القدس مدينة محاطة بالأكاذيب وعاصمة التمييز العنصري الإسرائيلي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•حادث الدهس الذي وقع بالأمس [الأربعاء] في القدس لا يجب أن يفاجئ أحداً. ففي بريتوريا دولة إسرائيل يعيش شعبان، لكن خلافاً لمناطق الاحتلال الأخرى، من المفترض أنه توجد هنا مساواة معيّنة بين هذين الشعبين مثل بطاقات هوية زرقاء للجميع، وحرية حركة، رسوم للبلدية، وضمان وطني، فالجميع يعتبرون إسرائيليون. ولكن القدس هي في الحقيقة مدينة محاطة بالأكاذيب وقد تحوّلت إلى عاصمة التمييز العنصري الإسرائيلي.

•وباستثناء مدينة الخليل، فلا يوجد مكان آخر يبرز فيه نظام الفصل بصورة صارخة ووقحة إلى كل هذا الحد. ووطأة الجزمة الإسرائيلية أثقل بكثير في العاصمة، ومن جرائها يتفاقم الاحتجاج. الغيتو آتٍ على الطريق: منكوب ومضطهد، مهمل وفقير، مليء بمشاعر الكراهية والانتقام. والثورة أيضاً قادمة.

•وعندما ستخرج من أزقة شرق المدينة موجة الإرهاب القادمة، سيصاب الإسرائيليون بالذهول والغضب. ولكن الحقيقة يجب أن تقال: على الرغم من الثمن المروع في الأمس [مقتل طفلة]، فلا يزال أبناء الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب تسامحاً في التاريخ. اعتقالات جماعية، مستوطنون عنيفون، تمييز، طرد، حرمان وإهمال- وفي ما عدا احتجاج الحجارة، ظلّوا هادئين حتى الآن.

•لا يوجد خداع للنفس إلا وخبرناه فيما يتعلق بالمدينة. فالعاصمة ليست عاصمة، سوى في نظرها هي؛ والمدينة الموحدة هي من أكثر مدن العالم تمزقاً؛ والمساواة هي مجرد أضحوكة، والعدالة غير موجودة؛ وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة هي لليهود فقط (وللمسلمين من كبار السن)، وحق العودة محفوظ لليهود فقط. في الواقع، فإن خطر وقوع فلسطينيي القدس ضحية "الإعدام دون محاكمة" (lynch) أكبر بكثير مما يتعرض له يهودي باريس، لكن هنا، لا أحد يحتج بغضب. وعلى عكس وضع اليهودي الباريسي، فالفلسطيني يمكن أيضاً أن يُطرد من القدس. ويمكن أيضاً اعتقاله بسهولة مذهلة: بعد حادث إحراق الفتى محمد أبو خضير وموجة الاحتجاج التي أثارها، اعتقلت إسرائيل 760 فلسطينياً في المدينة، 260 منهم أولاد، وعشرات تحت سن المسؤولية الجنائية.

•وكما هو الحال دائماً، الرد على كل حدث مزعج يكون بتشديد القبضة. فقد أعطى بنيامين نتنياهو أمراً بـ"زيادة عدد القوات"، وهي اللغة الوحيدة التي تعرفها حكومته. وعندما يصبح الاحتجاج أكثر عنفاً، يضربون كفّاً بكفّ ويقولون: انظروا كيف يدمرون سكة القطارات الخفيفة التي "بنيناها لهم".

•كان بالإمكان أن تكون القدس مختلفة. فلو أن إسرائيل طبّقت فيها العدالة والمساواة، لكانت تحولت مدينة نموذجية. كان على الذين يريدون ضمها العمل على ذلك. ففي أسوأ أيام الانتفاضة كان الإرهاب الصادر منها قليلاً نسبياً، على الرغم من أن سكان المدينة يستفيدون من حرية التنقل في إسرائيل. فالفلسطينيون هم أنفسهم، وفقط منع التجول والحصار كان مختلفاً، وكانت النتيجة إرهاباً أقل قياساً بالبلدات المحاصرة – وتدحض هذه النتيجة النظريةَ الأمنيةَ التي تزعم أن الحصار يمنع الإرهاب. لماذا؟ لأن كثيرين من سكان العاصمة يتشوقون لأن يصبحوا مواطنين إسرائيليين؛ لكن إسرائيل تحول دون ذلك.

•إن موجة الاعتقالات في القدس، والتي مرت من دون مبالاة تامة في إسرائيل، وهجمات المستوطنين على الأحياء العربية بدعم من الدولة بكل أجهزتها، بما فيها مؤسسة القضاء، بالإضافة إلى الإهمال الآثم الذي تتحمل مسؤوليته البلدية - سيؤدي في النهاية إلى تدفيعنا الثمن. فإلى متى ينظر الفلسطينيون إلى أبنائهم وبناتهم وهم يخافون الخروج من منازلهم خشية التعرض لهجمات البلطجية في الشارع؛ وإلى أولادهم الذين يعتقلون بسبب كل حجر يلقونه، وإلى إهمال أحيائهم. وإلى متى سيظلوا يوافقون على طردهم الهادئ من المدينة: بين عامي 1967 و2013، حرمت إسرائيل 14309 فلسطينيين حق الإقامة في مدينة القدس بذرائع مختلفة لا تنطبق على أي من سكانها اليهود (أليس هذا أبارتهايد؟).