تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.
•لقد أصبحت المواجهات المحدودة، اللّامتناظرة، هي النمط السائد. وغدت الحروب الشاملة بين الدول، والتي يوظف فيها الجانبان جميع مواردهما القومية في محاولة لتحقيق انتصار عسكري حاسم، أقلَّ أهمية.
•لم تعد نظريات الحرب، أو العقائد المتعلقة بإدارة القتال، التي جرت دراستها خلال عقود، ملائمة للوضع العسكري الجديد. ولم تعد ثلاثية دافيد بن غوريون المؤلفة من "الردع" و"الإنذار المبكر" و"الانتصار الحاسم"، صالحة بعد الآن. ولم يعد جائزاً استخدام هذه المفاهيم بوصفها المعيار الأوحد أو الرئيسي، عندما يجري تقييم الخطوات العسكرية والسياسية في إطار الوضع الجديد.
•وفي حين يبقى مفهوم "الردع" مهماً بالنسبة لمنع الحرب الشاملة، قد نفقد القدرة على ردع أعمال عنف في حالات معيّنةـ مثل إطلاق صواريخ على إسرائيل من قبل تنظيمات إرهابية.
وبالنسبة لـ"الإنذار المبكر"، بالإمكان إعداد قدرة استخباراتية لرصد إحتمال نشوب حرب مع قائمة تفصيلية بالمؤشرات المنذرة الدّالة على وجود نية لدى الخصم للمبادرة إلى المواجهة. ولكن، قد لا يكون هذا الاحتراس وهذه المؤشرات ملائمين في مواجهة إرهابيين انتحاريين.
•كما أن مفهوم "الانتصار الحاسم"، بحسب تصوّر كلاوزفيتز، يفترض أنه يمكن إجبار الطرف الخاسر على التفاوض بشأن شروط استسلامه. ولهذا الغرض، ينبغي ترك نزرقليل من السيطرة للطرف الخاسر من أجل ضمان تنفيذ شروط الاستسلام. في المقابل، وفي إطار المواجهات المحدودة، يمكن إحراز انتصارات عسكرية جزئية حتى لو تعذّر تحقيق حسم عسكري.
•ويمكن ترتيب مفاوضات تحت رعاية دولية أو رعاية قوة عظمى من أجل التوصل إلى اتفاقات وقف إطلاق نار. أو قد ينشأ وضع تقتضي فيه مصلحة الطرفين التوقف عن إطلاق النار، بحيث يزعم كل طرف أنه حقق مكاسب سياسية، من دون وضع حد نهائي للنزاع الأساسي، ومن دون انتصار حاسم.
•في حرب لبنان عام 2006، كان الانتصار العسكري غير جلي، ولم يتحقق حسم عسكري. بيد أن الضربة القوية التي تلقتها ضاحية بيروت الجنوبية، وتدمير مخازن الصواريخ بعيدة المدى التابعة لحزب الله، كانا إنجازين لافتين.
•مع ذلك، أطلق حزب الله نحو 250 صاروخاً في اتجاه الأراضي الإسرائيلية خلال اليوم الأخير قبيل سريان وقف إطلاق النار. وهذا ما سمح له بإعلان الانتصار، وتعقيباً، الاستحواذ على دور مهيمن في السياسة اللبنانية. وأسهم هذا الدور السياسي بالهدوء اللاحق على الحدود الإسرائيلية- اللبنانية.
•إن الردع المنجز في الظاهر خلال الأعوام الثمانية الأخيرة في لبنان، لم يتحقق بفعل إنجازات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. ولم يكن نتيجة الضربة العسكرية الإسرائيلية، بل نتيجة حسابات حزب الله الذي يتخوّف من فقدان مكاسبه السياسية في لبنان في حال تجدّد النزاع مع إسرائيل. وفي الواقع، لم يتوقف حزب الله عن إعداد وتجهيز قواته بالمعدات والأسلحة من أجل حرب مستقبلية. كما أن الردع نجم عن تطورات ومصالح أخرى لا سيطرة ولا تأثير لإسرائيل عليها، مثل الحرب الأهلية السورية.
•وبما أن الهجمات الصاروخية الواسعة الكثيفة حدثت بالضبط بعد غزو إسرائيل لبنان في حرب 2006، قد يكون من الصحيح التأكيد بأن حرب لبنان 2006 أفضت إلى خسارة الردع [الإسرائيلي] فيما يتعلق بالصواريخ- مما شجّع التنظيمات الإرهابية في قطاع غزة على امتلاك الصواريخ على نطاق واسع. وفي المقابل، استعادت منظومة "القبة الحديدية" الردع الإسرائيلي جزئياً في هذا المجال- مثلما تجلّى ذلك إبّان عملية "عمود سحاب"، وبكل تأكيد إبّان عملية "الجرف الصامد". وبما أننا نستخدم مفاهيم ونظريات لم تعد ملائمة للمواجهات الحالية، يدور جدل لا ينتهي حول موضوع تحقيق الردع أو الحسم العسكري. والاستنتاج الذي ينبغي أن نخلص إليه هنا هو أن على إسرائيل أن تحدّث عقيدتها القتالية لملاءمة الوضع والنزاع الحاليين.
•في الوقت الحالي، حتى الحسم العسكري الرائع قد يفضي إلى إخفاق سياسي، أو ضرر دبلوماسي. وفي بعض الحالات، يمكن تحقيق الردع من دون استخدام القوة العسكرية. ويمكن تحقيق هذا النوع من الردع من خلال وضع لا توجد فيه مصلحة لأي من الطرفين باندلاع مواجهة عسكرية، لأنه قد يترتب عنها خسارة ما بالنسبة لكل طرف.
