دور العوامل الاقتصادية في حرب غزة والسياسة الاقتصادية الكفيلة بتخفيف التوترات
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية

تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.

•تبلغ مساحة غزة (أو ما يعرف بقطاع غزة) 360 كيلومتراً مربعاً، ويبلغ عدد سكان [محافظات] قطاع غزة قرابة 1,8 مليون نسمة (أنظر الخريطة المرفقة أدناه). وبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للقطاع نحو 2,9 مليار دولار في العام 2013، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نحو 1600 دولار - أي أقل من 5 دولارات في اليوم.

•وكان معدل الفقر حينها 39%، ومعدل الفقر المدقع 21%، وبلغت نسبة البطالة 41%. وكانت نسبة بطالة الشباب (بين 15 و24 عاماً) 57%. لكن نتيجة الحرب الأخيرة، تفاقمت هذه المؤشرات بشكل حاد. 

•أسهم عامل آخر في زيادة التوترات في قطاع غزة كما يحدث عموماً في منطقة الشرق الأوسط، وهذا العامل هو معدل النمو السكاني السريع وتركيبة الأعمار. وقُدّر معدل الزيادة الطبيعية بنحو 3%، أي بزيادة 50 ألفاً في كل عام. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، ازداد عدد سكان قطاع غزة بنسبة 43% خلال العقد الأخير، ومن المتوقع أن يبلغ 2,1 مليون نسمة بحلول العام 2020. وتتميز التركيبة السكانية بزيادة معدلات الشباب: تبلغ نسبة السكان في فئة 14 عاماً فأقل نحو 50% من إجمالي عدد السكان، ويبلغ متوسط العمر (median age)   17 عاماً. ومن غير الوارد إطلاقاً تصوّر سياسات لضبط إيقاع النمو السكاني في ظل الحكومة الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة منذ سبعة أعوام. 

•هناك الكثير من الكتابات حول الارتباط بين البؤس الاقتصادي والتطرف السياسي. بالفعل، ومن بين الأسباب التي تفسّر اندلاع انتفاضات "الربيع العربي"، يُطرح ضعفُ أداء اقتصادات المنطقة (أنظر مقال "الأسباب السياسية والاقتصادية للربيع العربي") .  وهذا إشارة إلى أن تطوير الأوضاع الاقتصادية من شأنه أن يفضي إلى تعزيز الاستقرار السياسي، وهذا هو المطلوب بالنسبة لقطاع غزة الذي شهد الكثير من النزاعات. فمن شأن إعادة بناء اقتصاد قطاع غزة أن يخفف المعاناة والإحباط ويثبط التطرف السياسي الذي كان من أبرز تجلياته الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل.

انسحبت إسرائيل من قطاع غزة في العام 2005، وسحبت آلاف المستوطنين ونقلت بعض الأصول الاقتصادية إلى الفلسطينيين ولكنها دُمّرت بالكامل لاحقاً... 

•وبحلول العام 2007، أضحت حركة حماس عاجزة عن الحكم وعن دفع رواتب الموظفين، وفشلت في نيل اعتراف الدول الأوروبية المانحة والمنظمات الدولية... فلدى استيلائها على السلطة، أعلنت حركة "حماس" أنها ترفض الالتزام بالاتفاقات الدولية السابقة بين الفلسطينيين وإسرائيل. ونتيجة ذلك، أوقف كلّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المساعدات إلى قطاع غزة، وطبّقت إسرائيل و"اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط" إجراءات عقابية ضد حركة "حماس" في القطاع. قبل الانفصال عن قطاع غزة، كان نحو 120 ألف فلسطيني من قطاع غزة يعملون في إسرائيل في مشاريع مشتركة. وبعد الانسحاب الإسرائيلي، تراجع الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزة وأقفلت مصانع إسرائيلية وانقطعت علاقات العمل بين إسرائيل والقطاع، وانحسرت فرص العمل في إسرائيل بالنسبة للمقيمين في قطاع غزة.

•وفي أيلول/سبتمبر 2007، أعلنت الحكومة الإسرائيلية قطاعَ غزة "منطقةً معاديةً"، وأمرت قوات الجيش الإسرائيلي بتطبيق إجراءات تقيّد حركة الأفراد وانتقال البضائع من وإلى قطاع غزة، مع استثناءات لدواعٍ إنسانية. ومن العام 2007 وحتى العام 2014، بقي قطاع غزة محاصراً بقيود اقتصادية إسرائيلية صارمة، وبدرجات متفاوتة من الضغط المصري. وتزايد هذا الضغط عقب تنحية الرئيس محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013. وشنّت إسرائيل، رداً على هجمات صاروخية،  ثلاث عمليات عسكرية كبيرة ضد حركة حماس في قطاع غزة: "الرصاص المصبوب" في 2008-2009، و"عمود السحاب" في 2012، و"الجرف الصامد" في 2014. وشملت العملية العسكرية في 2014 هجوماً برياً متواصلاً، فكانت بالتالي أكثر تدميراً من العمليتين السابقتين في 2009 و2012.

•وعليه، وقع اقتصاد قطاع غزة تحت الحصار اعتباراً من العام 2007. وفي ورقة بحثية عنوانها "عندما تتوقف التجارة: دروس الحصار المفروض على قطاع غزة 2007-2010"،   أجرى هغاي إتكس وأساف زيمرينغ دراسة مقارنة للتطور الاقتصادي بين قطاع غزة والضفة الغربية غير الخاضعة للحصار. ووَجَدَ الباحثان أن الوضع المعيشي (المقاس بمؤشر الإنتاج) في قطاع غزة هو أدنى بنسبة تراوح بين 14% و27% مما هو عليه في الضفة الغربية من جراء الحصار المفروض على القطاع. وكان أحد استنتاجات الدراسة أن رفع الحصار – المفروض على صادرات القطاع وعلى وارداته- سيكون له آثار مفيدة على اقتصاد قطاع غزة. 

•وفي صيف 2013، غدت حركة "حماس" تكافح من أجل التمكن من دفع رواتب موظفيها. فقد انخفضت إيرادات الضرائب بشكل حاد بعد أن باشرت مصر في تدمير شبكة الأنفاق التي تُستخدم لتهريب المواد الغذائية والوقود والأسلحة إلى قطاع غزة. وكان هذا يعني أن آلاف الموظفين الحكوميين لا يتقاضون رواتبهم كاملة... كانت حركة "حماس" تفرض ضرائب على البضائع المهربة عبر الأنفاق، لكن سرعان ما نضب مصدر الإيرادات بعد تدمير الأنفاق. فخلال السنوات الأولى من الحصار، نجحت حكومة "حماس" في البقاء اقتصادياً من خلال إخضاع تجارة الأنفاق للضريبة، وهذا مكّنها من تخصيص موارد كبيرة لنزاعها المسلح مع إسرائيل. لكن بحلول 2013، خسرت حركة "حماس" معظم الدعم المالي الخارجي بعد أن كانت ميزانيتها معتمدة بشدة على الدعم المالي الإيراني والقطري، بالإضافة إلى دعم جماعة الإخوان المسلمين في مصر. وفي الوقت ذاته، خسرت حكومة "حماس" إيراداتها من الأنفاق، المقدرة بنحو 500 مليون دولار في السنة من أصل موازنتها السنوية التي تناهز 900 مليون دولار.

•وبحلول العام 2014، كان اقتصاد غزة يعاني من أزمة عميقة، حيث كان 70% من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية حتى قبل الحرب الأخيرة.   وبعد تشكيل حكومة مصالحة وطنية من التكنوقراط في نيسان/أبريل 2014، لم يعد موظفو حكومة "حماس" السابقة يتقاضون رواتبهم. وتحت ضغط من الولايات المتحدة، لم تصل المساعدات المالية من قطر إلى موظفي حركة "حماس" البالغ عددهم 44 ألفاً. وقبل الحرب الأخيرة، كانت القيود [التي تفرضها إسرائيل] على إمدادات الوقود لقطاع غزة تؤدي إلى قطع التيار الكهربائي نحو ثماني ساعات في اليوم. وبلغت نسبة البطالة أكثر من 40% قبل جولة القتال الأخيرة، وخسر قطاع البناء – أحد أهم القطاعات الاقتصادية في غزة-  أكثر من 17 ألف وظيفة في العام المنصرم من جراء وقف استيراد الإسمنت. 

•وتبلغ كلفة إعادة إعمار البنى التحتية والمنازل المدمرة في قطاع غزة ما بين 5 و6 مليارات دولار. وهذا ليس مبلغاً كبيراً بالمعايير الدولية، لكن، كالمعتاد، هناك عوامل سياسية تعوق جمع هذا المبلغ. والاستثمارات الخاصة أكثر حساسية حيال البيئة السياسية، ويتطلب تحفيزها وقتاً طويلاً.

•إن لدى قطاع غزة إمكانات اقتصادية كبيرة، وهي تشمل تطوير السياحة على الشاطئ، بالإضافة إلى الخدمات، وحتى التكنولوجيا العالية. وهناك أيضاً طاقة كامنة لإنتاج الغاز الطبيعي الذي اكتشف في حقل بحري قبالة غزة. وتشير التقديرات إلى أن الحقل يحتوي على 1 تريليون قدم مكعبة (one tcf) وإلى أن مدى عمره هو 15 عاماً. ومن شأن تطويره أن يجلب فوائد كبيرة للفلسطينيين على الصعيد الاقتصادي والبيئي والمالي، وأن يولّد إيرادات بنحو 2,4 مليار دولار من الإتاوة (حقوق الملكية) والضرائب، كما أنه يوفّر 550 مليون دولار في السنة بحكم أنه يلغي الحاجة إلى استيراد الكهرباء من إسرائيل. وسيتمكن الفلسطينيون من استبدال وقود الديزل (السولار) المستخدم حالياً في محطة الطاقة في قطاع غزة بالغاز. وهذا يخفض بشكل ملحوظ كلفة توليد الطاقة الكهربائية في قطاع غزة. 

•ومن شأن الوصول إلى احتياط الغاز الضخم تمكين الفلسطينيين من الاستثمار في تطوير محطات طاقة عاملة على الغاز الطبيعي. وهناك محاصيل زراعية تقليدية بعضها جرى تطويره بمساعدة إسرائيلية، لديها طاقة تصديرية كامنة يمكن استعادتها بموجب اتفاق. وهناك أيضاً رأسمال بشري ينطوي على إمكانات اقتصادية، إذ لا أمّية تقريباً في قطاع غزة، وهناك أربع جامعات.

•وتكمن المشكلة في كيفية إعادة إعمار قطاع غزة من دون تمكين حركة حماس من إعادة التسلح. وهناك محاولة حالياً لإعادة إدخال قوات السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، ربما من أجل مراقبة الحدود مع مصر. وتعزيز السلطة الفلسطينية من مصلحة إسرائيل بقدر ما هو من مصلحة الدول العربية المعتدلة والغرب. وفي سبيل تحقيق ذلك، يحتاج اقتصاد الضفة الغربية إلى تدعيم، وهذا يتطلب تغييراً في طريقة التفكير من قبل إسرائيل. ولقد لخّص صندوق النقد الدولي (IMF) الإجراءات التي ينبغي اتخاذها من أجل دفع الاقتصاد الفلسطيني قدماً على النحو التالي:

