ويكتفيان بالرد، وهما غير قادرين على مواجهة التحديات الكبيرة والجوهرية التي تواجههما والناجمة في أغلبيتها عن الصيف الماضي، وفي المقابل ما يقلقهما ويعملان من أجله هو بقاؤهما السياسي.

•إن أبو مازن لا يستطيع ولا يرغب في تحمل المسؤولية والسيطرة الجزئية على قطاع غزة بما يسمح بالبدء بإعادة إعمار ما دُمّر. وهو غير مستعد للاستجابة إلى مبادرة كيري واستئناف المفاوضات مع إسرائيل خوفاً من "حماس" والجهاد الإسلامي والجناح الصقري في "فتح".

•وليس نتنياهو بأفضل منه حالاً، فهو ليس مستعداً لمعالجة غلاء المعيشة ومشكلات السكن وسيطرة اللجان في الشركات الحكومية. كما أنه غير مستعد في الفترة المقبلة لتحسين علاقة إسرائيل مع إدارة أوباما، أو طرح مبادرة من أجل اتفاق موقت مع الفلسطينيين برعاية ومشاركة دول عربية معتدلة. لذلك ما يجب عليه فعله هو تعليق البناء في المستوطنات والاستيطان اليهودي في الأحياء العربية في القدس الشرقية موقتاً. ومن وجهة نظر شركائه في الائتلاف المستقبلي- ومن وجهة نظره هو أيضاً - فإن هذا الأمر ليس وارداً في الحسبان.  

•يتخوف كل من أبو مازن ونتنياهو من أنهما إذا فعلا المطلوب منهما فإنهما سيخسران السلطة. لهذا يتودد نتنياهو إلى اليمين الديني القومي والحريديم، ويعبر أبو مازن عن تعاطفه مع مرتكبي الهجمات الارهابية. والأسوأ من ذلك إن إدارة أوباما خسرت قدرتها على التأثير على الزعيمين ودفعهما إلى التصرف بمنطق وفقاً لمصالح شعبيهما، لا وفق مصالح بقائهما السياسي الشخصي.

•وكانت النتيجة ما نراه على الأرض: انتفاضة ثالثة يتخوف الزعيمان نتائجها ولا يرغبان فيها، ويبذلان جهديهما كي لا تتحول إلى حريق كبير؛ لكنهما من جهة ثانية يسمحان للمتطرفين بإشعال النار وإذكائها. لذا، فهذه الانتفاضة ستستمر على موجات: موجة تصعيد يعقبها موجة تهدئة نسبية، ثم موجة تصعيد أخرى وهلمّ جراً. ويمكن أن يستمر هذا الوضع فترة طويلة، لكن يتعين على كل من السيد نتنياهو والسيد عباس ألا يراهنا كثيراً على قدرتهما على السيطرة، لأن الحرم القدسي الشريف مكان يستطيع مهووس واحد أن يغير بسببه في ثانية واحدة، ليس جميع حساباتهما السياسية فقط، ولكن أيضاً مجرى التاريخ بأكلمه. (الله يستر). 

 

 

 

المزيد ضمن العدد 2005