معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•أدت عملية "الجرف الصامد" وتعاظم قوة "داعش" بعد اعلان التنظيم عن قيام "الدولة الإسلامية" في المنطقة التي يسيطر عليها، إلى تغيير خريطة المصالح والتحالفات في الشرق الأوسط. ففي نظر اللاعبين الإقليميين، باستثناء قطر وتركيا، تمثل "حماس" الخطر الأمني والسياسي من ناحية الإخوان المسلمين. أما "داعش" فقد أعلن قيام "الدولة الإسلامية" في مناطق سيطرته في شمال غرب العراق وشمال شرق سورية، وألغى الحدود بين الدولتين، وهو يهدد بمواصلة توسعه وزعزعة أنظمة الدول المجاورة من خلال استخدام أساليب القتل واستراتيجيات وسائل الاتصال والتخويف التي يستخدمها أداة لتجنيد الكثير من المتطوعين من المنطقة وخارجها.
•في ضوء الواقع الشرق أوسطي الناشئ عن هذين التطورين، توسعت قاعدة المصالح الاستراتيجية المشتركة لدول "المعسكر البراغماتي" في الشرق الأوسط بقيادة مصر والسعودية، وهي أيضاً مصالح مشتركة بالنسبة لإسرائيل. وتحولت "حماس" المدعومة من تركيا وقطر (دعم الدوحة أصبح أقل علانية بعد تهديدات الولايات المتحدة بالعمل على إلغاء الألعاب الأولمبية في قطر، وفي ظل التهديدات العلنية السعودية لقطر) إلى مصدر إزعاج وتهديد بالنسبة لمصر والسعودية والأردن والسلطة الفلسطينية. ويبدو أن إسرائيل أيضاً بصدد التفكير في موقفها حيال "حماس"، التي اعتبرتها سابقاً الطرف الأفضل بالنسبة لها للسيطرة على قطاع غزة، شرط أن تكون مرتدعة وضعيفة عسكرياً، كي تتحمل مسؤولية السكان المدنيين، وتشكل عنواناً لإسرائيل.
•لقد حولت عملية "الجرف الصامد" اعادة اعمار قطاع غزة من حاجة انسانية إلى حاجة استراتيجية بالنسبة لإسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر والسعودية والأردن. ومن الواضح أن الاستقرار المنشود في ساحة غزة لن يتحقق من دون عملية شاملة لاعادة اعمار القطاع، وأن من شأنه أن يحسّن فرص استئناف العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.
•إن عملية اعادة الاعمار توازي عملية بناء دولة على نطاق واسع ومهم. ولكن إذا لم تكن "حماس" هي الطرف المحلي الذي يقود عملية إعادة الإعمار مع دول المنطقة والمجتمع الدولي، فإنها ستتحول إلى طرف مخرب، لأنها لا تنوي التنازل عن سيطرتها على غزة ونزع سلاحها الذي يشكل عاملاً مهماً في قوتها في القطاع نفسه ورصيداً استراتيجياً في الصراع على السيطرة على الساحة الفلسطينية بصورة عامة.
•في نظر "حماس" فإن عملية اعادة الاعمار من دون مشاركتها ومن دون نفوذها من شأنها أن تضعف مكانتها وأساس قوتها. وفي ضوء هذا الواقع سيكون من الصعب على السلطة الفلسطينية أن تشكل المحور الأساسي لعملية إعادة الإعمار المعقدة. كما سيكون من الصعب على المجتمع الدولي قيادة عملية إعادة الإعمار وممارسة مسؤولياته في هذا الإطار. وستكون النتيجة تقديم مساعدة إنسانية لسكان غزة وليس إعادة إعمار جذرية، مما سيؤدي إلى نشوء الظروف التي ستتسبب في انفجار العنف من جديد. إلى جانب ذلك، ففي ضوء هذا الواقع سيستمر تراجع مكانة السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وستتضاءل قاعدة التأييد الشعبي لهما (وتجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية عملية "الجرف الصامد" أظهرت استطلاعات الرأي التي أُجريت في الساحة الفلسطينية زيادة التأييد لـ"حماس" وتراجعه بالنسبة لفتح وعباس).
•علاوة على ذلك، فإن عرقلة عملية اعادة الاعمار ستعتبر انجازاً لمحور "حماس"- قطر - تركيا. بناء على ذلك، فإن جوهر المصلحة المشتركة بين مصر والسعودية وإسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية هو إضعاف "حماس" والحؤول دون تأثيرها السلبي على عملية إعادة إعمار غزة.
