الحرب الثالثة على غزة ألحقت ضرراً بالعلاقات الإسرائيلية – الأميركية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

•حروب إسرائيل مع جيرانها مثلها مثل المساعي لتحقيق السلام، ترفع دائماً مستوى التوتر في علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة. فهذه الحروب تضع الولايات المتحدة في مواجهة المشكلات المترتبة عن ايمانها بحق إسرائيل الدفاع عن نفسها مقابل أعداد الضحايا ولا سيما من النساء والأطفال غير المتورطين مباشرة بالإرهاب. فمن وجهة نظر الولايات المتحدة ثمة مجال وحاجة لانتقاد استخدام القوة ضد أهداف مدنية. 

•لقد كشفت جميع العمليات السلمية السابقة الاختلاف في الآراء بين القيادتين السياسيتين في الدولتين حيال عدد من المشكلات الأساسية وخاصة موضوع الأرض. ومنذ استخدام وزير الخارجية الأميركية وليام روجرز في كانون الأول/ديسمبر 1969 عبارة "حدود 1967 مع تغييرات طفيفة" لم يتغير موقف الإدارة الأميركية من هذا الموضوع، ومن الصعب جداً أن يتغير في المستقبل. لذا يمكن افتراض أن موضوع الأرض الذي يشمل قضية المستوطنات والقدس، سيبقى موضوعاً خلافياً.

•هذا الخلاف كشفته سياسة "البيت الأبيض" حيال العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين في الفترة الأولى لرئاسة الرئيس أوباما، وفشل المساعي الديبلوماسية التي استمرت تسعة أشهر وقام بها وزير الخارجية كيري في 2013-2014. ولم يخف موظفون أميركيون كبار تحميلهم رئيس الحكومة نتنياهو مسؤولية فشل المسعى الدبلوماسي. 

•لقد أضافت حرب غزة الثالثة بعداً جديداً على التوتر في العلاقات وخاصة على المستوى القيادي. فتسريب الوثائق والاتهامات الشخصية التي وجهت إلى وزير الخارجية الأميركي جون كيري وإلى نتنياهو، وتأجيل موعد وصول شحنات السلاح من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، عكسا مدى عمق التراجع في العلاقات. ونستطيع أن نفهم تفضيل إسرائيل منح إدارة المفاوضات على اتفاق لوقف اطلاق النار بعد عملية الجرف الصامد في غزة لمصر القادرة على التأثير على قيادة "حماس". كما نستطيع أن نفهم الارتياح غير الخفي للقيادة الإسرائيلية من الائتلاف الخفي الذي نشأ بين دول المنطقة ومن بينها إسرائيل، حيال التخوف من تزايد قوة الحركات الدينية المتشددة (راجع أقوال رئيس الحكومة خلال المؤتمر الصحافي في 27 آب/أغسطس 2014). لكن الاعتقاد بأن هذا التحالف غير المكتوب يمكن أن يستمر فترة طويلة من دون حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني خطأ استراتيجي.

•وحتى لو كانت الولايات المتحدة في خضم مسار نحو تقليص وجودها في الشرق الأوسط، فليس لدى إسرائيل بديل سياسي – أمني عنها. إن حقيقة أن الولايات المتحدة تمول الجزء الأكبر من مشتريات إسرائيل العسكرية وجزءاً من تطوير منظومات سلاح مختلفة، ربما هي العنصر الأقل أهمية في علاقات الدولتين. فالعلاقات الأمنية بين الدولتين تمنح إسرائيل تواصلاً دائماً مع منظومات تطوير وإنتاج السلاح الأكثر تطوراً والتي لا يوجد بديل عنها. وعلى الصعيد السياسي، لا يمكن التوصل إلى خطوات سياسية سواء كانت ايجابية بالنسبة إلى إسرائيل، أو تهدف إلى فرض عقوبات ضدها، من دون تدخل الولايات المتحدة. ومن دون فيتو أميركي في مجلس الأمن في الأمم المتحدة ستجد إسرائيل نفسها في مواجهة خطوات قاسية من جانب المجتمع الدولي. وعلى الرغم من سخط إسرائيل بشأن قضية التنازلات التي تقدمها الدول التي تجري المفاوضات مع إيران، ومن بينها الولايات المتحدة، فإن هذه الأخيرة ما تزال تشكل الحاجز الفعلي الأكثر فاعلية في وجه المشروع النووي الإيراني.

