معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•في نهاية الأسبوع الأول من آب/أغسطس 2014 اتضح مرة أخرى أن "حماس" تعتقد أنها ليس لديها ما تخسره وهي مستعدة للعودة إلى المواجهة كي تجبر مصر وإسرائيل على تقديم إنجاز كبير لها هو رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر وإنشاء مرفأ بحري. وفي الواقع كانت الحركة منذ البداية مستعدة لإجراء مفاوضات التسوية تحت النار إدراكاً منها بأنها لا تملك أوراقاً تطرحها على طاولة المفاوضات باستثناء القدرة على الإيذاء، أي إلحاق الضرر بجميع الأطراف التي هي على صلة بالنزاع وبخاصة إسرائيل.
•بيد أن أسلوب إدارة المفاوضات في القاهرة برعاية مصرية وبوساطة من جهاز الاستخبارات العامة المصرية أثبت لـ"حماس" عمق عزلتها. ويتعيّن عليها الدخول في مواجهة مع مصر وإسرائيل اللتين تسيطران على "بوابات" غزة، وهما غير مستعدتين لإعطائها أي مظهر نجاح يساعدها في ترميم مكانتها ويعزز سلطتها في القطاع. إلى جانب ذلك، تشارك "حماس" بالوفد الفلسطيني الذي ترأسه السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس والتي تتنافس معها الحركة على النفوذ وعلى السيطرة على المعسكر الفلسطيني.
•تشعر "حماس" بالإحباط من الموقف المصري والإسرائيلي الجازم الذي يصر على ضرورة إشراك السلطة الفلسطينية في أي اتفاق في غزة، سواء من خلال حضورها في المعابر مع القطاع، أو بواسطة نشر القوى الأمنية التابعة لمحمود عباس على طول الحدود بين القطاع ومصر، أو من خلال اعتبار السلطة العنوان المسؤول عن إعادة إعمار غزة. بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن العالم العربي يمد يده إلى "حماس"، فقد جرى استبعاد حليفيها الأساسيين- قطر وتركيا- من المفاوضات. وكل ما بقي لـ"حماس" هو إجراء مفاوضات تحت النار ومواصلة الضغط من أجل تحقيق نتائج استراتيجية هي بحاجة إليها.
•هناك من يرغب بعملية عسكرية تؤدي إلى تركيع "حماس" وتدفعها إلى الموافقة على الشروط التي وضعتها مصر من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار. لقد حققت إسرائيل حتى الآن سلسلة من الإنجازات في عملية "الجرف الصامد": تدمير البنية التحتية للإرهاب في غزة وبخاصة البنية التحتية لإنتاج السلاح، ومنشآت التخزين، وقيادات ومنازل الإرهابيين، وهناك أكثر من 600 عضو تابع لـ"حماس" قُتلوا، وبقي ثلث مخزون الصواريخ فقط، ودُمر 32 نفقاً هجومياً، واستطاعت "القبة الحديدية" الدفاع بصورة ناجعة عن سكان إسرائيل؛ وأظهرت الجبهة الداخلية مناعة؛ وكانت خسائر إسرائيل الاقتصادية قليلة، وتعززت الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل ونظام السيسي في مصر؛ وأظهر العالم العربي تفهماً حيال إسرائيل أثناء ضربها لـ"حماس" في غزة.
لكن في المقابل، كان للعملية بضعة انعكاسات سلبية على إسرائيل، فقد صمدت "حماس" في المعركة وبذلك خرجت قوية؛ ولم تفقد الإرادة والحافز والقدرة على مواصلة إطلاق الصواريخ وقذائف المدفعية على الجبهة الداخلية الإسرائيلية؛ ولم تصب قيادة "حماس" ولم ترتدع؛ وتشوهت صورة إسرائيل دولياً بسبب سقوط مئات القتلى الأبرياء والأضرار الجانبية والدمار الواسع الذي لحق بالمناطق المدينية في القطاع؛ ويرفض سكان غلاف غزة العودة إلى منازلهم. في الخلاصة، فإن "المقاومة" لا تزال حية بقيادة "حماس".
•ليس صحيحاً أنه من خلال مقارنة الإنجازات مع الإخفاقات العسكرية يمكن اختبار نتائج العملية. بل يجب أيضاً اختبار ما إذا كانت برزت بعد العملية فرصة سياسية من أجل بلورة واقع جديد يخدم مصالح إسرائيل في قطاع غزة وخارجه. ومن دون وضع أهداف سياسية للعملية، من الصعب تقدير نتائجها.
•لقد امتنعت إسرائيل عن وضع أهداف سياسية وشددت على الأهداف العسكرية: "هدوء مقابل هدوء"؛ ومنع "حماس" من تحقيق إنجاز، وإضعافها، وكبحها وردعها. ويمكن افتراض أن الأهداف التالية تعكس السياسة الحالية لحكومة إسرائيل:
•تسوية مستقرة تستمر وقتاً طويلاً تؤدي إلى تهدئة أمنية مستمرة، وتوظيف أموال في البنية التحتية وفي مشاريع اقتصادية في القطاع، وازدهار اقتصادي للسكان في غزة، وتعزيز العناصر المعتدلة، وتؤدي، في المقابل، إلى خسارة كبيرة في حال جرى خرق الهدوء والاستقرار.
•إعادة السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس إلى قطاع غزة، ومنحها دوراً أساسياً في تشغيل المعابر بين القطاع ومصر وإسرائيل، وجعلها العنوان المسؤول عن خطة إعادة إعمار القطاع. ويشكل هذا الهدف تغييراً استراتيجياً في نظرة حكومة إسرائيل إلى السلطة.
ج- إضعاف "حماس" وحرمانها من القدرة على التسبب بالتصعيد كلما شاءت. وضمن هذا الإطار وضع مبدأ تجريد القطاع من السلاح الهجومي، وضرورة تعهد دولي وإقليمي بمنع تعاظم قوة "حماس"، وإنشاء آلية دولية لمراقبة المواد التي تدخل إلى القطاع.
د- رفع عبء المسؤولية عن إسرائيل تجاه السكان المدنيين في القطاع والوضع الإنساني السائد هناك.
هـ- قيام تعاون إقليمي بين مصر وإسرائيل، والأردن، والسعودية، واتحاد الإمارات العربية ذي أهداف ومصالح واسعة تتخطى إعادة إعمار قطاع غزة وتشمل على سبيل المثال كبح تمدد وتعاظم القوى الإسلامية الجهادية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
•تشكل "حماس" الحاجز الأساسي في وجه تحقيق هذه الأهداف، وهي مضطرة للعثور على طريقة تتيح لها أن تشرح لسكان غزة الحقيقة المؤلمة المتمثلة في موت المئات والدمار الواسع اللذين تسببت بهما صواريخها وأنفاقها، وأيضاً التعويض عليهم. وما لم تقدم "حماس" للناس في غزة إنجازاً ملموساً مثل رفع الحصار الاقتصادي عن القطاع، فإنها ستتمسك بـ"المقاومة" والقتال شعوراً منها بأن لا خيار آخر لها.
بناء على ذلك، فإننا ندور في حلقة مفرغة. فعلى طاولة المفاوضات مصر وإسرائيل غير مستعدتين لإعطاء "حماس" أي إنجاز مقابل الإرهاب، وهما تسعيان إلى إضعافها والقضاء عليها، وتعملان على توفير ظروف استبدالها بالسلطة الفلسطينية.
oإذا استمرت "حماس" في سياسة إطلاق الصواريخ على إسرائيل ما لم تحقق هدفها من المفاوضات، فإن إسرائيل ستجد نفسها أمام ثلاثة خيارات:
أ - القبول بأن تكون "حماس" هي العنوان المسؤول في القطاع وتقديم تسهيلات كبيرة لها من خلال رفع الحصار الاقتصادي الذي وهذا سيمنحها مظهر انتصار ويعزز سلطتها في القطاع. وهذا الخيار سيبقي فكرة جولات العنف إلى الأبد، وفي كل مرة تشعر "حماس" بأنها ضعيفة أو مهددة ستلجأ إلى استخدام "قوة الإيذاء"، أي الإرهاب.
ب - إسقاط "حماس" بواسطة عملية هجومية برية على القطاع، وتفكيك بنية الإرهاب التحتية وتجريد القطاع من السلاح الهجومي. ولهذا الخيار انعكاسات سلبية بكل ما يتعلق بالمدة التي ستستمر فيها المعركة وعدد الخسائر بين قواتنا، وعدد المصابين وسط المدنيين في القطاع، والدمار الواسع، وإلحاق الضرر بالموقف الدولي حيال إسرائيل، وعدم التأكد من الطرف الذي ستنتقل إليه السيطرة على القطاع بعد انتهاء العملية الهجومية.
ج - حرب استنزاف في أعقاب استمرار القصف من القطاع، تظهر إسرائيل خلالها عزمها وتصميمها وثقتها بأنها قادرة على استنزاف "حماس" وإضعافها والتسبب بالانهيار الداخلي لسلطتها، وفي موازاة ذلك إقامة تحالف إقليمي دولي لإعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع.
•في ضوء مسار الأحداث حتى الآن، وإذا قررت حكومة إسرائيل التمسك بسياسة إضعاف "حماس"، فإن الخيار الأكثر معقولية هو خيار الاستنزاف. وفي الواقع، فإن الاستنزاف ليس سلاح الطرف الضعيف فقط، وفي استطاعة إسرائيل أن تنتهجه نظراً لتفوقها في الموارد، ولأنه يشكل رداً دفاعياً كافياً، ويمكن أن يستنزف "حماس" من دون الاستجابة إلى مطالبها، ومن دون تقديم تسهيلات على المعابر وربما أيضاً مع حظر دخول البضائع ومنع تزويد القطاع بالطاقة.
•ويجب أن يحدث هذا كله بتنسيق وثيق مع مصر ومع السلطة إذا كان ذلك ممكناً. وبهذه الطريقة ستدرك "حماس" أنه من الأفضل الاستجابة للشروط المصرية لوقف النار وإشراك السلطة في إدارة القطاع.