•ويواجه المعسكر البراغماتي في الشرق الأوسط في الوقت عينه خطر الإسلام الأصولي- الراديكالي المتمثل بداعش. ويشكل أسلوب عمل هذا التنظيم خطراً حقيقياً على استقرار الأنظمة في الدول العربية، إلى جانب خطر الإرهاب بالنسبة للدول الغربية. فالقدرة التي اظهرها هذا التنظيم على تجنيد متطوعين وإعادتهم إلى دولهم بعد اعدادهم العسكري والارهابي يتطلب رداً استخبارياً وعملانياً متطوراً. وتعدد الجبهات التي يتحرك فيها التنظيم إلى جانب عملياته في منطقة "الدولة الإسلامية" وجوارها التي تتميز بأسلوب حرب العصابات، كل ذلك يتطلب تعاوناً استخبارياً وعملانياً من أجل القضاء على المخاطر.
•تشكل المبادرة العربية [للسلام، التي طرحتها السعودية ووافقت عليها الدول العربية] أساساً نظرياً وعملياً من أجل تحقيق المصالح الاستراتيجية المشتركة، أي إضعاف "حماس"، والقضاء على التحدي الذي يمثله "داعش". ومن أجل تحقيق ذلك، يجب أن نوافق على أن تكون هذه المبادرة أساساً للمفاوضات بين إسرائيل والدول العربية البراغماتية، ولكن ليست إملاءً يفرض الموافقة عليها من دون مفاوضات. نعم يجب أن نفكر في إمكانية عكس اتجاه المبادرة.
•إن أساس المبادرة بحسب صيغتها الحالية هي الاعتراف بشرعية وجود إسرائيل في المنطقة وإقامة علاقات بينها وبين الدول العربية بعد قيام دولة فلسطينية (ضمن شروط تحددها المبادرة). لكن نظراً الی أن قيام دولة فلسطينية ضمن اطار متفق عليه سيكون نتيجة مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، ونظراً الی أن محمود عباس شكل حكومة مصالحة ووحدة وطنية مسؤولة أيضاً عن قطاع غزة، فإن قيام دولة فلسطينية يجب أن يكون مشروطاً بسيطرة فعلية للسلطة على قطاع غزة، وهذا الأمر غير ممكن إلا في إطار عملية إعادة إعمار جذرية وواسعة النطاق للقطاع من خلال الإضعاف المستمر للبنية التحتية العسكرية لـ"حماس" وشل قدرتها على تحدي السلطة الفلسطينية. ومن أجل هذا الغرض فإن المطلوب هو قيام تحالف إقليمي يستند إلى مصالح استراتيجية مشتركة.
•إن مثل هذا التحالف يمكن أن يقوم على أساس الفكرة التي تستند إليها المبادرة العربية. وسيسمح هذا التعاون بوضع البنية التحتية لنظام أمني إقليمي يستند إلى التعاون الاستخباراتي والعسكري. كما أن قيام مثل هذا التحالف لوقت طويل واستخدامه بطريقة تضمن نجاح عملية اعادة اعمار قطاع غزة وتحسين القدرة على مواجهة التنظيمات الجهادية في المنطقة، من شأنه أن يقوي ثقة إسرائيل بالترتيبات الأمنية المتعلقة بالدولة الفلسطينية العتيدة، وسيسمح بهامش مرونة أكبر في ما يتعلق بمطالب إسرائيل الأمنية التي يعتبر الفلسطينيون جزءاً منها عائقاً في وجه حدوث انعطافة نحو الحل. وسيكون هذا التحالف الإقليمي مهماً أيضاً بعد قيام الدولة الفلسطينية، وسيظل أساساً للمواجهة المنسقة للتحديات المشتركة.
•يتعين علينا التفكير في تحويل اتجاه المبادرة العربية نحو تشكيل تحالف إقليمي يضم إسرائيل من أجل تعزيز فرص عملية سياسية فعلية بين إسرائيل والفلسطينيين. لكن ليس معنى ذلك اهمال العملية السياسية مع الفلسطينيين في حال عدم بروز مثل هذا التحالف، إذ يتعين علينا أن نسعى للتقدم التدريجي والحذر والمسؤول نحو بناء دولة فلسطينية فاعلة ومسؤولة، قادرة على الاندماج في المحيط الناشئ وعلى أن تتحول بدورها إلى ركن جديد في النظام الأمني الإقليمي.
•إن نظاماً أمنياً إقليمياً يعتمد على التعاون بين إسرائيل ومعسكر الدول المعتدلة، حتى من دون علاقات دبلوماسية كاملة في المراحل الأولى، لكن مع اعتراف هذا المعسكر بأهمية إسرائيل الإقليمية وبمساهمتها في تطوير هذا المعسكر وبصورة أساسية الاعتراف بحقها في أن تشكل جزءاً شرعياً من المنطقة، من شأنه أن يشكل خطوة حاسمة قد تؤدي إلى منطقة إقليمية أكثر أمناً وأكثر ازدهاراً وتشكل بديلاً معقولاً ومناسباً للفوضى الإقليمية الآخذة في الانتشار.