•بناء على هذا كله، يتعين على إسرائيل أن تحذر من توتير علاقتها مع الإدارة الأميركية وأن تمتنع عن القيام بخطوات لا تنسجم مع المصالح الواضحة للولايات المتحدة. وما يمكن قوله هو أن تسوية الوضع السياسي- الأمني بين إسرائيل وغزة هي من بين المصالح التي تدخل في هذه الفئة. من الواضح أن مصر لاعب أساسي في هذه المسألة، لكنها لا تستطيع أن تقدم المساعدة المالية التي تحتاجها إعادة اعمار غزة، كما انها لا تستطيع بقواها الذاتية المساعدة في تأسيس جهاز حكم جديد في غزة، يعتمد بصورة أساسية على أجهزة السلطة الفلسطينية في رام الله. ومما لا شك فيه أن أي تسوية في غزة من شأنها أن تصمد لوقت طويل، تتطلب تقدماً في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. والتدخل الأميركي في هذه العملية ضروري سواء في دور الوسيط المقبول أكثر من الوسطاء الآخرين، أو كحاجز في وجه المبادرات الإقليمية - الدولية التي قد تضر بإسرائيل. 

•إن محاولة تولية أبو مازن حكم غزة لا حظوظ لها منذ البداية، وهي بالتأكيد لن تنجح قبل أن يكون واضحاً لأبو مازن وللفلسطينيين ولجميع أهالي غزة بصورة خاصة، بماذا يتفوق أبو مازن وبماذا يمتاز نهجه السياسي عن البديل الذي تقدمه "حماس". ويتعين على الولايات المتحدة أن تحاول تحريك الوضع الناشئ بعد 50 يوماً من القتال في غزة من خلال استغلال التغييرات التي طرأت في الأشهر التي أعقبت فشل المساعي السياسية في نيسان/أبريل هذه السنة.

•ويجب على الولايات المتحدة وشريكيها الأساسيين في العملية، إسرائيل والسلطة الفلسطينية، التعلم من تجربة الماضي. مارتين أنديك الذي أدار طاقم المفاوضات الأميركي إلى ما قبل بضعة أسابيع، ذكر في الفترة الأخيرة عبارة قالها ألبرت إينشتاين وهي أن من الجنون تكرار العملية نفسها وتوقع نتائج مختلفة. 

•ونأمل أن يكون جميع الاطراف أدركوا دلالة فشل محاولة التوصل لحل شامل لجميع المشكلات الأساسية عبر عملية واحدة وليس على مراحل وخطوات موقتة، تؤدي في مرحلة متقدمة إلى حل الدولتين لشعبين. إن النهج المرحلي لحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني يسمح بإدخال غزة ضمن هذا الحل، ولا سيما أنه لا فارق جوهري كبير من الناحية القانونية – السياسية والأمنية بين مرفأ في غزة ومطار فلسطيني في الضفة. ومن شبه المؤكد أنه يمكن تحقيق الأمرين في المراحل الأخيرة من مسار الحل الشامل والدائم للنزاع.

•من بين التغييرات التي طرأت في الأشهر الأخيرة ومن شأنها أن تسهم في استئناف المفاوضات على هذه الأسس، سيطرة تنظيم "داعش" على أراض واسعة في سورية والعراق، وخطر تسلله إلى المنطقة القريبة من حدود إسرائيل الشرقية. إن وجود عناصر معادية غير مسؤولة وغير منضبطة مثل "داعش" في المنطقة القريبة من إسرائيل وعدم الاستقرار الناشئ الذي قد يستمر في المستقبل، يتطلب تفكيراً وحساباً مختلفاً لمسألة الحدود الشرقية لإسرائيل حتى لو كان الحل البعيد المدى ليس بالضرورة سيادة إسرائيلية. من هذه الزاوية من الواضح أن الحل التدريجي والمرحلي يسمح بالمرونة المطلوبة من أجل درس وتحديث التقدم نحو التحقيق الشامل لحل الدولتين لشعبين في ضوء التغييرات الحاصلة في المنطقة.

•على الرغم من توجه الأميركيين نحو تقليص وجودهم في الشرق الأوسط، فإن واشنطن تدرك أنه ليس في إمكانها التجاهل الكامل للمخاطر الوجودية التي تشكلها "داعش" على الأنظمة المعتدلة في المنطقة وعلى المصلحة الأميركية. واستمرار الوجود الأميركي هو أيضاً مصلحة إسرائيلية على الرغم من الاحتكاكات والخلافات حول حرب غزة الثالثة. ويتعين على إسرائيل تفضيل ادارة الولايات المتحدة، ولو المتأخرة، للخطوات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.

•من هنا تبدو قمة أميركية - إسرائيلية بين الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة حاجة مباشرة، يجب أن تبحث خلالها القضايا الأساسية والإقليمية والثنائية، كما يجب أن تدرس الحلول الممكنة والمتفق عليها من أجل مواجهة الواقع الجديد في المنطقة. وحسناً يفعل رئيس الحكومة الإسرائيلية إذا أخذ زمام المبادرة للدعوة إلى هذه القمة الضرورية، ولو من أجل المحافظة على شبكة العلاقات الجيدة مع الإدارة الأميركية ومنع تدهورها.