•"إن القيود الإسرائيلية على الحركة والعبور، وعدم اليقين على الصعيدين السياسي والأمني هي العوامل الرئيسية المؤثرة في النمو في الضفة الغربية وقطاع غزة بقيادة القطاع العام. وتشمل العقبات البيروقراطية والمادية التي تعوق نشاط القطاع الخاص، الحصارَ الاقتصادي المفروض على قطاع غزة؛ والقيودَ الشديدة على التنمية الاقتصادية في المنطقة ج (C) (التي تشكل 60% من أراضي الضفة الغربية) حيث توجد طاقة اقتصادية كامنة ملحوظة)؛ وتجزئة الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مناطق متفرقة مما يضيّق نطاق السوق [يرفع تكلفة مزاولة العمل التجاري] ويحدّ من وفورات الحجم؛ ونظامَ متاريس الطرق ونقاط التفتيش وإغلاق الشوارع مما يعوق مزاولة العمل التجاري للشركات الفلسطينية؛ والقيود على الوصول إلى الموارد كالمياه والأراضي مما يؤدي إلى ندرتها وارتفاع كلفتها؛ وعدم السيطرة على التجارة الخارجية للضفة الغربية والقطاع من جراء القيود المفروضة على الواردات والصادرات، بما فيها السلع الاستثمارية الوسيطة. 

•ومن شأن إرخاء هذه القيود على نحو واسع ودائم بشكل مواكب لتقدم عملية السلام، أن يكون له الأثر الإيجابي الأكبر مقارنةً بأي إجراء آخر يمكن تصوّره من أجل استعادة استثمار القطاع الخاص والنمو، وتحسين الوضع المالي" (تقرير صندوق النقد الدولي: قضايا مختارة أيلول /سبتمبر 2013).    

________________ 

 -  ترجمته عن الإنكليزية يولا البطل.

الحواشي مضافة.

    توقع خبراء فلسطينيون أن يرتفع معدل الفقر في قطاع غزة إلى 60% من 38% قبيل العدوان الإسرائيلي الذي دمّر جانباً كبيراً من البنى التحتية للقطاع. كما توقعت غرفة التجارة الفلسطينية ارتفاع نسبة البطالة في القطاع إلى أكثر من 50% من 40% قبل العدوان. وجاء في تقرير لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن معدل الفقر في قطاع غزة بلغ مطلع العام الحالي 52% في حين بلغت نسبة البطالة 45%؛ راجع موقع الجزيرة.نت في 18/8/2014؛ أنظر:   http://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2014/8/18 (المحرر).

    العمر الذي يقسم السكان إلى مجموعتين متساويتين عددياً. نصف السكان الذين تقل أعمارهم عن هذا السن، ونصفهم أكبر من هذا السن (15 في أوغندا وقطاع غزة، و37,6 في الولايات المتحدة الأميركية، و40 وأكثر في الدول الأوروبية واليابان (CIA World Factbook, 2014)- المحرر.

    Paul Rivlin, “The Politics and Economics of the Arab Spring”, Iqtisadi, Vol. 1 Edition No 5 September 2011.                                                                          

    أنظر: Haggay Etkes and Assaf Zimring, “When Trade Stops: Lessons From The Gaza Blockade 2007-2010”;    https://www.dropbox.com/s/kctl8lklxqu3iv9/zimring_etkes.pdf (المحرر).

 

    أفاد تقرير لوكالة الأونروا أن عدد سكان قطاع غزة الذين يأتون للأونروا من أجل الحصول على معونة غذائية قد ارتفع من أقل من 80 ألف شخص في عام 2000 ليصبح أكثر من 830 ألف شخص في تموز 2014، وأن 65% من إجمالي عدد السكان يبلغون من العمر 24 عاماً وأقل، وأن نسبة البطالة في أوساط الشباب تبلغ 65% (أنظر: "تقرير الوضع في غزة- العدد الثاني"، 10 تموز/يوليو 2014؛ http://www.unrwa.org/ar/newsroom/emergency-reports/ (المحرر).

    نقلاً عن التقرير باللغة الإنكليزية؛ أنظر الموقع الإلكتروني لصندوق النقد الدولي: http://www.imf.org/external/country/WBG/RR/2013/091113a.pdf