•اليوم، وفي المواجهات المحدودة واللّامتناظرة، فقد يؤدي انتشار وسائل الإعلام وخيارات التصوير الفوتوغرافي بالفيديو في ميدان القتال، والقدرة على بث اللقطات في الوقت الحقيقي، إلى تقييد استخدام القوة العسكرية.
•علاوة على ذلك، هناك حاجة إلى إجماع وطني محلي أي اقتناع واسع بأن استخدام القوة العسكرية ضروري حقاً. وهناك أيضاً حاجة لتأمين دعم دولي، على الأقل من قبل بعض القوى العظمى. ومن شأن كثافة هذا الدعم أن تحدّد مدة القتال ونطاق استخدام القوة. أخيراً، هناك مسألة حساسيّة سقوط أعداد من القتلى في صفوف المدنيين، والحساسية تجاه الخسائر البشرية في القوات المسلحة.
•وفي ظل هذه الظروف، من شبه المستحيل تحقيق حسم عسكري، ولكن يمكن تحقيق انتصار نسبيّ طبقاً للمعايير الآنفة الذكر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الصور المؤلمة، والأخطاء العملانية، أو تراجع الدعم الدولي، قد تؤدي إلى وضع يحتّم وقف العمليات الحربية.
•إن الدروس المستفادة على صعيد هيكلية القوة العسكرية، في غاية الأهمية. ينبغي الاستثمار في الدفاع الفاعل والدفاع السلبي من أجل زيادة هامش التصرف على صعيد العمليات الهجومية. وكلما كانت الجبهة الداخلية محمية جيداً، يقل خطر انجرارنا إلى سيناريوات غير معقولة أو تفتقر إلى التحضير الكافي.
•ومن المحبّذ التخطيط لمواجهات قصيرة المدى لا تستغرق أكثر من أيام معدودة. وبهذه الطريقة، يستطيع الجيش الإسرائيلي أن يستخدم قوّته النارية المتفوّقة بطريقة مركّزة، مخلّفاً أثراً سيكولوجياً قويّاً على العدو، قبل أن يخفّ الدعم الدولي (الذي لا بد أن يتراجع بعد أن يؤدي بث صور الدمار عبر وسائل الإعلام إلى تأكل الدعم لإسرائيل). وعلى إسرائيل أن تضرب بسرعة وبإصرار ما دام نطاق (parameter) الإصابات ضمن المدى الذي يعتبر متناسباً.
•إن الهدف من أي عملية عسكرية هو تحقيق مكاسب سياسية. وينبغي وقف القتال في اللحظة التي ندرك فيها أننا بدأنا نخسر سياسياً. وفي بعض الأحيان، يؤدي إعلان وقف إطلاق النار أحادي الجانب إلى الاحتفاظ بالمبادرة، وفي الوقت نفسه إلى استعادة فرصة الدعم السياسي.
•وليس من الضروري أن تكون العمليات الحربية متواصلة، إذ ينبغي باستمرار مراقبة سير الأمور في نطاق المقيّدات (parameters) المذكورة أعلاه. وفي كل مواجهة، تطغى مقيدات معينة. في بعض الحالات، يتعلق الأمر بخسائرنا الخاصة، في حين أنه في حالات أخرى، يكون القيد الطاغي هو الرأي العام المحلي. وفي حالات أخرى، قد يكون القيد الخطأ العملاني أو كيفية النظر إلى النزاع في السياق الدولي.
•عندما تقرر إسرائيل أن العملية العسكرية المتواصلة ليست حتمية، يصبح بإمكانها تحديد أهداف عملياتها العسكرية بطريقة أدق وأقرب منالاً. وتتيح هذه المقاربة لإسرائيل التقدم في مراحل تكثيف العمليات العسكرية بطريقة متحكم فيها، بغية اجتناب حالات تخسر فيها إسرائيل المبادرة وتضطر إلى تنفيذ خطوات غير حكيمة.
•هناك نقطة إضافية: إن تحقيق الردع ليس الهدف الأهم، فمقتضيات الأمن القومي تسمو أحياناً فوق الردع. وعلى سبيل المثال، انظروا إلى حرب الخليج. في العام 1991 امتنعت إسرائيل، في ظل قيادة رئيس الحكومة يتسحاق شامير، عن الرد على صواريخ بعيدة المدى أُطلقت من العراق في اتجاهها، وزعم العديد من المراقبين آنذاك أن إسرائيل فشلت على صعيد الردع. ولكن المصالح الاستراتيجية القومية الأخرى التي حرصت إسرائيل على صونها آنذاك، كانت أكثر أهمية. إن القرار بأن الردع ليس الهدف الاستراتيجي الطاغي هو بالتأكيد قرار ينبغي أن يُتخذ في المجال السياسي، وليس في الإطار العسكري.
•بل أكثر من ذلك، لا يتحقق الردع دوماً بواسطة ضربة عسكرية حاسمة، بل غالباً من خلال مصالح سياسية مشتركة يؤثر الطرفان المحافظة عليها، أو يخشيان خسارتها.
_________
عُيّن اللواء احتياط دافيد عفري عضواً في اللجنة التي تقصت أداء القيادة السياسية في الحرب على لبنان (2006)، وشغل سابقاً منصب قائد سلاح الجو، ونائب رئيس الأركان، والمدير العام لوزارة الدفاع، ورئيس مجلس الأمن القومي، وسفير إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية.