يجب أن نكون مستعدّين للمواجهة المقبلة في غزة
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية

تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.

•في الأسبوع الماضي، نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مسؤول دبلوماسي كلاماً يحذر من أن حركة "حماس" استأنفت تصنيع الصواريخ، وشرعت في إعادة بناء الأنفاق الإرهابية التي دمرتها قوات الجيش الإسرائيلي خلال العملية العسكرية الأخيرة في قطاع غزة.

•لكن هذه التقارير الإعلامية كانت مجرد محاولات لبرهنة مدى فشل عملية "الجرف الصامد" أكثر مما هي حصيلة معلومات موثوقة. ومع ذلك، ستستأنف حركة "حماس" تصنيع الصواريخ وحفر الأنفاق في وقت ما في المستقبل. وفي نهاية المطاف، إن جوهر اتفاق وقف إطلاق النار هو التالي: يحافظ الجانبان على التهدئة، وفي الوقت نفسه يستعدان للمواجهة القادمة.

•إن في إمكان أي شخص أن يرى أن تجنب التحضير لمواجهة مستقبلية، لا بل الحيلولة كلياً دون احتمال مواجهة مستقبلية، كانا يقتضيان إدارة العملية العسكرية الأخيرة بطريقة مختلفة. فقد كان يتوجب على الجيش الإسرائيلي إعادة السيطرة على قطاع غزة، أو على الأقل مدينة غزة ومحيطها المباشر، ودفع الثمن الذي يقتضيه الاحتلال في سبيل "تنظيف" المدينة. كما كان على إسرائيل أن تضحي بالمزيد من الجنود الإسرائيليين، وأن تقتل المزيد من الفلسطينيين، بما في ذلك الكثير من المدنيين. وكان يمكن أن يستغرق احتلالها فترة قصيرة، ولكن عملية التنظيف كانت ستستغرق عدة أشهر. كما أن الأضرار الناجمة عن القتال، والتنظيف اللاحق وتدمير الأنفاق سيكونان هائلين، وأكبر بكثير من الخراب الذي لحق بالفلسطينيين عملياً (وهو ليس قليلاً). وأخيراً، كانت إسرائيل ستبقى الطرف الوحيد الذي يتوجب عليه بحكم القانون إعادة إعمار وتأهيل قطاع غزة وسكانه.

•منذ اللحظة التي قررت فيها إسرائيل عدم دفع الثمن الذي تقتضيه هذه الأفعال، أصبح من الواضح أنه لا سبيل إلى كسر إرادة حركة "حماس" على القتال، أو منعها من البقاء في السلطة بعد انتهاء العملية العسكرية. وكانت جميع البدائل المقترحة، ولا تزال، غير واقعية كلياً؛ سواءً على الصعيد العسكري (فكرة "قطع رؤوس الأفاعي")، أو بالنسبة للمرحلة التي تعقب القتال (نقل السلطة إلى الأمم المتحدة، أو وضع قطاع غزة تحت سلطة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية).

•ومن هنا، ومن دون أي أوهام بشأن المستقبل، ينبغي أن نستعد للعملية المقبلة، وفي الوقت نفسه بذل كل الجهود الآيلة لإبعاد موعد هذه العملية المرتقبة إلى أقصى حد ممكن. وهذا أمر ممكن. لكن، في سبيل تحقيقه، علينا أن نؤسس لسياسة واضحة تردّ إسرائيل بموجبها على كل خرق لوقف إطلاق النار بقوة وعلى الفور. 

•ستُحدد قواعد اللعبة عبر ردنا على الصلية الأولى من الصواريخ. وبالتالي، من المهم أن تكون لدينا خطة واضحة حول كيف نرد عندما يحدث ذلك. ولحسن حظنا، هناك اليوم على الجانب الآخر دولة مصرية مختلفة – ليس الدولة التي كانت سلبية تماماً في عهد مبارك، أو الدولة الداعمة بقوة لحركة "حماس" في عهد محمد مرسي. إن القيادة المصرية الحالية تدرك أن حركة حماس تمثل تهديداً للسلطة في مصر بقدر ما تمثل تهديداً لإسرائيل. وعليه، فهي ستبذل جهداً أكبر لمنع حركة "حماس" من استعادة قوتها. لكن في هذه الحال أيضاً، ستحاول حركة "حماس" حتماً، وقد تنجح أحياناً، في تهريب أسلحة ومواد أخرى إلى قطاع غزة، لأن القوة العسكرية هي علّة وجودها. 

•في المفاوضات التي ستبدأ قريباً في القاهرة، ستلعب مصر دور الوسيط بين إسرائيل وحركة حماس. ستخضع إسرائيل لضغوط بهدف السماح بإعادة إعمار قطاع غزة. الدمار هناك واضح جداً في المناطق التي اشتدت فيها وطأة القتال. وفي الأجزاء التي ضمّت مراكز القيادة ومنشآت تصنيع أسلحة، الدمار شديد، لكن في أماكن معيّنة.

•إن إعادة إعمار قطاع غزة تخدم مصالح إسرائيل لأنه فضلاً عن قوة الردع الإسرائيلية، سيكون للغزّاويين ممتلكات يخشون خسارتها مجدداً. لكن ينبغي أن تخضع متطلبات الإعمار إلى عدد من القيود، أهمها تلك المتعلقة بمواد البناء. وينبغي أن تطور إسرائيل آلية من شأنها تقليص استعمال المواد من أجل بناء الأنفاق الإرهابية أو مراكز القيادة العسكرية إلى الحد الأدنى، قدر المستطاع. ولا يجب أن نوهم أنفسنا باعتقاد أن في وسع إسرائيل منع هذا الأمر كلياً - إن المنع الجزئي أمر كاف، إذ لا يمكن منعه مئة في المئة.

•الاختبار الحقيقي ليس ما إذا كانت حركة "حماس" ستستأنف إعادة بناء قوتها العسكرية – ففي غياب الاحتلال الإسرائيلي هذا هو السيناريو الوحيد الممكن (مثلما تعلمنا بعد أوسلو وبعد الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة)- وإنما الاختبار الحقيقي هو اختبار الحفاظ على التهدئة. وبقدر ما تطول فترة التهدئة، تكون العملية العسكرية ناجحة، والزمن كفيل بالإجابة على ذلك. لكن في مستطاعنا التأثير على مجريات المستقبل، وعلينا ألاّ ننسى أو نهمل ذلك على الرغم من التعقيدات المحيطة به.

 

•من الأهمية بمكان أن نعدل توقعاتنا، ليس فقط حيال قطاع غزة. إسرائيل دولة قوية، على الصعيدين الإقليمي والعالمي، غير أن القدرة العسكرية لا تتطلب بالضرورة استخدام القوة في كل مرة نواجه فيها تحدياً أمنياً. فمن الأفضل توجيه قدراتنا، والمشروعية القليلة التي نتمتع بها في العالم، نحو تهديدات خطيرة بالفعل، وبالتأكيد إذا كانت حرجة ووجودية. وهذه التهديدات تلوح نذرها بلا شك. ومن الجوهري أن تكون توقعات الجميع (القيادتين المدنية والعسكرية، فضلاً عن الجمهور) متماشية مع بعضها. هذا أمر بالغ الأهمية على الدوام، لكن أهميته تكون عشرة أضعاف في زمن الأزمات. 

 

 

المزيد ضمن العدد 1978